الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو كان له عليه ألف درهم غلة فصالحه منها على ألف درهم بخية حالة ، فإن قبض قبل أن يتفرقا جاز ; لأن مبادلة البخية بالغلة صرف ، فإذا وجد القبض في المجلس جاز العقد ، وإن تفرقا قبل القبض بطل ، وإن جعلا لها أجلا بطل ، وكذلك إن كان الصلح على خمسمائة بخية في جميع ذلك في قول أبي يوسف الأول رحمه الله : معناه إذا قبض خمسمائة في المجلس جاز ، وإن فارقه قبل القبض فعليه خمسمائة درهم من دراهمه الأولى ، وقد برئ مما سوى ذلك ; لأنه يجعل هذا إبراء من الطالب للمطلوب من خمسمائة وإحسانا من المطلوب في قضاء ما بقي ، وإنما جزاء الإحسان الإحسان لما بينا أنه إن حمل هذا على مبادلة بعض القدر بالجودة لم يصح ، وإن حمل على البراء المبتدأ صح ومقصودهما تصحيح العقد فعند الاحتمال يتعين الوجه الذي يحصل فيه مقصودهما ، وإذا فارقه قبل القبض فعليه الخمسمائة من دراهمه الأولى ; لأنه وعده أن يعطيه ما بقي أجود والإنسان مندوب إلى الوفاء بالوعد من غير أن يكون ذلك مستحقا عليه ، وقد تمت البراءة عن الخمسمائة حين لم تمكن معنى المعاوضة بينهما ، ثم رجع أبو يوسف رحمه الله : فقال الصلح فاسد ، وهو قول محمد رحمه الله : لأنهما بادلا صفة الجودة في الخمسمائة الباقية ببعض القدر وهي الخمسمائة التي أبرأه عنها وذلك ربا ، وإنما [ ص: 30 ] يتأتى حمله على البراء المبتدأ إذا لم يذكرا ذلك على وجه المعاوضة والشرط بينهما ، فأما مع الذكر على وجه المعاوضة ، فلا يمكن حمله على البراء المبتدأ .

التالي السابق


الخدمات العلمية