[ 1411 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا علي بن عيسى ، حدثنا الحسين بن محمد بن زياد ، عن محمود بن خداش ، حدثنا الفضيل بن عياض ، عن النضر بن عربي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : " كان في هذه الأمة أمانان : رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستغفار فذهب أمان - يعني - رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبقي أمان - يعني - الاستغفار .
قال البيهقي رحمه الله : " وقول الله عز وجل : ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) .
يدل على تفضيل بعضهم على بعض ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تفضلوا بين أنبياء الله " ، وقوله : " لا تخيروا بين الأنبياء " .
إنما هو في مجادلة أهل الكتاب على معنى الإزراء ببعضهم ، فإنه ربما أدى ذلك إلى فساد الاعتقاد فيهم والإخلال بالواجب من حقوقهم ، أما إذا كانت المخايرة من مسلم يريد الوقوف على الأفضل منهم فليس هذا بمنهي عنه والله أعلم .
وقوله : " لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى " [ ص: 78 ]
فإنه أراد - والله أعلم - من سواه من الناس دون نفسه ، أو ذهب في ذلك مذهب التواضع لربه والهضم لنفسه .
وكذلك في قوله : حين قيل : يا خير البرية " ذلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم .
وكان لا يحب المبالغة في الثناء عليه في وجهه تواضعا لربه عز وجل وكان يقول : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله " .
وقد تكلمنا على هذا في الجزء التاسع والثلاثين من كتاب دلائل النبوة بأكثر من هذا .
وأما اتخاذ الله تعالى إبراهيم خليلا ، فإنه إنما اتخذه خليلا على من كان في عصره من أعداء الله عز وجل لا على غيره من النبيين ، وهو أنه هداه إلى معرفته ووفقه [ ص: 79 ] لتوحيده حين كان الكفر طبق الأرض ، ولم يكن في الدنيا نسمة تعرف الله وتعترف به غيره ، واتخذه خليلا بأن جعله أهلا لهدايته أولا ، ثم بأن أمره ونهاه فظهرت منه الطاعة ثانيا ، ثم بأن ابتلاه فوجد من الصبر ثالثا ، فكان يومئذ خليله ، وأهل الأرض كلهم أعداؤه ؛ لأنه كان المطيع ، والناس غيره عصاة .
وقد اتخذ الله محمدا صلى الله عليه وسلم حبيبا بدلالة الكتاب وهو قوله عز وجل : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) .
فإذا كان اتباعه يفيد للمتبع محبة الله عز وجل فالمتبع بها يكون أولى ، ودرجة المحبة فوق درجة الخلة .
وقد تكلم أهل العلم في الفرق بين الحبيب والخليل بكلام كثير وهو في كتب أهل التذكير مذكور " .


