الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر بيعة الرشيد

بويع للرشيد بالخلافة في الليلة التي توفي فيها أخوه [الهادي] أخرجه هرثمة بن أعين ليلا فأقعده للمبايعة ، وكانت تلك الليلة ليلة السبت لأربع عشر بقيت من شهر ربيع الأول سنة سبعين . وفيها مات الهادي واستخلف الرشيد وولد المأمون ، فلما جلس للخلافة سلم عليه بالخلافة عمه سليمان بن المنصور ، وعم أبيه العباس بن محمد ، [ ص: 321 ] وعم جده المنصور بن عبد الصمد بن علي ، واستدعى الرشيد يحيى بن خالد بن برمك - وكان قد حبسه الهادي لميله إلى هارون ، وعزم على قتله وقتل هارون - فحضر يحيى فقلده الوزارة ، وكانت الخيزران هي الناظرة في الأمور ، فكان يحيى يعرض عليها ويصدر عن رأيها ، وكان الرشيد يقول ليحيى: يا أبي .

وذكر الصولي: أنه كان يحيى يساير الرشيد يوما فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين ، عطبت دابتي ، فقال: يعطى خمسمائة درهم ، فغمزه يحيى ، فلما نزل قال:

يا أبة ، أومأت إلي بشيء وقت ما أمرت بالدراهم فما هو؟ فقال: مثلك لا يجري هذا المقدار على لسانه ، إنما يذكر مثلك خمسة آلاف ألف ، عشرة آلاف ألف ، قال: فإذا سئلت مثل هذا كيف أقول؟ قال: تقول: نشتري له دابة ، يفعل به فعل نظرائه .

ولما بويع للرشيد خرج فوصل إلى كرسي الجسر فدعا الغواصين ، فقال لهم:

كان المهدي وهب لي خاتما شراؤه مائة ألف دينار ، فدخلت على أخي وهو في يدي ، فلما انصرفت لحقني سليمان الأسود فقال: يأمرك أمير المؤمنين أن تعطيني الخاتم ، فرميت به في هذا الموضع . فغاصوا فأخرجوه ، فسر به غاية السرور .

وكان الهادي قد خلع الرشيد وبايع لابنه جعفر ، وكان خزيمة بن خازم في خمسة آلاف من الموالي عليهم السلاح تلك الليلة ، فهجم ، فأخذ جعفرا من فراشه ، فقال: والله لأضربن عنقك أو تخلعها ، فلما كان من غد ركب الناس إلى باب جعفر ، فأتى به خزيمة فأقامه على باب الدار في العلو ، والأبواب مغلقة ، فنادى جعفر: يا معشر الناس ، من كان لي في عنقه بيعة فقد أحللته منها والخلافة لعمي هارون ، لا حق لي فيها .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني الأزهري قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال: أخبرني أبو العباس المنصوري ، عن عمرو بن بحر قال:

أجمع الرشيد ما لم يجمع لأحد من جد وهزل: وزراؤه البرامكة لم ير مثلهم سخاء [وسرورا] ، وقاضيه أبو يوسف ، وشاعره مروان بن أبي حفصة كان [ ص: 322 ] في عصره كجرير في عصره ، ونديمه عم أبيه العباس بن محمد صاحب العباسية ، وحاجبه الفضل بن الربيع أتيه الناس وأشدهم تعاظما ، ومغنيه إبراهيم الموصلي أوحد عصره ، وضاربه زلزل [ ، وزامره برصوما] ، وزوجته أم جعفر أرغب الناس في خير ، وأسرعهم إلى كل بر ومعروف ، وهي التي أدخلت الماء الحرم بعد امتناعه من ذلك ، إلى أشياء من المعروف ، ومن كبار قواده المعلى ولي البصرة وفارس والأهواز واليمامة والبحرين وغير ذلك ، وإليه ينسب نهر معلى .

التالي السابق


الخدمات العلمية