الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 1412 ] سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا القاسم الإسكندراني يقول : سمعت أبا جعفر الملطي يقول : عن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد في قوله عز وجل : ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) .

قال : " أظهر اسم الخلة لإبراهيم صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الخليل ظاهر في المعنى ، وأخفى اسم المحبة لمحمد صلى الله عليه وسلم لتمام حاله إذ لا يحب الحبيب إظهار حال حبيبه بل يحب إخفاءه وستره لئلا يطلع عليه أحد سواه ،
ولا يدخل أحد بينهما ، فقال لنبيه وصفيه محمد صلى الله عليه وسلم لما أظهر له حال المحبة . ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) .

أي ليس الطريق إلى محبة الله إلا اتباع حبيبه ، ولا يتوسل إلى الحبيب بشيء أحسن من متابعة حبيبه وطلب رضاه " [ ص: 80 ] .

قال أبو عبد الرحمن السلمي : الحبيب يوجب لمتبعه اسم المحبة لذلك لم يوقع عليه هذا الاسم ، فإن حاله أجل من أن يعبر عنه بالمحبة ؛ لأن متبعيه استحقوا هذا الاسم بمتابعته ألا ترى الله عز وجل يقول : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) .

والخليل لا يوجب اتباعه الخلة لذلك أطلق له اسم الخلة .

قال : والحبيب يقسم به كقوله : ( لعمرك ) ، والخليل يقسم باسمه كقوله : ( وتالله لأكيدن أصنامكم ) .

والحبيب يبدأ بالعطاء من غير سؤال كقوله : ( ألم نشرح لك صدرك ) . والخليل يسأل كقوله : ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ) .

والحبيب يجاب إلى مراده من غير سؤال كقوله : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها ) . والخليل ربما لا يجاب ألا تراه قال : ( ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) .

والحبيب شافع ألا تراه كيف يحكي عن ربه حين يقول له : " ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع " ، والخليل مشفوع فيه ألا تراه في القيامة إذا التجأ إليه الخلق كيف يقول : " لست لها " .

والحبيب أزيل عنه بديهة الروعة من المشهد الأعلى بما أكرم من المعراج لما هيئ من مقام الشفاعة فلم يرعه شيء لما تقدم من مشاهده ، فتفرغ للشفاعة لأهل الجمع عامة ثم لأمته خاصة فقال : أمتي أمتي والخليل لم يزل عنه ذلك فرجع في وقت تنفس جهنم وزفيرها إلى قوله : " نفسي نفسي " .

[ ص: 81 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية