الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
769 - أنا أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس الحافظ ، أنا علي بن عبد الله بن المغيرة ، نا أحمد بن سعيد الدمشقي ، قال : قال عبد الله بن المعتز : " العالم يعرف الجاهل ، لأنه قد كان جاهلا ، والجاهل لا يعرف العالم ، لأنه لم يكن عالما " .

وقد قيل : " المرء عدو ما جهل " .

وجاء هذا الكلام بلفظ آخر وهو : " من جهل شيئا عاداه " .

ونظم هذا الكلام في أبيات تعزى إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فالله أعلم بصحة ذلك ، وهي :


الناس من جهة التمثيل أكفاء أبوهم آدم ، والأم حواء     فإن يكن لهم من بعد ذا نسب
يفاخرون به ، فالطين والماء     ما الفخر إلا لأهل العلم ، إنهم
على الهدى لمن استهدى أدلاء     وقدر كل امرئ ما كان يحسنه
والجاهلون لأهل العلم أعداء [ ص: 151 ]     فعش بعلم ، ولا تبغي به بدلا
فالناس موتى ، وأهل العلم أحياء



وهذا المعنى مأخوذ من قول الله سبحانه : ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه )

وأما طعن المتخصصين من أهل الرأي والمتكلمين ، فأنا أبين السبب فيه ليعرفه من لم يكن يدريه .

أما أهل الرأي فجل ما يحتجون به من الأخبار واهية الأصل ، ضعيفة عند العلماء بالنقل ، فإذا سئلوا عنها بينوا حالها ، وأظهروا فسادها ، فشق عليهم إنكارهم إياهم ، وما قالوه في معناها ، وهم قد جعلوها عمدتهم ، واتخذوها عدتهم ، وكان فيها أكثر النصرة لمذاهبهم ، وأعظم العون على مقاصدهم ومآربهم ، فغير مستنكر طعنهم عليهم ، وإضافتهم أسباب النقص إليهم ، وترك قبول نصيحتهم في تعليلهم ، ورفض ما بينوه من جرحهم ، وتعديلهم ، لأنهم قد هدموا ما شيدوه وأبطلوا ما أموه منه وقصدوه ، وعللوا ما ظنوا صحته واعتقدوه .

وأما المتكلمون : فهم معذورون فيما يظهرونه من الإزدراء بهم ، والعيب لهم ، لما بينهم من التباين الباعث على البغضاء والتشاحن ، واعتقادهم في جل ما ينقلونه ، وعظم ما يروونه ويتداولونه ، إبطاله ، وإكفار الذين يصححونه وإعظامهم عليهم الفرية .

[ ص: 152 ] وتسميتهم لهم الحشوية ، واعتقاد المحدثين في المتكلمين غير خاف على العلماء والمتعلمين ، فهما كما قال الأول :


الله يعلم إنا لا نحبكم     ولا نلومكم إذ لا تحبونا



فقد ذكرت السبب الموجب لتنافي هذين الفريقين ، وتباعد ما بين هاتين الطائفتين .

ورسمت في هذا الكتاب لصاحب الحديث خاصة ، ولغيره عامة ما أقوله نصيحة مني له ، وغيره عليه ، وهو أن يتميز عمن رضي لنفسه بالجهل ، ولم يكن فيه معنى يلحقه بأهل الفضل ، وينظر فيما أذهب فيه معظم وقته ، وقطع به أكثر عمره من كتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجمعه ، ويبحث عن علم ما أمر به من معرفة حلاله وحرامه ، وخاصه وعامه ، وفرضه وندبه ، وإباحته وحظره ، وناسخه ومنسوخه ، وغير ذلك من أنواع علومه قبل فوات إدراك ذلك فيه ، وقد :

التالي السابق


الخدمات العلمية