الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 1430 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو محمد الكعبي ، حدثنا إسماعيل بن قتيبة ، حدثنا يزيد بن صالح ، حدثنا بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان قال : بلغنا - والله أعلم - في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) .

يعني بذلك في شأن القتال ، وما يكون من شرائع دينهم ، يقول : لا تقضوا في ذلك شيئا إلا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ، واستعمل عليهم منذر بن عمرو الأنصاري ، [ ص: 100 ] فذكر قصة قتل بني عامر تلك السرية وهم أصحاب بئر معونة ، ورجوع ثلاثة منهم إلى المدينة ، وأنهم لقوا رجلين من بني سليم جائيين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : من أنتما ؟ فاعتزيا إلى بني عامر ، فقال النفر : إنا ثائرون بإخواننا فقتلوهما ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه الخبر ، فكره النبي صلى الله عليه وسلم قتلهما ، فنزلت هذه الآية يقول : لا تقطعوا دونه أمرا ولا تعجلوا به .


وقوله : ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ) .

نزلت في ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري كان إذا جالس النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته إذا تكلم ، فلما نزلت هذه الآية انطلق مهموما حزينا ، فمكث في بيته أياما مخافة أن يكون قد حبط عمله ،
وكان سعد بن عبادة جاره ، فانطلق حتى أتي النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بذلك ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " اذهب فأخبر ثابت بن قيس أنك لم تعن بهذه الآية ، ولست من أهل النار بل أنت من أهل الجنة " فاخرج إلينا فتعاهدنا ، ففرح ثابت بذلك ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أبصره النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مرحبا برجل يزعم أنه من أهل النار ، بل غيرك من أهل النار ، وأنت من أهل الجنة " فكان بعد ذلك إذا جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخفض صوته حتى ما يكاد أن يسمع الذي يليه ، فنزلت فيه : ( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ، لهم مغفرة وأجر عظيم ) فقتل يوم اليمامة [ ص: 101 ] .


وقوله : ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ) .

فهم ناس من بني تميم كانوا ينادون النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات يا محمد ألا تخرج فقال الله تعالى : ( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم ) .

وكان فيهم عيينة بن حصن الفزاري .


وقد روينا هذا التفسير : عن مقاتل بن سليمان أبسط من هذا ، وبمعناه ذكره الكلبي فيما رواه عن أبي صالح ، عن ابن عباس أتم من ذلك وروينا عن أبي هريرة ، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما نزلت هذه الآية فقال : " والذي أنزل عليك الكتاب يا رسول الله ، لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله عز وجل " .

التالي السابق


الخدمات العلمية