الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة: خرج الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب [رضي الله عنهم] .

وسبب ذلك: أن إسحاق بن عيسى بن علي كان على المدينة ، فلما استخلف الهادي وفد إليه واستخلف على المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب [رضي الله عنهم] ، فخرج الحسين بالمدينة ، وصعد المنبر وعليه قميص أبيض وعمامة بيضاء ، فخطب وقال: أيها الناس أنا ابن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في حرم الله وفي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، فإن لم أف لكم فلا بيعة لي في أعناقكم .

وجرت الحرب بينه وبين الولاة ، ثم خرج إلى مكة ، فبعث الهادي محمد بن سليمان للحرب ، فقتل الحسين وأصحابه ، وجيء برأسه إلى الهادي ، وكان مبارك التركي قد كره حرب الحسين ، وبعث إليه: والله لئن أسقط من السماء أحب إلي من أن أشوكك بشوكة ، ولا بد من الأعذار ، فخرج إليه في نفر يسير فانهزم ، فغضب عليه الهادي ، وأمر بقبض أمواله وتصييره في ساسة الدواب ، فلم يزل كذلك حتى مات الهادي . [ ص: 311 ]

وجرت في هذه السنة حادثة عجيبة:

أخبرنا أحمد بن علي بن المحلى قال: أخبرنا أخي أبو نصر هبة الله بن علي قال:

أخبرنا أبو سعد محمد بن أحمد بن الحسن الحاسب قال: حدثنا عبد العزيز أبو الحسن قال: حدثنا [أبو] محمد بن علي بن عبد الله الجوهري قال: حدثنا أبو الحسن الدمشقي قال: حدثنا الزبير قال: حدثني الحسن بن هانئ أبو نواس قال: حدثني أبو عمرو الأعجمي صاحب خبر السند أيام المنصور ثم ولاه موسى أول ما استخلف - قال: فكتب في خبره .

أن رجلا من أشراف أهل السند من آل المهلب بن أبي صفرة اشترى غلاما أسود وهو صغير ، فرباه وتبناه ، فلما اشتد الغلام هوي مولاته ، وراودها عن نفسها فأجابته ، فدخل مولاه يوما على غرة منه فإذا هو على بطن امرأته فعمد إليه فجب ذكره ، وتركه يتشحط في دمه ، ثم أنه أدركته عليه رقة وتخوف من فعله به ، فعالجه إلى أن أبل من علته ، فأقام بعد هذه الحادثة حينا يطلب غرة مولاه ليثأر منه ويدبر عليه أمرا يكون فيه شفاء قلبه وكان لمولاه ابنان ، أحدهما طفل ، والآخر يافع ، فغاب الرجل عن منزله في بعض أموره ، فأخذ الأسود الصبيين فصعد بهما ذروة سطح عال فنصبهما هناك وجعل يعللهما بالمطعم وباللعب ، إلى أن دخل مولاه فرفع رأسه ، فإذا بابنيه في شاهق والغلام ، فقال:

ويلك يا فلان عرضت ابني للموت ، قال: أجل قد ترى موضعهما ، فوالله الذي تحلف به لئن لم تجب نفسك كما جببتني لأرمين بهما . فقال: ويلك الله الله في وفي بني ، قال: دع عنك هذا ، فوالله ما هي إلا نفسي وإني لأسمح بها من شربة ماء أسقاها ، فجعل يكرر ذلك عليه ويأبى ، فذهب ليروم الصعود إليه فأهوى بهما ليرديهما من ذروة ذلك الشاهق ، فقال أبوهما: ويلك اصبر حتى أخرج مدية ، قال: افعل ما أردت ، فأخذ مدية واستقبله ليرى ما يصنع فرمى ذكره وهو يراه ، فلما علم أنه قد فعل رمى بالصبيين فتقطع الصبيان ، وقال: هذا الذي فعلت ثأري ، وهذا زيادة فيه ، فأخذ الأسود وكتب بخبره ، فكتب موسى إلى صاحب السند بقتل الغلام ، وقال: ما سمعت بأعجب من هذا ، وأمر أن يخرج من ملكه وملك نسائه كل أسود .

وفيها: حج بالناس في هذه السنة سليمان بن المنصور . [ ص: 312 ]

وكان على المدينة عمر بن عبد العزيز العمري ، وكان على مكة والطائف عبيد الله بن قثم ، وعلى اليمن إبراهيم بن سلم بن قتيبة ، وعلى اليمامة والبحرين سويد بن أبي سويد الخراساني ، وعلى صلاة الكوفة وأحداثها موسى بن عيسى ، وعلى صلاة البصرة وأحداثها محمد بن سليمان ، وعلى قضائها عمر بن عثمان ، وعلى جرجان الحجاج مولى الهادي ، وعلى قومس زياد بن حسان ، وعلى طبرستان والرويان صالح بن شيخ ابن أبي عميرة الأسدي .

التالي السابق


الخدمات العلمية