الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          1454 - (ع) : حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد [ ص: 171 ] العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي أبو خالد المكي ، وأمه أم حكيم فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى ، وعمته خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                          روى عن :النبي صلى الله عليه وسلم (ع) .

                                                                          روى عنه : أيوب بن بشير بن سعد الأنصاري ، وحبيب بن أبي ثابت مرسل (ت) ، وابنه حزام بن حكيم بن حزام (س) ، وحسان بن بلال المزني ، وزفر بن وثيمة النصري (د) ، وسعيد بن المسيب (خ م ت س) ، وصفوان بن محرز ، وابن ابن أخيه الضحاك بن عبد الله بن خالد بن حزام ، والعباس بن عبد الرحمن المدني ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل (خ م د ت س) ، وعبد الله بن عصمة الجشمي (س) ، وعبد الله بن محمد بن صيفي (س) ، وعروة بن الزبير (خ م ت س) ، وعطاء بن أبي رباح ، ومحمد بن سيرين ، والمطلب بن عبد الله بن حنطب ، والمغيرة بن عبد الله ، وموسى بن طلحة بن عبيد الله (م س) ، ويوسف بن ماهك (4) ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، وأبو صالح مولاه .

                                                                          [ ص: 172 ] ذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة ممن لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق ، وأسلم قبل أن يدخل مكة - يعني عام الفتح - وقال : قال محمد بن عمر : شهد حكيم بن حزام مع أبيه الفجار ، وقتل أبوه حزام بن خويلد في الفجار الآخر .

                                                                          وقال أحمد بن عبد الله ابن البرقي : كان إسلامه يوم الفتح ، وكان من المؤلفة ، أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة بعير ، فيما ذكر ابن إسحاق .

                                                                          ولد حكيم بن حزام : أم هشام ، وهشام ، وخالد ، ويحيى ، وعبد الله ، وأم عمرو ، وحزام ، فذلك سبعة .

                                                                          وقال أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري : وأما حزام ففي قريش حزام بن خويلد أبو حكيم بن حزام ، قتل يوم الفجار الأخير ، وابنه حكيم بن حزام أسلم يوم فتح مكة ، وكان كريما جوادا ، وأحد علماء قريش بالنسب .

                                                                          وقال البخاري : عاش في الجاهلية ستين سنة ، وفي [ ص: 173 ] الإسلام ستين سنة، قاله إبراهيم بن المنذر .

                                                                          وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني المنذر بن عبد الله ، عن موسى بن عقبة ، عن أم حبيبة مولى الزبير قال : سمعت حكيم بن حزام يقول : ولدت قبل قدوم أصحاب الفيل بثلاث عشرة سنة وأنا أعقل ، حين أراد عبد المطلب أن يذبح ابنه عبد الله حين وقع نذره ، وذلك قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : حدثني مصعب بن عثمان قال : دخلت أم حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش ، وهي حامل متم بحكيم بن حزام ، فضربها المخاض في الكعبة ، فأتيت بنطع حين أعجلها الولاد ، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطع .

                                                                          وكان حكيم بن حزام من سادات قريش ، ووجوهها في الجاهلية وفي الإسلام .

                                                                          [ ص: 174 ] قال الزبير : وكان حكيم بن حزام آدم شديد الأدمة ، خفيف اللحم ، ولد قبل الفيل باثنتي عشرة سنة .

                                                                          وقال الليث بن سعد : حدثني عبيد الله بن المغيرة ، عن عراك بن مالك : أن حكيم بن حزام قال : كان محمد النبي صلى الله عليه وسلم أحب رجل من الناس إلي في الجاهلية ، فلما نبئ وخرج إلى المدينة شهد حكيم الموسم وهو كافر ، فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها ليهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة ، فأراده على قبضها هدية ، فأبى فقال : إنا لا نقبل من المشركين شيئا ، ولكن إن شئت أخذتها منك بالثمن ، فأعطيته إياها حين أبى علي الهدية ، فلبسها فرأيتها عليه على المنبر ، فلم أر أحسن منه يومئذ فيها ، ثم أعطاها أسامة بن زيد فرآها حكيم على أسامة ، فقال : يا أسامة أتلبس حلة ذي يزن ؟ قال : نعم ، والله لأنا خير من ذي يزن ، ولأبي خير من أبيه . قال حكيم : فانطلقت إلى مكة فأعجبتهم بقول أسامة .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو إسحاق ابن الدرجي قال : أنبأنا أبو جعفر الصيدلاني وغيره ، قالوا : أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله قالت : أخبرنا أبو بكر بن ريذة قال : أخبرنا أبو القاسم الطبراني قال : حدثنا مطلب بن شعيب الأزدي قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث فذكره .

                                                                          [ ص: 175 ] وقال الزبير بن بكار : حدثني إبراهيم بن المنذر ، عن الواقدي ، عن الضحاك بن عثمان ، عن أهله قالوا : قال حكيم بن حزام : كنت أعالج البز في الجاهلية ، وكنت رجلا تاجرا أخرج إلى اليمن ، وآتي الشام في الرحلتين ، فكنت أربح أرباحا كثيرة ، فأعود على فقراء قومي ، ونحن لا نعبد شيئا ، نريد بذلك ثراء الأموال والمحبة في العشيرة ، وكنت أحضر الأسواق ، وكانت لنا ثلاثة أسواق .

                                                                          سوق بعكاظ يقوم صبح هلال ذي القعدة فيقوم عشرين يوما ، ويحضره العرب ، وبه ابتعت زيد بن حارثة لعمتي خديجة بنت خويلد ، وهو يومئذ غلام فأخذته بستمائة درهم ، فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة سألها زيدا فوهبته له ، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه ابتعت حلة ذي يزن ، فكسوتها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما رأيت أحدا قط أجمل ولا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحلة .

                                                                          ويقال : إن حكيم بن حزام قدم بالحلة في هدنة الحديبية وهو يريد الشام في عير ، فأرسل بالحلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبلها ، وقال : لا أقبل هدية مشرك . قال حكيم بن حزام : فجزعت جزعا شديدا حيث رد هديتي فبعتها بسوق النبط من أول سائم سامني ، ودس رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها زيد بن [ ص: 176 ] حارثة فاشتراها فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها بعد .

                                                                          وكان سوق مجنة يقوم عشرة أيام حتى إذا رأينا هلال ذي الحجة انصرفنا فانتهينا إلى سوق ذي المجاز ، فقام ثمانية أيام .

                                                                          وكل هذه الأسواق ألقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواسم يستعرض القبائل قبيلة قبيلة ، يدعوهم إلى الله ، فلا يرى أحدا يستجيب له ، وأسرته أشد القبائل عليه ، حتى بعث ربه له قوما أراد بهم كرامته هذا الحي من الأنصار ، فبايعوه وصدقوا به ، وآمنوا به ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم ، فجعل الله له دار هجرة وملجأ ، وسبق من سبق إليه ، فالحمد لله الذي أكرم محمدا بالنبوة .

                                                                          فلما حج معاوية سامني بداري بمكة ، فبعتها منه بأربعين ألف دينار ، فبلغني أن ابن الزبير يقول : ما يدري هذا الشيخ ما باع ، لنردن عليه بيعه ، فقلت : والله ما ابتعتها إلا بزق من خمر ، ولقد وصلت الرحم ، وحملت الكل ، وأعطيت في السبيل ، وكان حكيم بن حزام يشتري الظهر والأداة والزاد ، ثم لا يجيئه أحد يستحمله في السبيل إلا حمله . قال : فبينا هو يوما في المسجد جالس ، جاء رجل من أهل اليمن يطلب حملانا يريد الجهاد ، فدل على حكيم فجلس إليه فقال : إني رجل بعيد الشقة ، وقد [ ص: 177 ] أردت الجهاد ، فدللت عليك لتحمل رجلتي ، وتعينني على ضعفي . قال : اجلس فلما أمكنته الشمس وارتفعت ركع ركعات ، ثم انصرف ، وأومأ إلى اليماني فتبعه قال : فجعل كلما مر بصوفة ، أو خرقة ، أو سملة نفضها فأخذها قال : فقلت : والله ما زاد الذي دلني على هذا أن لعب بي أي شيء عند هذا من الخير بعدما أرى قال : فدخل داره فألقى الصوفة مع الصوف ، والخرقة مع الخرق ، والسملة مع السمال قال : ثم قال لغلام له هات لي بعيرا ذلولا ، قال : فأتى به ذلولا موقعا سمينا قال : ثم دعا بجهاز فشد على البعير ، ثم دعا بخطام فخطمه ، ثم قال : هل من جوالقين ، فأتي بجوالقين فأمر لي بدقيق ، وسويق ، وعكة من زيت .

                                                                          وقال : انظر ملحا وجرابا من تمر حتى إذا لم يبق شيء مما يحتاج إليه المسافر إلا أعطانيه ، وكساني ، ثم دعا بخمسة دنانير فدفعها إلي ، فقال : هذه للطريق قال : فخرجت من عنده ، وكان هذا فعل حكيم [ ص: 178 ] وكان معاوية عام حج مر به ، وهو ابن عشرين ومائة سنة ، فأرسل إليه بلقوح يشرب من لبنها ، وذلك بعد أن سأله أي الطعام تأكل ؟ فقال : أما مضغ فلا مضغ بي . فأرسل إليه بلقوح ، وأرسل إليه بصلة ، فأبى أن يقبلها . وقال : لم آخذ من أحد قط بعد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، قد دعاني أبو بكر وعمر إلى حقي فأبيت أن آخذه ، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "الدنيا خضرة حلوة ، فمن أخذها بسخاوة نفس بورك له فيها ، ومن أخذها بإشراف نفس لم يبارك له فيها". فقلت يومئذ : لا أرزأ أحدا بعدك شيئا ، ولقد كانت قريش تبعث بالأموال فابعث بمالي فلربما دعاني بعضهم إلى أن يخالطني بنفقته يريد بذلك الجد في مالي ، وذلك أني كلما أربحت تحنثت به ، أو بعامته أريد بذلك ثراء المال والمحبة في العشيرة .

                                                                          أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري قال : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد قال : أخبرنا الوزير أبو القاسم علي بن طراد بن محمد بن علي الزينبي قال : أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد ابن المسلمة قال : أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص [ ص: 179 ] قال : أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال : حدثنا الزبير بن بكار فذكره .

                                                                          وبه قال : حدثنا الزبير بن بكار قال : أخبرني إبراهيم بن حمزة : أن مشركي قريش لما حصروا بني هاشم في الشعب ، كان حكيم بن حزام تأتيه العير تحمل الحنطة من الشام فيقبلها الشعب ، ثم يضرب أعجازها فتدخل عليهم فيأخذون ما عليها من الحنطة .

                                                                          وبه قال : حدثنا الزبير قال : حدثني عمامة بن عمرو السهمي ، عن مسور بن عبد الملك اليربوعي ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب قال : كان ابن البرصاء الليثي من جلساء مروان بن الحكم ومحدثيه ، وكان يسمر معه ، فذكروا عند مروان الفيء فقال : مال الله ، وقد بين الله قسمه ، ووضعه عمر بن الخطاب مواضعه . فقال مروان : المال مال أمير المؤمنين معاوية يقسمه فيمن شاء ، ويمنعه ممن شاء ، وما أمضى فيه من شيء فهو مصيب فيه ، فخرج ابن البرصاء ، فلقي سعد بن أبي وقاص فأخبره بقول مروان . قال سعيد بن المسيب : فلقيني سعد بن أبي وقاص وأنا أريد المسجد ، فضرب عضدي ثم قال : الحقني تربت يداك . فخرجت معه لا أدري أين يريد حتى دخلنا على مروان بن الحكم داره ، فلم أهب شيئا هيبتي له ، وجلست لئلا يعلم مروان أني كنت [ ص: 180 ] مع سعد ، فقال له سعد لما دخل عليه قبل أن يسلم : يا مري آنت الذي يزعم أن المال مال معاوية ؟ فقال مروان : ما قلت ، ومن أخبرك ؟ قال : آنت الذي يزعم أن المال مال معاوية ؟ قال مروان : وقلت ذاك فمه ؟ قال : فردد ذلك عليه قال : فقلت ذاك فمه ، قال : فرددها عليه الثالثة ، قال : فقلت ذلك فمه ، فرفع يديه إلى الله يدعو وزال رداؤه عنه ، وكان أشعر بعيد ما بين المنكبين ، فوثب إليه مروان فأمسك يديه وقال : اكفف عني يدك أيها الشيخ ، إنك حملتنا على أمر فركبناه ، فليس الأمر كذلك ، فقال سعد : أما والله لو لم تنزع ما زلت أدعو عليك حتى يستجاب لي ، أو تنفرد هذه السالفة . فلما خرج سعد ثبت في مجلسي عند مروان ، فقال مروان : من ترونه ؟ قال لهذا الشيخ قالوا : ابن البرصاء الليثي ، فأرسل إليه فأتي به ، فقال : ما حملك على أن قلت لهذا الشيخ ما قلت ؟ قال الليثي : ذاك حق ما كنت أظنك تجترئ على الله وتفرق من سعد ، فقال له مروان : أوكلما سمعت تكلمت به ؟ أما والله لتعلمن برز جرد فجرد من ثيابه ، وبرز بين يديه ، قال : فبينا نحن على ذلك دخل حاجبه ، فقال : هذا أبو خالد حكيم بن حزام ، فقال : ائذن له ، ثم قال : ردوا عليه ثيابه أخرجوه عنا لا يهيج علينا هذا الشيخ كما فعل الآخر قبله .

                                                                          [ ص: 181 ] فلما دخل حكيم قال مروان : مرحبا بك يا أبا خالد ، ادن مني ، فحال له مروان عن صدر المجلس حتى كان بينه وبين الوسادة ، ثم استقبله مروان ، فقال : حدثنا حديث بدر ، فقال : نعم ، خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها ، وهي زهرة فلم يشهد أحد من مشركيهم بدرا ، ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي قال الله عز وجل ، فجئت عتبة بن ربيعة فقلت : يا أبا الوليد هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت ؟ قال أفعل ماذا ؟ قلت : إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم ابن الحضرمي ، وهو حليفك فتحمل بديته ، وترجع بالناس ، فقال : وأنت ذلك ، فأنا أتحمل بدية حليفي ، فاذهب إلى ابن الحنظلية يعني أبا جهل ، فقل له هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك ؟ فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ، ومن ورائه ، وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول : قد فسخت عقدي من عبد شمس ، وعقدي إلى بني مخزوم ، فقلت له : يقول لك عتبة بن ربيعة : هل لك أن ترجع بالناس عن ابن عمك بمن معك ؟ قال : أوما وجد رسولا غيرك ؟ قال قلت : لا ، ولم أكن لأكون رسولا لغيره قال حكيم : فخرجت أبادر إلى عتبة لئلا يفوتني من الخبر شيء ، وعتبة متكئ على إيماء بن رحضة الغفاري ، وقد أهدى إلى المشركين عشر جزائر ، فطلع أبو جهل الشر في وجه ، فقال لعتبة : انتفخ [ ص: 182 ] سحرك ، قال له عتبة : ستعلم ، فسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه ، فقال إيماء بن رحضة : بئس الفأل هذا ، فعند ذلك قامت الحرب .

                                                                          وبه حدثنا الزبير قال : حدثنا محمد بن فضالة ، عن عبد الله بن زياد بن سمعان ، عن ابن شهاب قال : كان حكيم بن حزام من المطعمين حيث خرج المشركون إلى بدر .

                                                                          وبه حدثنا الزبير قال : حدثني حسين بن سعيد بن هاشم بن سعد من بني قيس بن ثعلبة قال : حدثني يحيى بن سعيد بن سالم القداح ، عن أبيه ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : لا أحسبه إلا رفعه إلى ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة قربه من مكة في غزوة الفتح : " إن بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك ، وأرغب لهم في الإسلام ، قيل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : عتاب بن أسيد ، وجبير بن مطعم ، وحكيم بن حزام ، وسهيل بن عمرو" .

