الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          1415 - (ع) : حفص بن غياث بن طلق بن معاوية بن مالك بن الحارث بن ثعلبة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن جشم بن وهبيل بن سعد بن مالك بن النخع النخعي أبو عمر الكوفي قاضيها ، وولي القضاء ببغداد أيضا .

                                                                          روى عن : إسماعيل بن أبي خالد (تم س) ، وإسماعيل بن سميع (م) ، وأشعث بن سوار (بخ ت ق) ، وأشعث بن عبد [ ص: 57 ] الله بن جابر الحداني ، وأشعث بن عبد الملك الحمراني ، وبرد بن سنان الشامي (ت) ، وأبي بردة يزيد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري (خ م ت) ، وثابت بن أبي صفية أبي حمزة الثمالي ، وجعفر بن محمد بن علي الصادق (م د ق) ، وحبيب بن أبي عمرة (ت س) ، وحجاج بن أرطاة (ت ق) ، والحسن بن عبيد الله (ت س) ، وحميد بن طرخان (س) ، وخالد الحذاء (م) ، وداود بن أبي هند (م) ، وسعد بن طارق أبي مالك الأشجعي (ق) ، وسفيان الثوري ، وسليمان الأعمش (ع) ، وسليمان التيمي (م) ، وجده طلق بن معاوية النخعي (بخ م س) ، وعاصم الأحول (بخ م س) ، وعبد الله بن سعيد بن أبي هند (ق) ، وأبي شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي (د) ، وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز (د) ، وعبد الملك بن أبي سليمان (م) ، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (م د س) ، وعبد الواحد بن أيمن (م) ، وعبيد الله بن عمر (م ت س ق) ، وأبي العميس عتبة بن عبد الله المسعودي (د س) ، وأبي العنبس عمرو بن مروان النخعي الكوفي ، وعمران بن سليمان المرادي ، والعلاء بن خالد الكاهلي (م ت) ، والعلاء بن المسيب (س ق) ، وفضيل بن غزوان (س) ، وليث بن أبي سليم ، ومجالد بن سعيد (ت) ، ومحمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ (م ق) ، ومحمد بن عبد الله بن علاثة ، ومحمد بن أبي يحيى الأسلمي (دتم) ، ومصعب بن سليم (م) ، وموسى بن عمير العنبري ، وميمون أبي عبد الله الخراساني الوراق ، .وهشام بن حسان (م ق) ، وهشام بن عروة (م 4) ، ويحيى بن سعيد [ ص: 58 ] الأنصاري (م) ، ويزيد بن أبي عبيد ، وأبي إسحاق الشيباني (د) ، وأبي خالد الدالاني (سي) .

                                                                          روى عنه : إبراهيم بن مهدي ، وأحمد بن إبراهيم الدورقي (مد) ، وأحمد بن بديل اليامي (ق) ، وأحمد بن حنبل ، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي ، وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد (فق) ، وإسحاق بن راهويه (خ م) ، وأبو معمر إسماعيل بن إبراهيم الهذلي (د) ، وأبو بكر إسماعيل بن حفص الأبلي (ق) ، وأمية بن القاسم (ت) ، والحسن بن حماد سجادة (فق) ، والحسن بن عرفة ، والحسين بن يزيد الطحان الكوفي (د) ، وداود بن رشيد (ق) ، وأبو خيثمة زهير بن حرب (م) ، وسفيان بن وكيع بن الجراح (ت ق) ، وأبو السائب سلم بن جنادة (ت ق) ، وسهل بن زنجلة الرازي (ق) ، وسهل بن عثمان العسكري (م) ، وصدقة بن الفضل المروزي (بخ) ، وابن عمه طلق بن غنام النخعي (س) ، وأبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج (م ت) ، وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة (م ق) ، وعفان بن مسلم ، وأبو الشعثاء علي بن الحسن بن سليمان (ق) ، وعلي بن خشرم (ت) ، وعلي بن سعيد بن مسروق الكندي (ت) ، وعلي ابن المديني ، وعلي بن ميمون الرقي (ق) ، وعمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد (ت) ، وابنه عمر بن حفص بن غياث (خ م د ت س) ، وعمر بن سعد أبو داود الحفري (س) ، وعمرو بن محمد الناقد (م) ، وعمران بن ميسرة (بخ) ، وابنه غنام بن حفص بن غياث والد عبيد بن غنام ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، وقتيبة بن سعيد (ت س) ، ومحمد بن آدم (س) ، [ ص: 59 ] ومحمد بن الحسن بن التل (خ) ، ومحمد بن الصباح البزار (م) ، ومحمد بن الصباح الجرجرائي (ق) ، ومحمد بن طريف البجلي ، ومحمد بن عبد الله بن نمير (م) ، ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة المروزي (س) ، ومحمد بن عبيد المحاربي (س) ، وأبو كريب محمد بن العلاء (م د ت) ، وأبو موسى محمد بن المثنى (م س) ، ومحمد بن محبوب البناني (د) ، وأبو يحيى محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم الثقفي المروزي (ت س) ، وأبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي (ت) ، وهارون بن إسحاق الهمداني (س) ، وهارون بن معاوية الأشعري (ت) ، وهشام بن يونس اللؤلؤي ، وهناد بن السري التميمي ، والوليد بن صالح النحاس ، ويحيى بن سعيد القطان - وهو من أقرانه - ويحيى بن معين (د س) ، ويحيى بن يحيى النيسابوري (م) ، ويعقوب بن إبراهيم الدورقي (س) .

                                                                          قال أبو بكر أحمد بن كامل بن شجرة القاضي : كان الرشيد ولى أبا البختري وهب بن وهب قضاء القضاة ببغداد بعد أبي يوسف ، وكان على قضاء الشرقية عمر بن حبيب ، فعزله وولى حفص بن غياث ، ثم عزله واستقضاه على الكوفة .

                                                                          وقال أبو حاتم عن أبي جعفر الجمال : آخر القضاة بالكوفة حفص بن غياث .

                                                                          [ ص: 60 ] وقال إسحاق بن منصور ، وأحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى بن معين : حفص بن غياث ثقة .

                                                                          وقال عبد الخالق بن منصور : سئل يحيى بن معين : أيهما أحفظ ؟ ابن إدريس أو حفص بن غياث ؟ فقال : كان ابن إدريس حافظا ، وكان حفص بن غياث صاحب حديث له معرفة . فقيل له : فابن فضيل ؟ فقال : كان ابن إدريس أحفظ .

                                                                          وقال أحمد بن عبد الله العجلي : ثقة مأمون فقيه ، وكان وكيع ربما سئل عن الشيء فيقول : اذهبوا إلى قاضينا فاسألوه . وكان شيخا عفيفا مسلما .

                                                                          وقال يعقوب بن شيبة : ثقة ثبت إذا حدث من كتابه ، ويتقى بعض حفظه .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش : بلغني عن علي ابن المديني قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أوثق أصحاب الأعمش حفص بن غياث . فأنكرت ذلك ، ثم قدمت الكوفة بأخرة ، فأخرج إلي عمر بن حفص كتاب أبيه عن الأعمش ، فجعلت أترحم على يحيى فقال لي : تنظر في كتاب أبي وتترحم [ ص: 61 ] على يحيى ؟ قلت : سمعته يقول : حفص أوثق أصحاب الأعمش ، ولم أعلم حتى رأيت كتابه .

                                                                          وقال علي بن الحسين بن الجنيد عن محمد بن عبد الله بن نمير : حفص بن غياث كان أعلم بالحديث من ابن إدريس .

                                                                          وقال أبو حاتم عن أحمد بن أبي الحواري : حدثت وكيعا بحديث فعجب ، فقال : من جاء به ؟ قلت : حفص بن غياث . قال : إذا جاء به أبو عمر فأي شيء نقول نحن ؟ ! .

                                                                          وقال أبو زرعة : ساء حفظه بعدما استقضي ، فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح ، وإلا فهو كذا .

                                                                          وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سئل أبي عن حفص بن غياث ، وأبي خالد الأحمر ، فقال : حفص أتقن وأحفظ من أبي خالد الأحمر .

                                                                          وقال محمد بن عبد الرحيم البزاز عن علي ابن المديني : كان يحيى يقول : حفص ثبت ، فقلت : إنه يهم فقال : كتابه صحيح. قال يحيى : لم أر بالكوفة مثل هؤلاء الثلاثة : حزام ، وحفص ، وابن أبي زائدة ، كان هؤلاء أصحاب [ ص: 62 ] حديث . قال علي : فلما أخرج حفص كتبه كان كما قال يحيى إذا فيها أخبار وألفاظ كما قال يحيى .

                                                                          وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين : حفص أثبت من عبد الواحد بن زياد ، وهو أثبت من عبد الله بن إدريس .

                                                                          وقال النسائي : وعبد الرحمن بن يوسف بن خراش : حفص بن غياث ثقة .

                                                                          وقال علي بن الحسين بن حبان : وجدت في كتاب أبي بخط يده : قال أبو زكريا - يعني يحيى بن معين - : جميع ما حدث به حفص بن غياث ببغداد والكوفة إنما هو من حفظه ، ولم يخرج كتابا ، كتبوا عنه ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف حديث من حفظه .

                                                                          وقال أبو عبيد الآجري : سمعت أبا داود يقول : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يقدم بعد الكبار من أصحاب الأعمش غير حفص بن غياث . قال : وقال أبو داود : سمعت عيسى بن شاذان يقدم حفصا ، وكان بعضهم يقدم أبا معاوية .

                                                                          وقال الحسين بن إدريس الأنصاري عن داود بن رشيد : حفص بن غياث كثير الغلط .

                                                                          [ ص: 63 ] وقال أيضا عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي : كان حفص بن غياث من المحدثين ، فذكرت له أنه ذكر لي أن حفص بن غياث كثير الغلط ، فقال : لا ، ولكن كان لا يحفظ حسنا ، ولكن كان إذا حفظ الحديث فكان أي يقوم به حسنا . قال : وكان لا يرد على أحد حرفا ، يقول : لو كان قلبك فيه لفهمته . قال ابن عمار : وكان عسرا في الحديث جدا ، ولقد استفهمه إنسان حرفا في الحديث ، فقال : والله لا سمعتها مني وأنا أعرفك . قال : وقلت له : ما لكم حديثكم عن الأعمش إنما هو عن فلان عن فلان ليس فيه "حدثنا" ، ولا "سمعت" ؟ قال : فقال : حدثنا الأعمش قال : سمعت أبا عمار عن حذيفة يقول : ليأتين أقوام يقرؤون القرآن يقيمونه إقامة القدح لا يدعون منه ألفا ، ولا واوا ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم . قال : وذكر حديثا آخر مثله . قال : وكان عامة حديث الأعمش عند حفص بن غياث على الخبر والسماع .

                                                                          قال ابن عمار : وكان بشر الحافي إذا جاء إلى حفص بن غياث ، وإلى أبي معاوية اعتزل ناحية ، ولا يسمع منهما ، فقلت له فقال : حفص هو قاض ، وأبو معاوية مرجئ يدعو إليه ، وليس بيني وبينهم عمل .

                                                                          وقال إسحاق بن سيار النصيبي عن إبراهيم بن مهدي : سمعت حفص بن غياث وهو قاض بالشرقية يقول لرجل يسأل عن [ ص: 64 ] مسائل القضاء : لعلك تريد أن تكون قاضيا ؟ لأن يدخل الرجل أصبعه في عينه فيقتلعها فيرمي بها ، خير له من أن يكون قاضيا .

                                                                          وقال الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة : سمعت حفص بن غياث يقول : والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة . قال ابن أبي شيبة : وولي الكوفة ثلاث عشرة سنة ، وبغداد سنتين .

                                                                          وقال أبو علي بن علان عن الحسن بن حماد سجادة قال حفص بن غياث : والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة ، ومات يوم مات ولم يخلف درهما ، وخلف تسعمائة درهم دينا . قال سجادة : وكان يقال : ختم القضاء بحفص بن غياث .

                                                                          وقال أبو عثمان سعيد بن سعيد بن بشر الحارثي عن طلق بن غنام : خرج حفص بن غياث يريد الصلاة ، وأنا خلفه في الزقاق فقامت امرأة حسناء فقالت : أصلح الله القاضي ، زوجني فإن إخوتي يضرون بي . قال : فالتفت إلي فقال : يا طلق ، اذهب فزوجها إن كان الذي يخطبها كفؤا ، فإن كان يشرب النبيذ حتى يسكر فلا تزوجه ، وإن كان رافضيا فلا تزوجه ، فقلت : أصلح الله القاضي ، لم قلت هذا ؟ قال : إنه إن كان رافضيا فإن الثلاث عنده واحدة ، وإن كان يشرب النبيذ حتى يسكر فهو يطلق ولا يدري .

                                                                          [ ص: 65 ] وقال سليمان بن أبي شيخ : قال وكيع بن الجراح : أهل الكوفة اليوم بخير أميرهم داود بن عيسى ، وقاضيهم حفص بن غياث ، ومحتسبهم حفص الدورقي .

                                                                          وقال محمد بن أبي صفوان الثقفي : سمعت معاذ بن معاذ يقول : ما كان أحد من القضاة يأتيني كتابه أحب إلي من كتاب حفص بن غياث ، كان إذا كتب إلي كتابا كان في كتابه : "أما بعد : أصلحنا الله وإياك بما أصلح به عباده الصالحين ، فإنه هو الذي أصلحهم". وكان ذلك يعجبني من كتابه .

                                                                          وقال محمد بن عبد الرحمن الدغولي عن يحيى بن زكريا بن حيويه النيسابوري : قدم إلينا محمد بن طريف البجلي رطبا ، فسألنا أن نأكل ، فأبيت عليه ، فقال : سمعت حفص بن غياث يقول : من لم يأكل طعامنا لم نحدثه .

                                                                          وقال محمد بن غالب بن حرب عن عمر بن حفص بن غياث : سمعت أبي يقول : مررت بطاق اللحامين ، فإذا بعليان جالس فلما دنوت منه سمعته يقول : من أراد سرور الدنيا وحزن الآخرة فليتمن ما هذا فيه ، فوالله لقد تمنيت أني كنت مت قبل أن ألي القضاء .

                                                                          وقال الحسن بن عمرو الشيعي عن بشر بن الحارث : [ ص: 66 ] قال حفص بن غياث : لو رأيت أني أسر بما أنا فيه لهلكت .

                                                                          وقال المعافى بن زكريا الجريري - فيما أخبرنا أبو العز الشيباني عن أبي اليمن الكندي عن أبي منصور القزاز عن أبي بكر بن ثابت الخطيب عن القاضي أبي الطيب طاهر بن عبد الله الطبري ، وأبي الحسين أحمد بن عمر بن روح النهرواني - عنه ، حدثنا محمد بن مخلد بن حفص العطار قال : حدثني أبو علي بن علان إملاء من حفظه سنة ست وستين ومائتين ، قال : حدثني يحيى بن الليث قال : باع رجل من أهل خراسان جمالا بثلاثين ألف درهم من مرزبان المجوسي ، وكيل أم جعفر فمطله بثمنها ، وحبسه فطال ذلك على الرجل ، فأتى بعض أصحاب حفص بن غياث فشاوره فقال : اذهب إليه فقل له : أعطني ألف درهم ، وأحيل عليك بالمال الباقي ، وأخرج إلى خراسان فإذا فعل هذا فالقني حتى أشير عليك ، ففعل الرجل ، وأتى مرزبان فأعطاه ألف درهم ، فرجع إلى الرجل فأخبره ، فقال له : عد إليه فقل له : إذا ركبت غدا فطريقك على القاضي تحضر وأوكل رجلا يقبض المال واخرج ، فإذا جلس إلى القاضي فادع عليه ما بقي لك من المال ، فإذا أقر حبسه حفص وأخذت مالك ، فرجع إلى مرزبان فسأله فقال : انتظرني بباب القاضي ، فلما ركب من الغد ، وثب إليه الرجل فقال : إن رأيت أن تنزل إلى القاضي حتى أوكل بقبض المال وأخرج ، فنزل مرزبان فتقدما إلى حفص بن غياث فقال الرجل : أصلح الله القاضي ، لي على هذا الرجل [ ص: 67 ] تسعة وعشرون ألف درهم . فقال حفص : على هذا الرجل تسعة وعشرون ألف درهم . فقال حفص : ما تقول يا مجوسي ؟ قال : صدق ، أصلح الله القاضي . قال : ما تقول يا رجل فقد أقر لك ؟ قال : يعطيني مالي أصلح الله القاضي . فأقبل حفص على المجوسي فقال : ما تقول ؟ قال : هذا المال على السيدة . قال : أنت أحمق تقر ثم تقول على السيدة ! ما تقول يا رجل ؟ قال : أصلح الله القاضي ، إن أعطاني مالي وإلا حبسته . قال حفص : ما تقول يا مجوسي ؟ قال : المال على السيدة ، قال حفص : خذوا بيده إلى الحبس . فلما حبس بلغ الخبر أم جعفر ، فغضبت ، وبعثت إلى السندي : وجه إلي مرزبان - وكانت القضاة تحبس الغرماء في الحبس - فعجل السندي وأخرجه ، وبلغ حفصا الخبر فقال : أحبس أنا ويخرج السندي !! لا جلست مجلسي هذا أو يرد مرزبان إلى الحبس . فجاء السندي إلى أم جعفر فقال : الله الله في ، إنه حفص بن غياث ، وأخاف من أمير المؤمنين أن يقول لي : بأمر من أخرجته ؟ رديه إلى الحبس وأنا أكلم حفصا في أمره . فأجابته ، فرجع مرزبان إلى الحبس ، فقالت أم جعفر لهارون : قاضيك هذا أحمق ، حبس وكيلي واستخف به ، فمره لا ينظر في الحكم ، وتولي أمره إلى أبي يوسف ، فأمر لها بالكتاب ، وبلغ حفصا الخبر ، فقال للرجل : أحضرني شهودا حتى أسجل لك على المجوسي بالمال ، فجلس حفص فسجل على المجوسي ، وورد كتاب هارون مع خادم له فقال : هذا كتاب أمير المؤمنين . قال : مكانك ، نحن في شيء حتى نفرغ منه . فقال : كتاب أمير المؤمنين ! فقال : انظر ما يقال لك . فلما فرغ حفص من السجل [ ص: 68 ] أخذ الكتاب من الخادم فقرأه ، فقال : اقرأ على أمير المؤمنين السلام ، وأخبره أن كتابه ورد وقد أنفذت الحكم . فقال الخادم : قد والله عرفت ما صنعت ، أبيت أن تأخذ كتاب أمير المؤمنين حتى تفرغ مما تريد ، والله لأخبرن أمير المؤمنين بما فعلت . فقال له حفص : قل له ما أحببت . فجاء الخادم فأخبر هارون فضحك ، وقال للحاجب : مر لحفص بن غياث بثلاثين ألف درهم . فركب يحيى بن خالد فاستقبل حفصا منصرفا من مجلس القضاء فقال : أيها القاضي ، قد سررت أمير المؤمنين اليوم ، وأمر لك بثلاثين ألف درهم ، فما كان السبب في هذا ؟ قال : تمم الله سرور أمير المؤمنين ، وأحسن حفظه وكلاءته ، ما زدت على ما أفعل كل يوم . قال : على ذاك ؟ قال : ما أعلم إلا أن يكون سجلت على مرزبان المجوسي بما وجب عليه . فقال يحيى بن خالد : فمن هذا سر أمير المؤمنين . فقال حفص : الحمد لله كثيرا . فقالت أم جعفر لهارون : لا أنا ولا أنت إلا أن تعزل حفصا . فأبى عليها ، ثم ألحت عليه فعزله عن الشرقية ، وولاه القضاء على الكوفة ، فمكث عليها ثلاث عشرة سنة .

                                                                          قال : وكان أبو يوسف لما ولي حفص قال لأصحابه : تعالوا نكتب نوادر حفص ، فلما وردت أحكامه وقضاياه على أبي يوسف ، قال له أصحابه : أين النوادر التي زعمت تكتبها ؟ قال : ويحكم إن حفصا أراد الله فوفقه .

                                                                          قال عبد الله بن أحمد بن حنبل : قال أبي : رأيت مقدم فم [ ص: 69 ] حفص بن غياث مضببة أسنانه بالذهب .

                                                                          وقال عبيد بن الصباح : ولد حفص بن غياث سنة سبع عشرة ومائة ، ومات سنة أربع وتسعين ومائة ، وولي القضاء سنة سبع وسبعين ، وله ستون سنة .

                                                                          وقال هارون بن حاتم : سئل حفص بن غياث - وأنا أسمع - عن مولده ، فقال : ولدت سنة سبع عشرة ومائة . قال هارون : وفلج حفص بن غياث حين مات ابن إدريس ، فمكث في البيت إلى سنة أربع وتسعين ومائة ، ثم مات سنة أربع وتسعين ومائة في العشر ، وصلى عليه الفضل بن العباس ، وكان أمير الكوفة يومئذ .

                                                                          وكذلك قال محمد بن عبد الله بن نمير ، وأبو سعيد الأشج ، وخليفة بن خياط ، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي : إنه مات سنة أربع وتسعين ومائة .

                                                                          وقال أبو السائب سلم بن جنادة : مات سنة خمس وتسعين ومائة .

                                                                          وقال عمرو بن علي ومحمد بن المثنى : مات سنة ست وتسعين ومائة .

                                                                          والأول أصح والله أعلم .

                                                                          [ ص: 70 ] روى له الجماعة .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية