الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

وأما السؤال الرابع : وهو السؤال على سبيل الاعتراض والقدح في الدليل ، فإن ذلك يختلف على حسب اختلاف الدليل :

فإن كان دليله من القرآن كان الاعتراض عليه من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن ينازعه في كونه محكما ، ويدعي أنه منسوخ .

مثاله : أن يحتج الشافعي ، بقول الله تعالى : ( فإما منا بعد وإما فداء ) فيدعي خصمه أنه منسوخ بقوله تعالى : ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) فيقول المسئول إذا أمكن الجمع بينهما ، لم يجز حمله على النسخ .

والثاني : أن ينازعه في مقتضى لفظه .

مثال ذلك : أن يحتج الشافعي على وجوب الإيتاء من مال الكتابة ، بقوله تعالى : ( وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) فيقول المخالف : إنه إيتاء من مال الزكاة دون مال الكتابة ، فيقول المسئول : هو خطاب للسادات ، لأنه قال : (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ) فلا يصلح لإيتاء الزكاة .

والثالث أن يعارضه بغيره ، فيحتاج أن يجيب عنه بما يدل على أنه لا يعارضه أو يرجح دليله على ما عارضه به .

مثال ذلك : أن يحتج على تحريم الجمع بين الأختين بملك [ ص: 84 ] اليمين ، بقوله تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) فيعارضه بقوله تعالى : ( أو ما ملكت أيمانكم ) أو يعارضه بالسنة ويكون جواب المسئول ما ذكرناه .

وإن كان دليله من السنة ، فالاعتراض عليه من خمسة أوجه :

أحدها : أن يطالبه بإسناد حديثه .

والثاني : أن يقدح في إسناده .

والثالث : أن يعترض على متنه .

والرابع : أن يدعي نسخه .

والخامس : أن يعارضه بخبر غيره .

فأما المطالبة بإسناده ، فهي صحيحة ، أنه لا حجة فيه إذا لم يثبت إسناده ، وقد جرت عادة المتأخرين من أهل العلم بترك المطالبة بالإسناد ، وهذا لا بأس به في الألفاظ المشهورة والأحاديث المحفوظة المتداولة بين الفقهاء ، فأما الغريب الشاذ فإنه يجب المطالبة بإسناده ، فإن قال المخالف : هذا الحديث ذكره محمد بن الحسن في الأصول ، أو رواه أبو يوسف في الأمالي ، لم يكن فيه حجة ، لأن أهل العراق يروون المراسيل والبلاغات ويحتجون بها ، ولا حجة فيها عندنا .

وأما الاعتراض الثاني وهو : القدح في الإسناد فمن وجوه :

منها : أن يكون الراوي غير عدل .

ومنها : أن يكون مجهولا .

ومنها : أن يكون الحديث مرسلا .

[ ص: 85 ] فأما الجواب عن عدم العدالة مثل أن يقول في الراوي ليس بثقة ، فهو أن السبب الموجب لذلك يجب أن يفسر فربما لم يكن إذا فسر يوجب إسقاط العدالة .

والجواب عمن قال : راوي خبرك مجهول ، هو أن من روى عنه رجلان عدلان خرج بذلك عن أحد الجهالة على شرط أصحاب الحديث ، فيبين أنه روى عنه رجلان عدلان .

والجواب عمن قال الحديث مرسل : أن يبين اتصاله من وجه يصح الاحتجاج به .

وأما الاعتراض الثالث وهو على المتن فمن وجوه :

أحدها : أن يكون المتن جوابا عن سؤال ، والسؤال مستقل بنفسه ، فيدعي المخالف قصره على السؤال .

والجواب عن ذلك : أن الاعتبار بجواب النبي صلى الله عليه وسلم ، دون سؤال السائل ، وقد بينا هذا في موضعه .

ومن ذلك أن يكون الجواب غير مستقل بنفسه ويكون مقصورا على السؤال ، ويكون السؤال عن فعل خاص يحتمل موضع الخلاف وغيره ، فيلزم السائل المسئول التوقف فيه حتى يقوم الدليل على المراد به .

مثال ذلك : أن يحتج شافعي في وجوب الكفارة على قاتل العمد بما :

التالي السابق


الخدمات العلمية