الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي هذه السنة: قدم المهدي من خراسان في شوال على المنصور ، فوفد إليه عامة أهل بيته [من كل بلد] يهنئونه فأجازهم وكساهم وحملهم ، وفعل بهم المنصور مثل ذلك ، وأجرى على كل رجل منهم خمس مائة درهم .

وفي هذه السنة: ابتدأ المنصور ببناء الرصافة في الجانب الشرقي من مدينة السلام لابنه المهدي .

وكان السبب في ذلك: أن الراوندية لما حاربوا المنصور على باب الذهب دخل عليه قثم بن العباس بن عبد الله بن العباس ، وهو يومئذ شيخ كبير ومقدم عند القوم ، فقال له أبو جعفر : أما ترى ما نحن فيه من التياث العسكر علينا ، قد خفت أن تجتمع كلمتهم فيخرج هذا الأمر من أيدينا ، فما ترى؟ فقال: يا أمير المؤمنين ، عندي [ ص: 147 ] في هذا رأي ، إن أنا أظهرته لك فسد ، وإن تركتني أمضيه صلحت لك خلافتك وهابك جندك ، فقال: أفتمضي في خلافتي بشيء لا تعلمني ما هو؟ فقال له: إن كنت عندك متهما على دولتك فلا تشاورني ، وإن كنت مأمونا عليها فدعني أمضي رأيي قال: فقال له المنصور : أمضه ، قال: فانصرف قثم إلى منزله فدعا غلاما له فقال: إذا كان غدا فتقدمني فاجلس في دار أمير المؤمنين ، فإذا رأيتني قد دخلت وتوسطت أصحاب المراتب ، فخذ بعنان بغلتي واستوقفني واستحلفني بحق رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وبحق العباس ، وبحق أمير المؤمنين لما وقفت لك وسمعت مسألتك وأجبتك عنها ، فإني سأنتهرك وأغلظ لك فلا يهولنك ذلك مني ، وعاودني بالقول والمسألة ، فإني سأضربك بالسوط ، فلا يشق عليك ذلك ، وقل: أي الحيين أشرف؟ أهل اليمن أو مضر؟ فإذا أجبتك فخل عنان بغلتي وأنت حر ، فغدا الغلام فجلس حيث أمره ، فلما جاء فعل ما أمره به إلى أن قال: أي الحيين أشرف أهل اليمن أو مضر؟ فقال له قثم: مضر ، منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيها كتاب الله عز وجل ، وفيها بيت الله ، ومنها خليفة الله . قال: فامتعضت أهل اليمن إذ لم يذكر لها شيئا من شرفها فقال قائل من قواد أهل اليمن لغلامه: قم فخذ بعنان بغلة الشيخ فاكبحها كبحا عنيفا تطأ من به ، ففعل الغلام حتى كاد يقعيها على عراقيبها ، فامتعضت [من ذلك مضر] وقالت: أيفعل هذا بشيخنا وأمر رجل منهم غلامه فقال: اقطع يد العبد ، فقام ذلك إلى غلام اليماني فقطع يده ، فتفرق الحيان ، وصرف قثم بغلته ، فدخل على أبي جعفر ، وافترق الجند ، وصارت مضر فرقة ، واليمن فرقة ، وربيعة فرقة ، والخراسانية فرقة ، فقال قثم لأبي جعفر: قد فرقت بين جندك وجعلتهم أحزابا ، كل حزب منهم يخاف أن يحدث عليك حدثا ، فتضربه بالحزب الآخر ، وقد بقي عليك في التدبير بقية ، قال: وما هي؟ قال: اعبر بابنك ، فابن له من ذلك الجانب قصرا وحول معه من جيشك قوما فيصير ذلك بلدا وهذا بلدا ، فإن [ ص: 148 ] فسد عليك أهل هذا الجانب ضربتهم بأهل ذلك الجانب ، فإن فسدت عليك مضر ضربتها باليمن وربيعة والخراسانية ، وإن فسدت عليك اليمن ضربتها بمن أطاعك من مضر وغيرها .

فقبل رأيه وأمره فاستوى له ملكه ، وكان سبب البناء في الجانب الشرقي ، فبنى الرصافة للمهدي ، وعمل لها سورا وخندقا وميدانا وبستانا ، وأجرى له الماء ، وأقطع القواد هناك قطائع ، وتولى صالح صاحب المصلى القطائع في الجانب الشرقي ، وفعل كفعل أبي العباس الطوسي في فصول القطائع في الجانب الغربي .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرنا محمد بن علي بن مخلد الوراق قال: حدثنا محمد بن جعفر التميمي قال: حدثنا الحسن بن محمد السكوني قال: حدثنا محمد بن خلف قال: حدثنا أحمد بن محمد الشروي ، عن أبيه [قال]: قدم المهدي من المحمدية بالري سنة إحدى وخمسين ومائة ، في شوال ، ووفدت إليه الوفود ، وبنى له المنصور الرصافة ، وعمل لها سورا وخندقا وميدانا وبستانا ، وأجرى لها الماء .

قال ابن خلف: وقال يحيى بن حسن: كان بناء المهدي بالرهوص إلا ما كان يسكنه .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: [أخبرني القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي الصيرمي ، قال: أنبأنا محمد بن عمران المرزباني ، قال: أخبرني محمد بن يحيى ، قال:] أخبرني محمد بن موسى المنجم أن المعتصم وابن أبي دؤاد اختلفا في مدينة أبي جعفر والرصافة أيهما أعلى؟ [قال]: فأمر بي المعتصم فوزنتهما فوجدت [المدينة] أعلى من الرصافة بذراعين وثلثي ذراع . [ ص: 149 ]

أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: وقيل إن الدروب والسكك أحصيت ببغداد ، فكانت ستة آلاف درب وسكة بالجانب الغربي ، وأربعة آلاف درب وسكة بالجانب الشرقي .

التالي السابق


الخدمات العلمية