                                                                          وقال محمد بن شجاع ابن الثلجي ، عن محمد بن عمر الواقدي ، عن أبي إسحاق بن أبي عبد الله ، عن عبد الرحمن بن محمد عبد القاري ، عن سعيد بن المسيب نجا حكيم بن حزام [ ص: 183 ] من الدهر مرتين ، لما أراد الله به من الخير ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من المشركين ، وهم جلوس يريدونه فقرأ "يس" ، وذر على رؤوسهم التراب ، فما انفلت منهم رجل إلا قتل إلا حكيم ، وورد الحوض يوم بدر فما ورد الحوض يومئذ أحد إلا قتل إلا حكيم .

                                                                          قال الواقدي : قالوا : وأقبل نفر من قريش حتى وردوا الحوض ، منهم حكيم بن حزام ، فأراد المسلمون تحليتهم - يعني طردهم - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "دعوهم" فوردوا الماء فشربوا فما شرب منه أحد إلا قتل إلا ما كان من حكيم بن حزام .

                                                                          وقال أبو بكر بن أبي خيثمة : حدثنا أبو سلمة قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن أبا سفيان ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء أسلموا وبايعوا ، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة يدعونهم إلى الإسلام .

                                                                          وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثنا إبراهيم بن جعفر بن محمود ، عن أبيه ، وغيره ، قالوا : بكى حكيم بن حزام يوما ، فقال له ابنه : ما يبكيك يا أبة ؟ قال : خصال كلها أبكاني ، أما أولها فبطء إسلامي حتى سبقت في مواطن كلها صالحة ، ونجوت يوم بدر ، ويوم أحد ، فقلت : لا أخرج أبدا من مكة ، ولا أوضع مع قريش ما بقيت ، فأقمت بمكة ، ويأبى الله أن يشرح قلبي بالإسلام ، وذلك أني أنظر إلى بقايا من قريش لهم أسنان مستمسكين بما هم عليه من أمر الجاهلية فأقتدي بهم ، ويا ليت أني لم أقتد بهم فما أهلكنا إلا الاقتداء بآبائنا وكبرائنا ، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعلت أفكر ، وأتاني أبو سفيان بن حرب ، فقال : أبا خالد ، [ ص: 184 ] والله إني لأخشى أن يأتينا محمد في جموع يثرب ، فهل أنت تابعي إلى شرف نستروح الخبر ؟ قلت : نعم . قال : فخرجنا نتحدث ، ونحن مشاة حتى إذا كنا بمر الظهران إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدهم من الناس ، فلقي العباس بن عبد المطلب أبا سفيان ، فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجعت إلى مكة فدخلت بيتي فأغلقت علي ، وطويت ما رأيت ، وقلت : لا أخبر قريشا بذلك ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، فأمن الناس فجئته بعد ذلك بالبطحاء فأسلمت ، وصدقته ، وشهدت أن ما جاء به حق ، وخرجت معه إلى حنين فأعطى رجالا من المغانم أموالا ، وسألته يومئذ فألحقت المسألة .

                                                                          وقال محمد بن سعد أيضا : أخبرنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن ، ومن دخل دار بديل بن ورقاء فهو آمن " .

                                                                          وقال الزهري عن عروة بن الزبير ، عن حكيم بن حزام : قلت : يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة ، وعتاقة ، وصلة ، هل فيها من أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 185 ] "أسلمت على ما سلف من خير " .

                                                                          وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن حكيم بن حزام قلت : يا رسول الله أرأيت شيئا كنت أتحنث به في الجاهلية - قال هشام يعني يتبرر به - ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسلمت على صالح ما سلف لك " . فقال : يا رسول الله لا أدع شيئا صنعته لله في الجاهلية إلا صنعت في الإسلام لله مثله . وكان أعتق في الجاهلية مائة رقبة ، فأعتق في الإسلام مثلها مائة ، وساق في الجاهلية مائة بدنة ، فساق في الإسلام مائة بدنة .

                                                                          وقال الزبير بن بكار بالإسناد المتقدم : حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال : جاء الإسلام وفي يد حكيم الرفادة ، وكان يفعل المعروف ، ويصل الرحم ، ويحض على البر ، عاش ستين سنة في الجاهلية ، وستين سنة في الإسلام .

                                                                          قال : وأخبرني عمي أن الإسلام جاء والرفادة والندوة في يد حكيم بن حزام قال : وكان حكيم بن حزام إذا حلف حيث أسلم يقول : لا والذي نجاني يوم بدر .

                                                                          قال : وأخبرني محمد بن الضحاك ، عن أبيه قال : لم يدخل دار الندوة أحد من قريش للمشورة حتى يبلغ أربعين سنة ، إلا [ ص: 186 ] حكيم بن حزام ، فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة .

                                                                          قال : وأخبرني مصعب بن عثمان قال : سمعت المشيخة يقولون : لم يدخل دار الندوة للرأي أحد حتى يبلغ أربعين سنة إلا حكيم بن حزام ، فإنه دخلها للرأي وهو ابن خمس عشرة سنة ، وهو أحد النفر الذين حملوا عثمان بن عفان ، ودفنوه ليلا .

                                                                          قال : وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال : جاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها بعد من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم ، فقال له عبد الله بن الزبير : بعت مكرمة قريش ، فقال حكيم بن حزام : ذهبت المكارم إلا التقوى يا ابن أخي ، اشتريت بها دارا في الجنة ، أشهدكم أني قد جعلتها في سبيل الله . يعني : الدراهم .

                                                                          قال : وأخبرني محمد بن حسن أن حكيم بن حزام ، وعبد الله بن مطيع اشتريا دار حكيم ، ودار عبد الله بن مطيع بالبلاط فتقاوماهما فصارت لحكيم داره بزيادة مائة ألف ، وصارت لعبد الله بن مطيع داره ، فقيل لحكيم : غبنك لشروع داره في المسجد . فقال : دار كدار وزيادة مائة ألف درهم ، وتصدق بالمئة الألف درهم على المساكين .

                                                                          [ ص: 187 ] قال : وحدثني عمي مصعب بن عبد الله ، عن أبيه قال : كان حكيم بن حزام لا يأكل طعاما وحده ، إذا أتي بطعامه قدره ، فإن كان يكفي اثنين ، أو ثلاثة ، أو أكثر من ذلك قال : ادع من أيتام قريش واحدا أو اثنين على قدر طعامه ، وكان له إنسان يخدمه فضجر عليه يوما فدخل المسجد الحرام فجعل يقول للناس : ارتفعوا إلى أبي خالد فتقوض الناس عليه ، فقال : ما للناس ؟ فقيل : دعاهم عليك فلان فصاح بغلمانه هاتوا ذلك التمر ، فألقيت بينهم جلال البرني ، فلما أكلوا قال بعضهم : إدام يا أبا خالد ؟ قال : إدامها فيها .

                                                                          وقال : قال عمي مصعب : وسمعت أبي يقول : قال عبد الله بن الزبير : قتل أبي وترك دينا كبيرا ، فأتيت حكيم بن حزام أستعين برأيه ، وأستشيره فوجدته في سوق الظهر معه بعير آخذ بخطامه يدور به في نواحي السوق فسلمت عليه ، وأخبرته بما جئته له ، فقال : البث علي حتى أبيع بعيري هذا ، فطاف وطفت معه حتى إني لأضع ردائي على رأسي من الشمس ، ثم أتاه رجل فأربحه فيه درهما ، فقال : هو لك ، وأخذ منه الدرهم فلم أملك أن قلت له : حبستني ونفسك ندور في الشمس منذ اليوم من أجل درهم ؟ فوددت أني غرمت دراهم كثيرة ، ولم تبلغ هذا من نفسك ، فلم يكلمني ، وخرجت معه نحو منزله حتى انتهيت إلى هدم [ ص: 188 ] بالزوراء فيه عجيزة من العرب ، فدنا إليها فأعطاها ذلك الدرهم ، ثم أقبل علي ، فقال : يا ابن أخي إني غدوت اليوم إلى السوق فرأيت مكان هذه العجوز ، فجعلت لله لا أربح اليوم شيئا إلا أعطيتها إياه ، فلو ربحت كذا وكذا لدفعته إليها ، وكرهت أن أنصرف حتى أصيب لها شيئا ، فكان هذا الدرهم الذي رزقت . قال : فلما صرت إلى المنزل دعا بطعامه ، فأكل وأكلت معه ، حتى إذا فرغ أقبل علي ، فقال : يا ابن أخي ذكرت دين أبيك ، فإن كان ترك مائة ألف فعلي نصفها ، قلت : ترك أكثر من ذلك ، قال : فإن كان ترك مائتي ألف فعلي نصفها. قلت : ترك أكثر من ذلك ، قال : فإن كان ترك ثلاث مائة ألف فعلي نصفها . قلت : ترك أكثر من ذلك ، قال : لله أنت ، كم ترك أبوك ؟! فأخبرته أحسب أنه قال : ألفي ألف درهم . قال : ما أراد أبوك إلا أن يدعنا عالة . قال : قلت : إنه ترك وفاء وأموالا كثيرة ، وإنما جئت أستشيرك فيها ، منها سبعمائة ألف درهم لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وللزبير معه شرك في أرض بالغابة . قال : فاعمد لعبد الله بن جعفر فقاسمه ، وإن سامك قبل المقاسمة فلا تبعه ، ثم اعرض عليه فإن اشترى منك فبعه . فخرجت حتى جئت عبد الله بن جعفر ، فقلت له : قاسمني الحق الذي معك . قال : أو أشتريه منك . قال : قلت : لا ، حتى تقاسمني . قال : فموعدك غدا هنالك بالغداة . قال : فغدوت فوجدته قد سبقني ، ووضع سفرة وهو يأكل هو وأصحابه ، قال : الغداء . قلت : المقاسمة قبل . فأمسك يده ثم قال : قل ما شئت . [ ص: 189 ] قال : قلت إن شئت فاقسم وأختار ، وإن شئت قسمت واخترت . قال : هما لك جميعا ، قال : فقمت إلى الأرض فصدعتها نصفين ، ثم قلت : هذا لي ، وهذا لك ، قال : هو كذلك . قال : قلت : اشتر مني إن أحببت . قال : كان لي على أبي عبد الله شيء وهو سبعمائة بألف درهم ، وقد أخذتها منك بها . قال : قلت : هي لك . قال : هلم إلى الغداء . قال : فجلست فتغديت ، ثم انصرفت وقد قضيته . قال : وبعث معاوية إلى عبد الله بن جعفر فاشترى منه ذلك الحق كله بألفي ألف درهم .

                                                                          وقال : حدثني مصعب بن عثمان ، ومحمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي ، عن أبيه ، ومن شئت من مشيخة قريش : أن عمر بن الخطاب لما هم بفرض العطاء شاور المهاجرين فيه ، فرأوا ما رأى من ذلك صوابا ، ثم شاور الأنصار ، فرأوا ما رأى إخوانهم من المهاجرين في ذلك ، ثم شاور مسلمة الفتح فلم يخالفوا رأي المهاجرين والأنصار إلا حكيم بن حزام ، فإنه قال لعمر بن الخطاب : إن قريشا أهل تجارة ، ومتى فرضت لهم العطاء خشيت أن يأتكلوا عليه فيدعوا التجارة ، فيأتي بعدك من يحبس عنهم العطاء ، وقد خرجت منهم التجارة . فكان ذلك كما قال .

                                                                          إلى هنا عن الزبير بن بكار .

                                                                          وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : قيل لحكيم بن [ ص: 190 ] حزام : ما المال يا أبا خالد ؟ قال : قلة العيال .

                                                                          وقال سعيد بن عامر ، عن خاله جويرية بن أسماء ، عن نافع مولى ابن عمر : مر حكيم بن حزام بعدما أسن بشابين ، فقال أحدهما لصاحبه : اذهب بنا نتخرف بهذا الشيخ ، قال : فقال له صاحبه : وما تريد إلى شيخ قريش وسيدها ، فعصاه ، فقال له : ما بقي أبعد عقلك ، قال : بقي أبعد عقلي أني رأيت أباك قينا يضرب الحديد بمكة . قال : فرجع إلى صاحبه وقد تغير وجهه ، فقال له : قد نهيتك . قال نافع : وكان حكيم لا يتهم على ما قال .

                                                                          وقال الأصمعي عن هشام بن سعد الخشاب صاحب المحامل ، وكان مولى لآل أبي لهب ، عن أبيه قال حكيم بن حزام : ما أصبحت يوما وببابي طالب حاجة إلا علمت أنها من منن الله علي ، وما أصبحت يوما وليس ببابي طالب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : حدثني عمي مصعب ، قال : سمعت مصعب بن عثمان أو غيره من أصحابنا يذكر عن عروة بن الزبير قال : لما قتل الزبير يوم الجمل جعل الناس يلقوننا بما نكره ، ونسمع منهم الأذى ، فقلت لأخي المنذر : انطلق بنا إلى حكيم بن حزام حتى نسأله عن مثالب قريش ، فنلقى من يشتمنا بما نعرف . فانطلقنا حتى ندخل عليه داره ، فذكرنا ذلك له ، فقال لغلامه : أغلق باب الدار ، ثم قام إلى وسط راحلته فجعل يضربنا وجعلنا [ ص: 191 ] نلوذ منه حتى قضى بعض ما يريد ، ثم قال : أعندي تلتمسان معايب قريش ؟ ايتدعا في قومكما يكف عنكما مما تكرهان . فانتفعنا بأدبه .

                                                                          وقال أبو القاسم البغوي : كان حكيم عالما بالنسب ، ويقال : أخذ النسب عن أبي بكر ، وكان أبو بكر أنسب قريش .

                                                                          وقال الزبير أيضا : قال مصعب بن عثمان : وكان يشرب - يعني : حكيم بن حزام - في كل يوم شربة ماء لا يزيد عليها ، فلما بلغ مائة سنة دعا غلامه بالماء ، وقد كان شرب ، فقال له : يا مولاي قد شربت شربتك . قال : فلا إذا ، فأقام على شربة واحدة كل يوم حتى بلغ مائة وعشر سنين ، ثم استسقى الغلام ، فقال له : قد شربت شربتك . قال : وإن . فأقام على شربتي ماء في كل يوم حتى مات .

                                                                          وقال الزبير أيضا : حدثني إبراهيم بن المنذر ، عن سفيان بن حمزة الأسلمي قال : حدثني كثير بن زيد مولى الأسلميين عن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة قال : كبر حكيم بن حزام حتى ذهب بصره ، ثم اشتكى فاشتد وجعه ، فقلت : والله لأحضرنه فلأنظرن ما يتكلم به عند الموت ، فإذا هو يهمهم ، فأصغيت إليه فإذا هو يقول : لا إله إلا أنت أحبك وأخشاك ، فلم [ ص: 192 ] تزل كلمته حتى مات . وفي رواية أخرى : فإذا هو يقول : لا إله إلا الله ، قد كنت أخشاك فإذا اليوم أرجوك .

                                                                          قال مصعب بن عبد الله الزبيري ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، وخليفة بن خياط وغير واحد : مات سنة أربع وخمسين . زاد بعضهم : بالمدينة .

                                                                          وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : سنة أربع وخمسين فيها توفي حكيم بن حزام ، وحويطب بن عبد العزى ، وسعيد بن بريوع المخزومي ، وحسان بن ثابت الأنصاري ، ويقال : إن هؤلاء الأربعة ماتوا وقد بلغ كل واحد منهم مائة وعشرين سنة .

                                                                          وقال يحيى بن بكير : مات سنة أربع وخمسين ، وقيل : سنة ثمان وخمسين .

                                                                          وقال ابن جريج : أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة ، عن عروة قال : توفي حكيم بن حزام لعشر سنوات من إمارة معاوية .

                                                                          وقال البخاري وغيره : مات سنة ستين .

                                                                          روى له الجماعة .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية