الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 1518 ] أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان ملك ممن كان قبلكم ، وكان له ساحر ، فلما كبر الساحر ، قال الساحر : إني قد كبرت سني وحضر أجلي ، فادفع إلي غلاما لأعلمه السحر ، فدفع إليه غلاما ، فكان يعلمه السحر ، وكان بين الملك وبين الساحر راهب ، فأتى الغلام على الراهب فسمع كلامه ، فأعجبه نحوه وكلامه ، فكان إذا أتى الساحر ضربه ، ويقول : ما حبسك ؟ فإذا أتى أهله جلس عند الراهب ، فيبطئ على أهله ، فإذا [ ص: 175 ] أتى أهله ضربوه ، وقالوا : ما حبسك ؟ فشكا ذلك إلى الراهب .

فقال : إذا أراد الساحر أن يضربك ، فقل : حبسني أهلي ، فإذا أراد أهلك أن يضربوك ، فقل : حبسني الساحر ، قال : فبينما هم كذلك إذ أتى يوما على دابة فظيعة عظيمة قد حبست الناس فلا يستطيعون أن يجوزوا .

فقال : اليوم أعلم أمر الراهب أحب إلى الله ، أم أمر الساحر فأخذ حجرا .

فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك وأرضى لك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يجوز الناس ، ورماها فقتلها ومضى الناس فأخبر الراهب بذلك . فقال : أي بني ، أنت أفضل مني ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدل علي ، فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ، وسائر الأدواء ويشفيهم ، وكان جليس للملك ، فعمي فسمع به ، فأتاه بهدايا كثيرة . فقال : اشفني ، ولك ما هاهنا أجمع . فقال : ما أشفي أنا أحدا إنما يشفي الله ، فإن آمنت دعوت الله فشفاك فآمن ، فدعا له فشفاه ، ثم أتى الملك فجلس معه نحو ما كان يجلس ، فقال له الملك : يا فلان ، من رد عليك بصرك ؟ قال : ربي ، قال : أنا ؟ قال : لا ولكن ربي وربك الله ، قال : أولك رب غيري ؟ قال : نعم ، فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام ، فبعث إليه فقال : أي بني قد بلغ من سحرك أنك تبرئ الأكمه والأبرص وهذه الأدواء . فقال : ما أشفي أنا أحدا إنما يشفي الله ، قال : أنا ؟ قال : لا ، قال : أو لك رب غيري ؟ قال : نعم ربي وربك الله فأخذه أيضا بالعذاب ، فلم يزل به حتى دل على الراهب فأتى الراهب . فقال : ارجع عن دينك ، فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه إلى الأرض ، فقال للأعمى ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وضع شقاه إلى الأرض فقال للغلام : ارجع عن دينك ، فأبى فبعث به مع نفر إلى جبل كذا وكذا ، وقال : إذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه ، وإلا فاطرحوه من فوقه فذهبوا به ، فلما علوا به الجبل قال : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فرجف بهم الجبل ، فتدهدهوا أجمعون . وجاء الغلام يمشي حتى دخل على الملك . فقال : ما فعل أصحابك ؟ فقال : كفانيهم الله .

قال : فبعث به مع نفر في قرقور ، وقال : إذا لججتم به البحر ، فإن رجع عن دينه ، وإلا فغرقوه ، فلججوا به البحر ، فقال الغلام : اللهم اكفنيهم بما شئت ، فغرقوا أجمعون وجاء [ ص: 176 ] الغلام يتلمس حتى دخل على الملك . فقال : ما فعل أصحابك ، فقال كفانيهم الله ، ثم قال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك ، فإن أنت فعلت ما آمرك به قتلتني ، وإلا فإنك لن تستطيع قتلي ، قال : وما هو ؟ قال : تجمع الناس في صعيد ، ثم تصلبني على جذع فتأخذ سهما من كنانتي ، ثم قل : بسم الله رب الغلام فإنك إذا فعلت ما آمرك به قتلتني ، وإلا فإنك لن تستطيع قتلي ، ففعل ووضع السهم في كبد قوسه ثم رمى . فقال : بسم الله رب الغلام فوقع السهم في صدغه ، فوضع الغلام يده على موضع السهم ومات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، فقيل للملك : أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك وقد آمن الناس كلهم ، فأمر بأفواه السكك فخدت فيها الأخدود ، وأضرمت فيها النيران ، وقال : من رجع عن دينه فدعوه وإلا فأقحموه فيها ، فكانوا يتقاعدون فيها ويتدافعون ، فجاءت امرأة بابن لها ترضعه ، فكأنها تقاعست أن تقع في النار ، فقال الصبي : يا أمه اصبري فإنك على الحق " .


رواه مسلم في الصحيح ، عن هداب بن خالد ، عن حماد ، وقال في الموضعين : " وجاء الغلام يمشي حتى دخل على الملك " .

وقال : " فانكفأت بهم السفينة فغرقوا " .

ورواه معمر ، عن ثابت بإسناده وقال في آخره : " فجعل يلقيهم في تلك الأخدود ، قال الله عز وجل : ( قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود ) حتى بلغ ( العزيز الحميد ) .

وأما الغلام ، فإنه دفن فيذكر أنه خرج في زمان عمر بن الخطاب وإصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل " [ ص: 177 ]

أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، (أنبأنا أبو عبد الله) الصنعاني ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، فذكره بمعناه يزيد وينقص قال عبد الرزاق : " والأخدود بنجران " .

التالي السابق


الخدمات العلمية