الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال مؤلف الكتاب: وبعد هذا فاتفق الكل على الطعن فيه ، ثم انقسموا على ثلاثة أقسام:

فقوم طعنوا فيه لما يرجع إلى العقائد والكلام في الأصول . وقوم طعنوا في روايته وقلة حفظه وضبطه . [ ص: 132 ]

وقوم طعنوا فيه لقوله بالرأي فيما يخالف الأحاديث الصحاح .

فأما القسم الأول: فأخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا علي بن محمد المعدل قال: أخبرنا محمد بن عمرو البختري الرزاز قال: حدثنا حسن بن إسحاق قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا حمزة بن الحارث بن عمير ، عن أبيه قال: سمعت رجلا يسأل أبا حنيفة في المسجد عن رجل قال: أشهد أن الكعبة حق ، ولكن لا أدري هي هذه التي بمكة أم لا؟ فقال: مؤمن حقا .

وسأله عن رجل قال: أشهد أن محمدا عبد الله نبي ، ولكن لا أدري هو هذا الذي قبره بالمدينة أم لا؟ قال: مؤمن حقا .

قال الحميدي: ومن قال هذا فقد كفر .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثني علي بن عثمان بن نفيل قال: حدثنا أبو مسهر قال: حدثنا يحيى بن [ ص: 133 ] حمزة: أن أبا حنيفة قال: لو أن رجلا عبد هذا البغل يتقرب به إلى الله لم أر بذلك بأسا .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله السراج قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عبدوس قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: حدثنا محبوب بن موسى الأنطاكي قال: سمعت أبا إسحاق الفزاري يقول: سمعت أبا حنيفة يقول: إيمان أبي بكر الصديق وإيمان إبليس واحد ، قال إبليس: يا رب . وقال أبو بكر: يا رب .

قال أبو إسحاق : ومن كان من المرجئة ثم لم يقل هذا أنكر عليه قوله .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سليمان المؤدب قال: أخبرنا أبو بكر بن المقرئ قال: حدثنا سلامة بن محمود قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر قال: سمعت أبا مسهر يقول: كان أبو حنيفة رأس المرجئة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال: المشهور عن أبي حنيفة أنه كان يقول بخلق القرآن ثم استتيب منه .

وأخبرنا الخلال قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا عمر بن الحسن القاضي قال: حدثنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: كان أبو [ ص: 134 ] حنيفة في مجلس عيسى بن موسى فقال: القرآن مخلوق . فقال: أخرجوه ، فإن تاب ، وإلا فاضربوا عنقه .

قال أبو بكر الحافظ: وأخبرني الحسن بن محمد أخو الخلال قال: أخبرنا جبريل بن محمد العدل قال: أخبرنا محمد بن حيويه قال: حدثنا محمد بن غيلان .

قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: سمعت شريكا يقول: استتيب أبو حنيفة مرتين .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر الحافظ قال: أخبرنا ابن رزق قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلمة قال: حدثنا أحمد بن علي قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد قال: حدثنا محبوب بن موسى قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: قال أبو حنيفة: لو أدركني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدركته لأخذ بكثير من قولي .

القسم الثاني: أنهم ضعفوه لعلة حفظه وضبطه ، وكثرة خطأه فيما روى:

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله الأنماطي قال: أخبرنا محمد بن المظفر قال: أخبرنا علي بن أحمد بن سليمان الصرفي قال: أخبرنا أحمد بن سعيد بن أبي مريم قال: سألت يحيى بن معين عن أبي حنيفة قال: لا تكتب حديثه .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني علي بن محمد المالكي قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان الصفار قال: أخبرنا محمد بن عثمان الصيرفي قال: حدثنا عبد الله بن علي بن عبد الله المديني قال: سألت عن أبي حنيفة فضعفه جدا .

وقال: روى خمسين حديثا أخطأ فيها .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا ابن الفضل قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا سهل بن أحمد الواسطي قال: حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال: أبو حنيفة ليس بالحافظ ، مضطرب الحديث ، واهي الحديث . [ ص: 135 ]

وقال أبو بكر بن أبي داود: جميع ما روى أبو حنيفة من الحديث مائة وخمسون حديثا أخطأ أو قال: غلط في نصفها .

القسم الثالث: قوم طعنوا فيه لميله إلى الرأي المخالف للحديث الصحيح ، وقد كان بعض الناس يقيم عذره ويقول: ما بلغه الحديث ، وذلك ليس بشيء لوجهين:

أحدهما: أنه لا يجوز أن يفتي من يخفى عليه أكثر الأحاديث الصحيحة .

والثاني: أنه كان إذا أخبر بالأحاديث المخالفة لقوله لم يرجع عن قوله .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن حيويه الأصفهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عيسى الخشاب قال: حدثنا أحمد بن مهدي قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن قال: حدثنا إسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي قال: حدثني أبو إسحاق الفزاري قال: سألت أبا حنيفة عن مسألة فأجاب فيها فقلت: إنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه كذا وكذا فقال: حك هذا بذنب الخنزير .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال أخبرنا محمد بن أبي نصر النرسي قال: أخبرنا محمد بن عمر بن بهتة البزاز قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا موسى بن هارون بن إسحاق قال: حدثنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثني أبو بكر بن أبي الأسود ، عن بشر بن مفضل قال: قلت لأبي حنيفة: روى نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "البائعان بالخيار ما لم يتفرقا" قال: هذا زجر .

قلت: قتادة عن أنس: أن يهوديا رضخ رأس جارية بين حجرين فرضخ النبي صلى الله عليه وسلم رأسه بين حجرين . فقال: هذيان . [ ص: 136 ]

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: أخبرنا البرقاني قال: قرأت على محمد بن محمود المحمودي: حدثكم محمد بن علي الحافظ قال: حدثنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا عبد الصمد ، عن أبيه قال: ذكر لأبي حنيفة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم" فقال: هذا سجع . وذكر له قول قاله عمر فقال: هذا قول شيطان .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا الخلال قال: حدثنا عبد الله بن عثمان الصفار قال: حدثنا محمد بن مخلد قال: حدثنا العباس بن محمد قال: حدثنا إبراهيم بن شماس قال: سمعت وكيعا يقول: سأل ابن المبارك أبا حنيفة عن رفع اليدين في الركوع فقال أبو حنيفة: يريد أن يطير فيرفع يديه؟

فقال له ابن المبارك: إن كان طار في الأولى فإنه يطير في الثانية . فسكت أبو حنيفة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد المتوثي قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: أخبرنا أحمد بن بشر المرثدي قال: أخبرنا رجاء بن السندي قال: سمعت بشر بن السري يقول: سمعت أبا عوانة يقول: كنت جالسا عند أبي حنيفة فأتاه رسول من قبل السلطان فقال: يقول الأمير: رجل سرق وديا ، فما ترى؟ فقال - غير متتعتع - إن كانت قيمته عشرة دراهم فاقطعوه . فذهب الرجل ، فقلت لأبي حنيفة: ألا تتقي الله؟ حدثني يحيى بن سعيد ، عن محمد بن يحيى بن حيان ، عن رافع بن خديج: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا [ ص: 137 ] قطع في ثمر ولا كثر" أدرك الرجل فإنه يقطع . فقال - غير متتعتع - ذاك حكم قد مضى فانتهى ، وقد قطع الرجل .

أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثنا ابن دوما قال: أخبرنا ابن أسلم قال: حدثنا الأبار قال: حدثنا محمد بن عجلان ، عن مؤمل قال: سمعت حماد بن سلمة يقول: أبو حنيفة يستقبل السنة يردها برأيه .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال: أخبرنا البرقاني قال: قرأت على أبي حفص بن الزيات قال: حدثكم عمر بن محمد الكاغدي قال: حدثنا أبو السائب قال: سمعت وكيعا يقول: وجدنا أبا حنيفة خالف مائتي حديث .

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن محمد بن عثمان البجلي قال: حدثنا عمر بن محمد بن عمر بن الفياض قال: أخبرنا أبو طلحة أحمد بن محمد بن عبد الكريم قال: حدثنا عبد الله بن حسن قال: حدثنا أبو صالح الفراء قال: سمعت يوسف بن أسباط يقول: رد أبو حنيفة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة حديث أو أكثر . فقلت له: يا أبا محمد ، تعرفها؟ قال: نعم .

قلت: أخبرني بشيء . فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للفرس سهمان وللراجل سهم" قال أبو حنيفة: أنا لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن .

وأشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه البدن ، وقال أبو حنيفة: الإشعار مثلة .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا" وقال أبو حنيفة: إذا وجب البيع فلا خيار .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج في سفر وأقرع أصحابه .

وقال أبو حنيفة: القرعة قمار . [ ص: 138 ]

وقال أبو حنيفة: لو أدركني النبي صلى الله عليه وسلم وأدركته لأخذ بكثير من قولي ، وهل الدين إلا الرأي الحسن .

قال بعض العلماء: العجب من أبي حنيفة ، كيف يقول: وهل الدين إلا الرأي ، وهل يعلم أن كثيرا من التكاليف لا يهتدي إليها القياس ، ولهذا يأخذ هو بالحديث الضعيف ويترك القياس .

التالي السابق


الخدمات العلمية