الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
والحربي المستأمن في الرهن والارتهان كالذمي فإن رجع إلى دار الحرب ثم ظهر المسلمون على الدار فأخذوه أسيرا وله في دار الإسلام رهن بدين عليه - فقد بطل الدين وصار الرهن الذي في يديه بذلك الدين في قول أبي يوسف وقال محمد : يباع الرهن فيستوفي المرتهن دينه ، وما بقي فهو في عين أسره فأبو يوسف يقول : تبدلت نفسه بالأسر وصار مملوكا بعد أن كان مالكا فيسقط الدين بفوات محله ، وهو الذمة المشغولة فالدين لا يجب في ذمة العبد إلا شاغلا مالية رقبته لضعف الذمة بالرق ، وذلك غير ممكن هنا ; لأن الشيء يقتضي صفاء ملك المالية في الشيء الثاني فلفوات المحل يسقط الدين ثم الرهن الذي في يديه إما باعتبار أن يده إليه أقرب من يد الأسير فيصير هو متملكا كمن أسلم في دار الحرب إذا ظهر المسلمون على الدار كان معقولا به ; لأنه صار محررا لها بسبق يده إليها - أو ; لأن المرهون كان محبوسا عنده إلى أن يصل إليه دينه وقد وقع اليأس عند ذلك فبقي محبوسا في يده على التأييد ولا تظهر فائدة ذلك إلا بأن يصير مملوكا له ، وقد كان هو بحكم يده أخص بغرمه حتى لو هلك سقط دينه فيكون أخص بقيمته فيملكه بذلك الدين .

وجه قول محمد أن سقوط الدين عند الاسترقاق لفوات المحل ، ولم يفت المحل هنا ; لأن الذمة بقيت صالحة لبقاء الواجب فيها والرهن خلف في حكم الاستيفاء فيبقى الدين باعتبار هذا الخلف كالمديون إذا مات يبقى الدين باعتبار التركة ; لأنها خلف عن الذمة في حكم الاستيفاء ، فإذا بقي الدين بقي حكم الأمان في عين الرهن بحق المسلم المرتهن ، فيباع في دينه وإذا استوفي دينه سقط حقه فيكون الباقي لمن أسره ; لأن المرتهن في الباقي كان أمينا يده فيه كيد صاحب الأمانة ، فكأنه كان في يد المأسور والأسر كما يملك المأسور بالقهر يملك ما في يده ولا يمكن أن يجعل مملوكا للمرتهن بضمان الرهن ; ولأن ضمان الرهن لا يوجب الملك في العين ولا بطريق الاغتنام ; لأنه ببقاء يد المرتهن وحقه يبقى الإحراز ، ولا يفوت فلا يكون محلا للاغتنام ما لم يسقط حق المرتهن ، والإحراز كان باعتبار حقه ; لأنه لم يبق للمأسور حق ، فلهذا كان الباقي لمن أسره وإن كان عنده رهن لمسلم أو ذمي بدين له عليه رد الرهن على صاحبه وبطل دينهم عندهم جميعا ; لأنه بالرق خرج عن أن يكون أهلا لملكه المال ، فقد صار مملوكا ما لم يخلفه الثاني في ملك الدين ; لأن ذمة المسلم لا تدخل تحت القهر ، فإذا لم يملكه بالشيء سقط إما لفوات المطالبة به أصلا - أو لأن [ ص: 153 ] المسلم محرز ما في ذمته فيملكه ، ويسقط عنه ، والرهن مردود على صاحبه ; لأنه ملك الرهن ، فلا يملكه الثاني لبقاء إحراز المسلم أو الذمي له فلهذا كان مردودا عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية