الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر الدليل ومعناه .

664 - أنا أبو نعيم الحافظ ، نا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني ، نا معاذ بن المثنى ، قال : سمعت أحمد بن حنبل ، رحمه الله يقول : " أصول الإيمان ثلاثة : دال ، ودليل ، ومستدل : فالدال الله عز وجل ، والدليل القرآن ، والمستدل : المؤمن ، فمن طعن على الله وعلى كتابه وعلى رسوله ، فقد كفر " .

سمعت أبا إسحاق الفيروزآبادي يقول : الدليل : هو المرشد إلى المطلوب ، ولا فرق في ذلك ، بين ما يقطع به من الأحكام وبين ما لا يقطع به .

أما الدال : فهو الناصب للدليل ، وهو الله عز وجل ، وقيل هو والدليل واحد ، كالعلم والعليم ، وإن كان أحدهما أبلغ .

والمستدل هو : الطالب للدليل ، ويقع ذلك على السائل ، لأنه يطلب الدليل من المسئول ، وعلى المسئول ، لأنه يطلب الدليل من الأصول .

والمستدل عليه هو : الحكم الذي هو التحليل والتحريم .

والمستدل له : يقع على الحكم ، لأنه الدليل يطلب له ، ويقع [ ص: 45 ] على السائل ، لأن الدليل يطلب له .

والاستدلال هو : طلب الدليل ، وقد يكون ذلك من السائل للمسؤول ، وقد يكون من المسئول في الأصول .

قلت : والفقهاء يسمون أخبار الآحاد دلائل ، والقياس كلما أدى إلى غلبة الظن سموه حجة ودليلا ، والمحققون من المتكلمين وأهل النظر يعيبونهم في ذلك ويقولون : الحجة والدليل ما أكسب المحتج والمستدل علما بالمدلول عليه وأفضى إلى يقين ، فأما ما يفضي إلى غلبة الظن ، فليس بدليل في الحقيقة ، وإنما هو أمارة .

قلت : وما غلط الفقهاء ولا المتكلمون ، أما المتكلمون : فقد حكوا الحقيقة في الدليل والحجة ، وأما الفقهاء : فسموا ما كلفوا المصير إليه بأخبار الآحاد وبالقياس وغيره ، مما لا يكسب علما ، وإنما يفضي إلى غلبة الظن دليلا ، لأن الله تعالى أوجب عليهم الحكم بما أدى إليه غلبة الظن من طريق النظر ، فسموه حجة ودليلا للانقياد بحكم الشرع إلى موجبه . وقد قيل : إنما سموا ما أفضى إلى غلبة الظن دليلا وحجة في أعيان المسائل ، لأنه في الجملة معلوم أعني أخبار الآحاد والقياس ، وإنما يتعلق بغلبة الظن أعيان المسائل ، فأما الأصل فإنه متيقن مقطوع به ، وقد ورد القرآن بتسمية ما ليس بحجة في الحقيقة حجة ، قال الله تعالى : ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) [ ص: 46 ] وقال تعالى : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم ) فأما الآية الأولى فإن تقديرها : بعثت الرسل ، وأزحت العلل ، حتى لا يقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين ، ولا يقولوا : لولا أرسلت إلينا رسولا ، فأزاح الله العلل بالرسل ، حتى لا يكون لهم حجة فيما ارتكبوه من المخالفة ، ويجب أن تعلم أن الله تعالى لو ابتدأ الخلق بالعذاب لم يخرج بذلك عن الحكمة ، ولا كانت عليه حجة وله أن يفعل ذلك ، لأنه قسم من أقسام التصرف في ملكه ، فبان أن ما يقولونه ليس بحجة ، إذ ليس ذلك من شرط عذابه ، وإنما سماه حجة ؛ لأنه يصدر من قائله مصدر الحجاج والاستدلال .

وأما الآية الأخرى فإنها نزلت في اليهود ، وذلك أنهم قالوا : لو لم يعلم محمد أن ديننا حق ما صلى إلى بيت المقدس ، فأنزل الله تعالى : ( لئلا يكون للناس عليكم حجة ) يعني اليهود في قولهم هذا ، وإن لم يكن حجة في الحقيقة ، وليس تفرق العرب بين ما يؤدي إلى العلم أو الظن أن تسميه حجة ودليلا وبرهانا .

التالي السابق


الخدمات العلمية