الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 305 ]

باب ذكر خلافة موسى الهادي

وهو موسى بن محمد المهدي بن المنصور ، ويكنى أبا محمد ، وأمه:

الخيزران أم ولد ، وكان طويلا جسيما أبيض مشربا حمرة ، وفي شفته العليا تقلص ، ولد بالري ، وكان يثب على الدابة وعليه درعان ، وكان المهدي يسميه: ريحانتي .

ذكر بيعته

بويع لموسى الهادي يوم توفي المهدي ، وكان الهادي إذ ذاك بجرجان يحارب أهل طبرستان ، فاجتمع الموالي والقواد على هارون ، وقالوا: إن علم الجند بوفاته لم نأمن الشغب ، والرأي أن تنادي في الجند بالقفول حتى نواريه ببغداد ، فقال هارون:

ادعوا إلي أبا يحيى بن خالد ، وكان المهدي قد ولى هارون المغرب كله من الأنبار إلى إفريقية ، فأمر يحيى بن خالد أن يتولى ذلك ، وكان يقوم بأعماله ودواوينه إلى أن توفي ، فلما جاء يحيى قال له هارون: يا أبت ، ما تقول فيما يقول عمرو بن بزيع ونصير والمفضل؟ قال: وما قالوا؟ فأخبره ، قال: ما أرى ذلك ، قال: ولم؟ قال: لأن هذا لا يخفى ، ولا آمن إذا علم الجند أن يتعلقوا بمحمله ويقولون: لا نخليه حتى نعطى لثلاث سنين وأكثر ، ويتحكموا ويشتطوا ، ولكن أرى أن يوارى هاهنا ، وتوجه نصيرا إلى أمير المؤمنين الهادي بالخاتم والقضيب والتعزية والتهنئة ، فإن البريد لا ينكر أحد خروجه ، [ ص: 306 ] وأن تأمر لمن معك من الجند بجوائز مائتين مائتين ، وتنادي فيهم بالقفول ، فإنهم إذا قبضوا الدراهم لم يكن لهم همة سوى أهاليهم وأوطانهم ، فلما قبض الجند الدراهم قالوا: بغداد بغداد ، فلما وصلوا إلى بغداد وعلموا خبر الخليفة ساروا إلى منزل الربيع فأخرجوه ، وطالبوا بالأرزاق وضجوا ، وقدم هارون بغداد ، وأعطى الجند لسنتين ، فسكتوا .

ووجه هارون الجنود إلى الأمصار ونعى لهم المهدي ، وأخذ بيعتهم للهادي ، وله بولاية العهد ، ولما بلغ الهادي وفاة المهدي نادى من فوره بالرحيل ، فلما وصل إلى مدينة السلام استقبله الناس ، فوصل لعشر بقين من صفر ، فسار من جرجان إلى بغداد في عشرين يوما ، فلما قدمها نزل القصر الذي يسمى الخلد ، وكان له [جارية] حظية تحبه ، فكتبت إليه وهو بجرجان .

يا بعيد المحل أمسى بجرجان نازلا

[في أبيات أخر] فلما دخل بغداد لم يكن له هم سواها ، فدخل فأقام عندها يومه وليلته قبل أن يظهر للناس .

ثم ولى الربيع الوزارة مكان عبيد الله بن زياد بن أبي ليلى ، وضم إليه ما كان عمر بن بزيع يتولاه من الزمام ، وولى الفضل بن الربيع الحجابة ، وولى محمد بن جميل ديوان خراج العراق ، وولى ابن زياد خراج الشام وما يليه ، وأقر على حرسه علي بن عيسى بن ماهان ، وضم إليه ديوان الجند ، وولى شرطه عبد الله بن مالك مكان عبد الله بن حازم ، وأقر الخاتم بيد علي بن يقطين ، وولى أبا يوسف القضاء .

ذكر أولاده

كان له جعفر وهو الذي يرشحه للخلافة ، والعباس ، وعبد الله ، وإسحاق ، [ ص: 307 ] وإسماعيل ، وسليمان ، وموسى ولد بعد موت أبيه ، وكلهم لأمهات أولاد ، وكان له ابنتان: أم عيسى وكانت عند المأمون ، وأم العباس .

التالي السابق


الخدمات العلمية