الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : وكذلك الوصي [ ص: 15 ] فيما دون النفس له أن يستوفي وأن يصالح ; لأن ما دون النفس سلك به مسلك الأموال حتى تعتبر فيه المساواة في البدل ويقضى عنه بالنكول عند أبي حنيفة رحمه الله : كما في الأموال وللوصي ولاية التصرف في مال اليتيم استيفاء فكذلك فيما يسلك به مسلك الأموال ، فأما في النفس فليس للوصي أن يستوفي القود رواية واحدة ; لأن ولاية الوصي ولاية قاصرة تثبت في المال دون النفس والقصاص في النفس ليس بمال حقيقة ، ولا حكما فيكون الوصي في استيفائه كأجنبي آخر كما في التزويج ، وهذا لأن القصاص في النفس عقوبة تندرئ بالشبهات فالمستحق به محل هو مصون عن الابتذال من كل وجه ، وفي ولاية الوصي شبهة القصور ، فلا يتمكن به من استيفاء ما يندرئ بالشبهات بخلاف الأب وبخلاف القصاص في الطرف ; لأنه لا يندرئ بكل شبهة ولهذا حرز أبو حنيفة رحمه الله : فيه القضاء بالنكول ، فإن المستحق به محل غير مصون عن الابتذال ، وقد قدرنا ذلك في الدعوى فيمكن الوصي الاستيفاء مع قصور ولايته وليس للوصي أن يصالح من القصاص في النفس على الدية في رواية هذا الكتاب وقال في الجامع الصغير والديات : للوصي أن يصالح من النفس على الدية .

وجه هذه الرواية أنه لا يملك استيفاء القود بولايته ، وإنما يملك الإسقاط بعوض من يكون متمكنا من الاستيفاء ووجه الرواية الأخرى أن في الصلح اكتساب المال للصبي ، والوصي منصوب لاكتساب المال بخلاف استيفاء القود فهو ليس من اكتساب المال في شيء وبخلاف التزويج فهو غير مشروع لاكتساب المال بل لتمليك البضع ، وهو مصون عن الابتذال .

توضيحه أن القصاص ليس بمال للحال ، وهو مال في المآل ، فلا يملكه الوصي ، وفي الصلح تحقيق ما هو المطلوب في المآل ، وهو المال فيملكه الوصي ، ولا يبعد أن يكون حكم الصلح على المال مخالفا لحكم استيفاء القود .

( ألا ترى ) أن الموصى له بالثلث لا حق له في القود استيفاء ويثبت حقه إذا وقع الصلح عن القود في المال فهذا مثله ، وإن كان دم عمد بين ورثة فيهم الصغير والكبير فله أن ينفرد باستيفاء القود عند أبي حنيفة رحمه الله : وعندهما ليس له ذلك ، وفي مثله الديات ، فإن صالح عن الدية فصلحه جائز ، أما عند أبي حنيفة ، فلا يتمكن من استيفاء نصيب الصغير من القود فيتمكن من إسقاطه بالصلح على الدية كما في الأب وعندهما صلحه عن نصيب نفسه صحيح بمنزلة عفوه وبه ينقلب نصيب الصغير مالا ، وهو حصته من الدية لتعذر استيفاء القود عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية