الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 1411 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا علي بن عيسى ، حدثنا الحسين بن محمد بن زياد ، عن محمود بن خداش ، حدثنا الفضيل بن عياض ، عن النضر بن عربي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : " كان في هذه الأمة أمانان : رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستغفار فذهب أمان - يعني - رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبقي أمان - يعني - الاستغفار .

قال البيهقي رحمه الله : " وقول الله عز وجل : ( تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ) .

يدل على تفضيل بعضهم على بعض ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تفضلوا بين أنبياء الله " ، وقوله : " لا تخيروا بين الأنبياء " .

إنما هو في مجادلة أهل الكتاب على معنى الإزراء ببعضهم ، فإنه ربما أدى ذلك إلى فساد الاعتقاد فيهم والإخلال بالواجب من حقوقهم ، أما إذا كانت المخايرة من مسلم يريد الوقوف على الأفضل منهم فليس هذا بمنهي عنه والله أعلم .

وقوله : " لا ينبغي لأحد أن يقول : أنا خير من يونس بن متى " [ ص: 78 ]

فإنه أراد - والله أعلم - من سواه من الناس دون نفسه ، أو ذهب في ذلك مذهب التواضع لربه والهضم لنفسه .

وكذلك في قوله : حين قيل : يا خير البرية " ذلك إبراهيم صلى الله عليه وسلم .

وكان لا يحب المبالغة في الثناء عليه في وجهه تواضعا لربه عز وجل وكان يقول : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا : عبد الله ورسوله " .

وقد تكلمنا على هذا في الجزء التاسع والثلاثين من كتاب دلائل النبوة بأكثر من هذا .

وأما اتخاذ الله تعالى إبراهيم خليلا ، فإنه إنما اتخذه خليلا على من كان في عصره من أعداء الله عز وجل لا على غيره من النبيين ، وهو أنه هداه إلى معرفته ووفقه [ ص: 79 ] لتوحيده حين كان الكفر طبق الأرض ، ولم يكن في الدنيا نسمة تعرف الله وتعترف به غيره ، واتخذه خليلا بأن جعله أهلا لهدايته أولا ، ثم بأن أمره ونهاه فظهرت منه الطاعة ثانيا ، ثم بأن ابتلاه فوجد من الصبر ثالثا ، فكان يومئذ خليله ، وأهل الأرض كلهم أعداؤه ؛ لأنه كان المطيع ، والناس غيره عصاة .

وقد اتخذ الله محمدا صلى الله عليه وسلم حبيبا بدلالة الكتاب وهو قوله عز وجل : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) .

فإذا كان اتباعه يفيد للمتبع محبة الله عز وجل فالمتبع بها يكون أولى ، ودرجة المحبة فوق درجة الخلة .

وقد تكلم أهل العلم في الفرق بين الحبيب والخليل بكلام كثير وهو في كتب أهل التذكير مذكور " .

التالي السابق


الخدمات العلمية