الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          معلومات الكتاب

                                                                          تهذيب الكمال في أسماء الرجال

                                                                          المزي - جمال الدين أبو الحجاج المزي

                                                                          صفحة جزء
                                                                          [ ص: 465 ]

                                                                          1573 - (خ م س) : حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب القرشي العامري أبو محمد ، ويقال : أبو الأصبغ المكي ، من مسلمة الفتح ، وأمه زينب بنت علقمة بن غزوان بن يربوع بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي .

                                                                          روى عن : عبد الله ابن السعدي (خ م س) .

                                                                          روى عنه : السائب بن يزيد (خ م س) ، وعبد الله بن بريدة الأسلمي ، وابنه أبو سفيان بن حويطب ، وأبو نجيح ، والد عبد الله بن أبي نجيح .

                                                                          [ ص: 466 ] قال عباس الدوري عن يحيى بن معين : لا أحفظ ، عن حويطب بن عبد العزى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ثابتا .

                                                                          وذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة في " الطبقات الكبير " ، وأما في "الصغير " فذكره في الخامسة قال : وله دار بالمدينة بالبلاط عند أصحاب المصاحف .

                                                                          وقال الزبير بن بكار : وهو الذي افتدت أمه يمينه ، وهو من مسلمة الفتح ، وهو أحد النفر الذين أمرهم عمر بن الخطاب بتجديد أنصاب الحرم ، وكان ممن دفن عثمان بن عفان ، وباع من معاوية دارا بالمدينة بأربعين ألف دينار ، فاستشرف الناس لذلك ، فقال : وما أربعون ألف دينار لرجل له خمسة من العيال ؟ قال : وقال عمي مصعب بن عبد الله : له أربعة من العيال .

                                                                          وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، وغيره قالوا : كان ممن أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحاب المئين من المؤلفة قلوبهم من قريش من بني عامر بن لؤي : حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس مائة من الإبل ، يعني : من غنائم حنين .

                                                                          وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : وجدت في كتاب أبي بخطه : بلغني عن الشافعي قال : حويطب بن عبد العزى كان حميد [ ص: 467 ] الإسلام ، وهو أكبر قريش بمكة ربعا جاهليا .

                                                                          وقال محمد بن سعد عن محمد بن عمر ، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة ، عن أبيه ، وعن محمد بن عمر ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن موسى بن عقبة ، عن المنذر بن جهم قال : حويطب بن عبد العزى : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح خفت خوفا شديدا فخرجت من بيتي ، وفرقت عيالي في مواضع يأمنون فيها ، ثم انتهيت إلى حائط عوف فكنت فيه فإذا أنا بأبي ذر الغفاري ، وكان بيني وبينه خلة ، والخلة أبدا نافعة ، فلما رأيته هربت منه ، فقال : أبا محمد ، قلت : لبيك قال : ما لك ؟ قلت : الخوف ، قال : لا خوف عليك ، تعال أنت آمن بأمان الله ، فرجعت إليه ، وسلمت عليه ، فقال لي : اذهب إلى منزلك ، قال : فقلت : وهل لي سبيل إلى منزلي ، والله ما أراني أصل إلى بيتي حيا حتى ألقى فأقتل ، أو يدخل علي منزلي فأقتل ، فإن عيالي في مواضع شتى قال : فاجمع عيالك معك في موضع ، وأنا أبلغ معك منزلك ، فبلغ معي ، وجعل ينادي علي : بأبي إن حويطبا آمن فلا يهج . ثم انصرف أبو ذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : أوليس قد أمنا الناس كلهم إلا من أمرت بقتله ؟! قال : فاطمأننت ، ورددت عيالي إلى مواضعهم ، وعاد إلي أبو ذر ، فقال : يا أبا محمد حتى متى وإلى متى قد سبقت في المواطن كلها ، وفاتك خير كثير ، وبقي خير كثير ، فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم تسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أبر الناس وأوصل الناس [ ص: 468 ] وأحلم الناس ، شرفه شرفك ، وعزه عزك ، قال : قلت : فأنا أخرج معك فآتيه ، قال : فخرجت معه حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء ، وعنده أبو بكر وعمر ، فوقفت على رأسه ، وقد سألت أبا ذر كيف يقال إذ أسلم عليه ، قال : قل : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فقلتها فقال : وعليك السلام ، أحويطب ؟ قال : قلت : نعم ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الحمد لله الذي هداك ، قال : وسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي ، واستقرضني مالا ، فأقرضته أربعين ألف درهم ، وشهدت معه حنينا ، والطائف ، وأعطاني من غنائم حنين مائة بعير ، ثم قدم حويطب المدينة فنزلها ، وله بها دار بالبلاط عند أصحاب المصاحف .

                                                                          وعن محمد بن عمر ، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود ، عن أبيه قال : كان حويطب بن عبد العزى العامري قد بلغ عشرين ومائة سنة : ستين في الجاهلية ، وستين سنة في الإسلام ، فلما ولي مروان بن الحكم المدينة في عمله الأول دخل عليه حويطب مع مشيخة جلة : حكيم بن حزام ، ومخرمة بن نوفل ، فتحدثوا عنده ثم تفرقوا ، فدخل عليه حويطب يوما بعد ذلك فتحدث عنده ، فقال له مروان : ما سنك ؟ فأخبره ، فقال له مروان : تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث ، فقال : حويطب الله المستعان لقد هممت بالإسلام غير مرة ، كل ذلك يعوقني أبوك عنه وينهاني ، ويقول تضع شرفك ، وتدع دين آبائك لدين محدث ، وتصير تابعا ، قال : فأسكت والله مروان ، وندم على ما كان قال له . [ ص: 469 ] ثم قال حويطب : أما كان أخبرك عثمان ما كان لقي من أبيك حين أسلم ؟ فازداد مروان غما ، ثم قال حويطب : ما كان بقي من أبيك حين أسلم ؟ ! فازداد مروان غما ، ثم قال حويطب : ما كان في قريش أحد من كبرائها الذين بقوا على دين قومهم إلى أن فتحت مكة كان أكره لما هو عليه مني ، ولكن المقادير ! ولقد شهدت بدرا مع المشركين فرأيت عبرا ، رأيت الملائكة تقتل وتأسر بين السماء والأرض ، فقلت : هذا رجل ممنوع ، ولم أذكر ما رأيت ، فانهزمنا راجعين إلى مكة فأقمنا بمكة ، وقريش تسلم رجلا رجلا ، فلما كان يوم الحديبية حضرت وشهدت الصلح ، ومشيت فيه حتى تم ، وكل ذلك أريد الإسلام ، ويأبى الله إلا ما يريد ، فلما كتبنا صلح الحديبية كنت أنا أحد شهوده ، وقلت : لا ترى قريش من محمد إلا ما يسؤها ، قد رضيت أن دافعته بالراح ، ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية ، وخرجت قريش عن مكة كنت فيمن تخلف بمكة أنا وسهيل بن عمرو ، لأن يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مضى الوقت ، وهو ثلاث ، فلما انقضت الثلاث أقبلت أنا وسهيل بن عمرو فقلنا : قد مضى شرطك فاخرج من بلدنا ، فصاح : يا بلال ، لا تغب الشمس وأحد من المسلمين بمكة ممن قدم معنا .

                                                                          وقال سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن محمد بن الحنفية : أن الحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى حضروا عند عمر ، فأخرهم في الإذن فكلموه ، فقال : ليس إلا ما ترون ، فقال سهيل : دعي القوم فأجابوا ودعيتم فأبطأتم ، فلوموا أنفسكم ، فخرجوا إلى الشام فجاهدوا حتى ماتوا .

                                                                          [ ص: 470 ] قال الحافظ أبو القاسم : المحفوظ أن حويطبا لم يمت بالشام ، وإنما مات بالمدينة ، فلعله رجع إليها بعد خروجه إلى الشام .

                                                                          قال يحيى بن بكير وخليفة بن خياط ، وأبو عبيد وغير واحد : مات سنة أربع وخمسين ، وهو ابن عشرين ومائة سنة .

                                                                          روى له البخاري ، ومسلم ، والنسائي حديثا واحدا ، عن عبد الله ابن السعدي ، عن عمر بن الخطاب حديث العمالة الذي اجتمع في إسناده أربعة من الصحابة .

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية