الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا قتل المكاتب رجلا عمدا وله وليان فصالح أحدهما على مائة درهم وأداها إليه ، ثم عجز ورد في الرق ، ثم جاء الولي الآخر فالمولى بالخيار إن شاء دفعه أو دفع نصفه إلى الولي ، وإن شاء فداه بنصف الدية ; لأن بالصلح مع أحد الوليين سقط القود وانقلب نصيب الآخر مالا ، ولا يتم ذلك دينا في ذمة المكاتب إلا بقضاء القاضي بمنزلة جناية المكاتب ، وإذا كانت خطأ ، فإذا عجز قبل القضاء كان حقه في رقبته ويتخير المولى بين دفع النصف إليه والفداء بنصف الدية كما لو كانت الجناية خطأ في الابتداء ، ثم وجوب المال للآخر هنا كان حكما بسبب قتل ثابت بالمعاينة فلهذا يباع به بعد العجز بخلاف المال الواجب للمصالح ، فإن ذلك كان بالتزام المكاتب بدلا عما ليس بمال ، فلا يباع به بعد العجز ما لم [ ص: 25 ] يعتق بمنزلة إقراره بالجناية خطأ ، وإن لم يعجز ولكنه عتق ، ثم جاء الولي الآخر ، فإنه يقضي له على المكاتب بنصف قيمته دينا عليه ; لأن نصيب الآخر قد انقلب مالا وكان دفعه متعذرا عند ذلك وبالعتق قد تقرر وقوف الناس عن الدفع وكان حق الآخر في حصته من القيمة دينا في ذمته بمنزلة ما لو جنى المكاتب جناية خطأ ، ثم عتق ، ولو عفى أحد الوليين عن الدم بغير صلح ، فإنه يقضي على المكاتب أن يسعى في نصف قيمته للآخر ; لأن نصيب الآخر انقلب مالا لغير شريكه فصار في حقه كما لو كانت الجناية في الأصل خطأ .

وموجب جناية المكاتب في الخطأ قيمته لتعذر دفعه بالجناية مع بقاء الكتابة وذلك عليه دون المولى ; لأنه أحق بكسبه بخلاف المدبر وأم الولد ; لأن المولى أحق بكسبهما وموجب الجناية على من يكون الكسب له ، فإن صالحه الآخر من ذلك على شيء بعينه جاز ، وهذا صلح عن مال هو دين على عين فيكون صحيحا ولكن لا يجوز تصرفه فيه قبل القبض ; لأنه بمنزلة البيع .

وإن صالحه على شيء بغير عينه وتفرقا قبل أن تقبض بطل الصلح ; لأنه دين بدين ، ولو صالحه على طعام بعينه أكثر من نصف قيمته جاز ، وكذلك العروض ; لأن الواجب عليه نصف القيمة من الدراهم والدنانير ، ولا ربا بينه وبين الطعام والعروض ، ولو صالحه على دراهم أو دنانير أكثر من نصف قيمته لم يجز بمنزلة ما لو صالح من الدين على أكثر من قدره من جنسه ، وقد بينا أن ذلك ربا .

ولو كفل له رجل بنصف القيمة جاز ; لأنه كفل بدين على المكاتب للأجنبي ، فإن صالحه الكفيل على طعام أو ثياب جاز ورجع الكفيل على المكاتب بنصف القيمة ; لأنه صار موفيا بهذا الصلح إذا كفل عنه بأمره ، ولو أعطاه المكاتب رهنا بنصف القيمة فهلك الرهن ، وفيه وفاء بنصف القيمة فهو بما فيه ، وإن كان فيه فضل بطل الفضل ; لأن في الفضل المكاتب بمنزلة المودع وذلك منه صحيح والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية