الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وإذا صح الجواب من جهة المسئول قال له السائل : ما الدليل عليه ؟ وهو السؤال الثاني : فإذا ذكر المسئول الدليل فإن كان السائل يعتقد أن ما ذكره ليس بدليل مثل أن يكون قد احتج بالقياس ، والسائل ظاهري لا يقول بالقياس فقال للمسؤول : هذا ليس بدليل ، فإن المسئول يقول له : هذا دليل عندي ، وأنت بالخيار بين أن تسلمه وبين أن تنقل الكلام إليه ، فأدل على صحته ، فإن قال السائل : لا أسلم لك ما احتججت به ، ولا أنقل الكلام إلى الأصل ، كان متعنتا مطالبا للمسؤول بما لا يجب عليه ، وإنما كان كذلك لأن المسئول لا يلزمه أن يثبت مذهبه إلا بما هو دليل عنده ، ومن نازعه في دليله دل على صحته ، وقام بنصرته ، فإذا فعل ذلك ، فقد قام بما يجب عليه فيه ، وإن عدل إلى دليل غيره لم يكن منقطعا ، لأن ذلك لعجز السائل عن الاعتراض على ما احتج به ، وقصوره عن القدح فيه ، ولأن المسئول لا تلزمه معرفة مذهب السائل ، لأنه لا تضره مخالفته ، ولا تنفعه موافقته ، وإنما المعول على الدليل ، وهذا لا إشكال فيه .

وأما السائل إذا عارضه بما هو دليل عنده ، وليس بدليل عند المسئول ، مثل أن يعارض خبره المسند بخبر مرسل ، أو خبر المعروف بخبر المجهول ، وما أشبه ذلك ، وقال للمسؤول ، إما أن تسلم ذلك لي فيكون معارضا لما رويته ، وإما أن تنقل الكلام إلى مسألة المرسل والمجهول ، فهذا ليس للسائل أن يقوله ويخالف المسئول فيه ، لأن [ ص: 81 ] السائل تابع للمسؤول فيما يورده المسئول ويحتج به ، وإنما كان كذلك ، لأنه لما سأله عن دليله الذي دله على صحة مذهبه ، والطريق الذي أداه إلى اعتقاده ، لزمه أن ينظر معه فيما يورده ، فإن كان فاسدا بين فساده ، وإن لم يكن فاسدا صار إليه وسلمه له ، ولهذا المعنى جاز للمسؤول أن يفرض المسألة حيث اختاره وكان السائل تابعا له فيه ولم يجز للسائل أن ينقله إلى جنبة أخرى ويفرض الكلام فيها .

ويكفي المسئول إذا عارضه السائل بما ليس بدليل عنده ، مثل ما ذكرناه من التمثيل في الخبر المرسل وخبر المجهول أن يرده بأن يقول : هذا لا يصح على أصلي ، ثم هو بالخيار بين أن يبين للسائل من أي وجه لا يصح على أصله ، وبين أن يرده بمجرد مذهبه ، وقد ورد القرآن بذلك ، قال الله تبارك وتعالى : ( سبحانه أن يكون له ولد ) وقال : ( لم يلد ولم يولد ) ولم يذكر في الموضعين تعليلا ، وقال تعالى : ( ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ) فبين العلة في سقوط قول من قال : إن له ولدا ، وإن له شريكا .

[ ص: 82 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية