الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1837 - أخبرنا أحمد قال : نا محمد بن عيسى ، ثنا بكر بن سهل ، ثنا نعيم ، ثنا عبد الله بن المبارك ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، عن محمد بن سليم أحد بني ربيعة بن حنظلة بن عدي قال : بعثني وعون بن عبد الله عمر بن عبد العزيز ، إلى خوارج خرجت بالجزيرة فذكر الخبر في مناظرة عمر الخوارج ، وفيه قالوا : خالفت أهل بيتك وسميتهم الظلمة ، فإما أن يكونوا على الحق أو يكونوا على الباطل ، فإن زعمت أنك على الحق وهم على الباطل فالعنهم وتبرأ منهم ، فإن فعلت فنحن منك وأنت منا ، وإن لم تفعل فلست منا ولسنا منك ، فقال عمر : " إني قد علمت أنكم لم تتركوا الأهل والعشائر وتعرضتم للقتل والقتال إلا وأنتم ترون أنكم مصيبون ، ولكنكم أخطأتم وضللتم وتركتم الحق ، أخبروني عن الدين أواحد أو اثنان ؟ قالوا : بل واحد ، قال : فيسعكم في دينكم شيء يعجز عني ؟ قالوا : لا ، قال : أخبروني عن أبي بكر وعمر ما حالهما عندكم ؟ قالوا : أفضل أسلافنا أبو بكر وعمر قال : ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي ارتدت العرب فقاتلهم أبو بكر فقتل الرجال وسبى الذرية والنساء ؟ قالوا : بلى ، قال عمر بن عبد العزيز : فلما توفي أبو بكر وقام عمر رد النساء والذراري على عشائرهم ؟ قالوا : بلى ، قال عمر : فهل تبرأ عمر من أبي بكر ولعنه بخلافه إياه ؟ قالوا : لا ، قال : فتتولونهما على اختلاف سيرتهما ؟ قالوا : نعم ، قال عمر : " فما تقولون في بلال بن مرداس ؟ " قالوا : من خير أسلافنا بلال بن مرداس قال : " أفلستم قد علمتم أنه لم يزل كافا عن الدماء والأموال وقد لطخ أصحابه أيديهم في الدماء والأموال فهل تبرأت إحدى الطائفتين من الأخرى أو لعنت إحداهما الأخرى ؟ قالوا : لا قال : فتتولونهما جميعا على اختلاف سيرتهما ؟ " قالوا : نعم ، قال عمر : " فأخبروني [ ص: 967 ] عن عبد الله بن وهب الراسبي حين خرج من البصرة هو وأصحابه يريدون أصحابكم بالكوفة فمروا بعبد الله بن خباب فقتلوه وبقروا بطن جاريته ، ثم عدوا على قوم من بني قطيعة فقتلوا الرجال وأخذوا الأموال وغلوا الأطفال في المراجل وتأولوا قول الله عز وجل ( إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) ثم قدموا على أصحابهم من أهل الكوفة وهم كافون عن الفروج والدماء والأموال فهل تبرأت إحدى الطائفتين من الأخرى أو لعنت إحداهما الأخرى ؟ " قالوا : لا ، قال عمر : " فتتولونهما على اختلاف سيرتهما ؟ " قالوا : نعم قال عمر : " فهؤلاء الذين اختلفوا بينهم في السيرة والأحكام ولم يتبرأ بعضهم من بعض على اختلاف سيرتهم ووسعهم ووسعكم ذلك ولا يسعني حين خالفت أهل بيتي في الأحكام والسيرة حتى ألعنهم وأتبرأ منهم ، أخبروني عن اللعن أفرض هو على العباد ؟ " قالوا : نعم ، قال عمر لأحدهما " متى عهدك بلعن فرعون ؟ " قال : ما لي بذلك عهد منذ زمان فقال عمر : " هذا رأس من رؤوس الكفر ليس له عهد بلعنه منذ زمان ، وأنا لا يسعني أن لا ألعن من خالفتهم من أهل بيتي " وذكر تمام الخبر .

1838 - قال أبو عمر : هذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، وهو ممن جاء عنه التغليظ في النهي عن الجدال في الدين وهو القائل : من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل ، فلما اضطر وعرف الفلح في قوله ورجا أن يهدي الله به لزمه البيان فبين وجادل ، وكان أحد الراسخين في العلم رحمه الله ، . [ ص: 968 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية