الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتباع

قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه فقال : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله )

1861 - وروي عن حذيفة وغيره ، قال " لم يعبدوهم من دون الله ولكن أحلوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم " .

1862 - وقال عدي بن حاتم : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب فقال لي : " يا عدي بن حاتم : " ألق هذا الوثن من عنقك " . وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) قال : قلت : يا رسول الله إنا لم نتخذهم أربابا ، [ ص: 976 ] قال : " بلى ، أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ، ويحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه ؟ " فقلت : بلى ، قال : " تلك عبادتهم " .

1863 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، ثنا قاسم بن أصبغ ، ثنا ابن وضاح ، ثنا يوسف بن عدي ، ثنا أبو الأحوص ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري ، في قوله عز وجل ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) قال : [ ص: 977 ] أما إنهم لو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم ولكنهم أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه وحرامه حلاله فأطاعوهم فكانت تلك الربوبية " .

1864 - قال : ونا ابن وضاح ، نا موسى بن معاوية ، نا وكيع ، نا سفيان ، والأعمش ، جميعا عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري ، قال : قيل لحذيفة في قوله ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) " أكانوا يعبدونهم ؟ قال : لا ، ولكن كانوا يحلون لهم الحرام فيحلونه ويحرمون عليهم الحلال فيحرمونه " وقال عز وجل ( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ) فمنعهم الاقتداء بآبائهم من قبول الاهتداء فقالوا : ( إنا بما أرسلتم به كافرون ) وفي هؤلاء ومثلهم قال الله عز وجل : ( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ) وقال : ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ) وقال الله عز وجل عائبا لأهل الكفر وذاما لهم : ( ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين ) وقال ( إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ) ومثل هذا في القرآن كثير من ذم تقليد الآباء والرؤساء ، [ ص: 978 ] قال أبو عمر : وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر أؤلئك من جهة الاحتجاج بها ؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد كما لو قلد رجل فكفر وقلد آخر فأذنب وقلد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها ، كان كل واحد ملوما على التقليد بغير حجة ؛ لأن كل ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الآثام فيه ، وقال الله عز وجل ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) وقد ثبت الاحتجاج بما قدمنا في الباب قبل هذا وفي ثبوته إبطال التقليد أيضا ، فإذا بطل التقليد بكل ما ذكرنا وجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها وهي الكتاب والسنة أو ما كان في معناهما بدليل جامع بين ذلك " .

التالي السابق


الخدمات العلمية