الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2191 - قيل لابن المبارك : فلان يتكلم في أبي حنيفة فأنشد بيت ابن الرقيات :


حسدوك أن رأوك فضلك اللـ ـه بما فضلت به النجباء

[ ص: 1117 ]

2192 - وقيل لأبي عاصم النبيل : فلان يتكلم في أبي حنيفة فقال : هو كما قال نصيب :

سلمت وهل حي على الناس يسلم .

2193 - وقال أبو الأسود الدؤلي :


حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه     فالناس أعداء له وخصوم



فمن أراد أن يقبل قول العلماء الثقات الأئمة الأثبات بعضهم في بعض فليقبل قول من ذكرنا قوله من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بعضهم في بعض ، فإن فعل ذلك ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا ، وكذلك إن قبل في سعيد بن المسيب قول عكرمة ، وفي الشعبي وأهل الحجاز وأهل مكة وأهل الكوفة وأهل الشام على الجملة وفي مالك والشافعي وسائر من ذكرناه في هذا الباب ما ذكرنا عن بعضهم في بعض فإن لم يفعل ولن يفعل إن هداه الله وألهمه رشده فليقف عند ما شرطنا في أن لا يقبل فيمن صحت عدالته وعلمت بالعلم عنايته ، وسلم من الكبائر ولزم المروءة والتصاون وكان خيره غالبا وشره أقل عمله فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به ، وهذا هو الحق الذي لا يصح غيره إن شاء الله .

2194 - قال أبو العتاهية :


بكى شجوه الإسلام من علمائه     فما اكترثوا لما رأوا من بكائه
فأكثرهم مستقبح لصواب من     يخالفه مستحسن لخطائه
فأيهم المرجو فينا لدينه     وأيهم الموثوق فينا برأيه



والذين أثنوا على سعيد بن المسيب وعلى سائر من ذكرنا من التابعين وأئمة المسلمين أكثر من أن يحصوا وقد جمع الناس فضائلهم وعنوا بسيرهم وأخبارهم ، فمن قرأ فضائلهم وفضائل مالك وفضائل الشافعي وفضائل أبي حنيفة بعد فضائل الصحابة [ ص: 1118 ] والتابعين رضي الله عنهم وعني بها ، ووقف على كريم سيرهم وسعى في الاقتداء بهم ، وسلك سبيلهم في علمهم وفي سمتهم وهديهم كان ذلك له عملا زاكيا نفعنا الله عز وجل بحبهم جميعهم .

2195 - قال الثوري رحمه الله : " عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة " ومن لم يحفظ من أخبارهم إلا ما نذر من بعضهم في بعض على الحسد والهفوات والغضب والشهوات دون أن يعني بفضائلهم ويروي مناقبهم حرم التوفيق ودخل في الغيبة وحاد عن الطريق جعلنا الله وإياك ممن يسمع القول فيتبع أحسنه وقد افتتحنا هذا الباب بقوله صلى الله عليه وسلم : " دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء " ، وفي ذلك كفاية وقد أكثر الناس من القول في الحسد نظما ونثرا وقد بينا ما يجب بيانه من ذلك وأوضحته في كتاب التمهيد عند قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تحاسدوا ولا تقاطعوا " وأفردنا للنظم والنثر بابا في كتاب بهجة المجالس ومن صحبه التوفيق أغناه من الحكمة يسيرها ومن المواعظ قليلها إذا فهم واستعمل ما علم ، وما توفيقي إلا بالله وهو حسبي ونعم الوكيل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية