الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإن كان الرهن أمة تساوي ألفا بألف فولدت بنتا تساوي ألفا فجنت البنت فدفعت بها لم يبطل من الدين شيء ; لأن البنت خلا مكانها بالدفع ، فكأنها ماتت ، فإذا فقأت الأم عين البنت ، فدفعت الأم وأخذت البنت فهي : رهن بألف كاملة مكان الأم ; لأن الأم لما دفعت بالجناية صارت كأمة أخرى للمدفوع إليه ، فتعتبر جناية الأم عليها لحق المدفوع إليه ، فلهذا تدفع الأم برضا الراهن والمرتهن ، وتؤخذ البنت ، كما هو الحكم في الجثة العمياء ، ثم البنت رهن بجميع الألف مكان الأم عند أبي حنيفة وأبي يوسف ( رحمهما الله ) وقال محمد : يسقط نقصان العينين من الدين ، وتكون البنت رهنا بما بقي ، وهكذا الحكم فيما إذا فقأت عين عبد آخر ، فدفعت وأخذ ذلك العبد فمحمد يقول : المجني عليه قائم مقام الجاني حين أخذ بدفع الجاني ، فكأن الأمة مرهونة بما فيها وذهبت عيناها فيسقط نقصان العينين من الدين ، ووجه ظاهر الرواية : أن المجني عليه إنما قام مقام الجاني على هذه الصفة ; لأن الأمة دفعت بفقء العينين ، فلا يستند الدفع والأخذ إلى ما قبل الفقء فتبين : أن المأخوذ قام مقام المدفوع على هذه الصفة ، وأن حكم الرهن لم يثبت في عينه ، فلهذا لا يسقط شيء من الدين بخلاف ما إذا ذهبت عينا الأمة المرهونة ، فإن ماتت البنت ماتت بجميع [ ص: 173 ] الدين ; لأنها قائمة مقام أم المدفوعة وبموتها كان يسقط جميع الدين ، فلذلك يموت من قام مقامها ، فإن فقأت البنت بعد ذلك عيني الأم فدفعت وأخذت الأم عمياء ، فإنه ينبغي في القياس أن تكون رهنا بجميع المال ; لأنها قائمة مقام البنت المدفوعة ، ولكنا ندع القياس ونجعل الرهن على الأول ، وقد عاد إلى حاله فيذهب من الدين بحساب ما نقص من العينين ; لأن جميع الدين كان في الأم التي هي الأصل وعاد إليها المال فسقط ما تخلل بين ذلك من الزوائد وتجعل كأنها كانت مرهونة إلى الآن ، وذهبت عيناها وعلى رواية محمد ( رحمه الله ) : في القياس : يتحول إلى الأم ما زاد على نقصان عيني البنت وفي الاستحسان : يتوزع ذلك المقدار على ما بقي من الأم ، وعلى نقصان عينها ، فتسقط حصة نقصان العينين ، وتكون هي مرهونة بما بقي .

التالي السابق


الخدمات العلمية