الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا استعار رجل من رجلين عبدين قيمة كل واحد منهما : ألف فرهنهما بألف ففقأ أحدهما عين الآخر ثم إن المفقوءة عينه فقأ عين الفاقئ ، فإن المستعير يفتك العبدين بتسعمائة وثمانية عشر درهما وثلاثة أرباع درهم ، وهذه المسألة تشتمل على أحكام ثلاثة : حكم بين المستعير ، والمرتهن فيما يسقط من الدين وما بقي ، وحكم بين المستعير والمعيرين فيما يرجع كل واحد منهما به عليه ، وحكم بين المعيرين ، أما الذي بين المستعير ، والمرتهن فيقول : رهن العبدين منه بعقد واحد ، فكأنهما جميعا على ملكه وهي مسألة أول الباب : حين فقأ أحدهما عين الآخر سقط من الدين مائة وخمسة وعشرون تحول إلى الفاقئ مثله باعتبار جناية الفارغ على المشغول ، فصار الفاقئ مرهونا بستمائة وخمسة وعشرين ، فلما فقأ الآخر عينه فقد فات نصفه فإنما بقي فيه ثلثمائة واثنا عشر ، ونصف ، وسقط نصف ثلثمائة واثنا عشر ونصف وهو مائة وستة وخمسون وربع تحول مثله إلى الفاقئ فكان الساقط من الدين مرة مائة وخمسة وعشرين ، ومرة مائة وستة وخمسين وربعا ، وذلك مائتان واحد وثمانون ، وربع بقي من الألف سبعمائة وثمانية عشر ، وثلاثة أرباع فيقبلهما بهذا .

وأما الحكم الذي بين المستعير والمعيرين فهو : أن كل واحد منهما يرجع عليه بما صار قاضيا بملك المفقوءة عينه أولا : مائة وخمسة وعشرين فيغرم له ذلك المقدار ويملك مولى المفقوءة عينه أخيرا مائة وستة وخمسين وربعا فيغرم له ذلك المقدار .

وأما الحكم الذي بين المعيرين : فإنه يجبر مولى العبد الفاقئ أولا بجناية عبده على عبد غيره ، ويقال له : ادفع ثلاثة أرباع عبدك أو افده بثلاثة أرباع أرش عين العبد الآخر ; لأن مقدار الربع من الأرش قد وصل إلى مولى المفقوءة عينه ، أولا من جهة المستعير ، وهو مائة وخمسة وعشرون ، فلهذا بقي حكم الجناية في ثلاثة أرباع [ ص: 174 ] العبد ، فإن دفعه فليس له على صاحبه شيء ; لأن بالدفع صار مملوكا لمولى المفقوءة عينه أولا فيتبين أنه جنى عبده على عبده ، وذلك باطل ، وفيه نوع شبهة ، فإنه إنما يدفع ثلاثة أرباعه ، ويبقى الربع على ملكه ، وفي ذلك القدر يجعل جناية المفقوءة عينه أولا على ملك مولى الفاقئ فكأنه ذهب وهم محمد ( رحمه الله ) إلى أن الدفع في جميع العبد ، فلهذا قال : ليس له على صاحبه شيء ، ومثل هذا يقع إذا طال التفريغ ، وإن فداه بثلاثة أرباع أرش العين قيل لرب العبد المفقوءة عينه أولا : ادفع من عبدك ثلاثة أخماسه ، وثلاثة أثمان خمسه ونصف ثمن خمسه أو افده بمثل ذلك من أرش العين ; لأن العبد الفاقئ الأول طهر عن الجناية حين فداه مولاه ثم قد جنى عليه العبد المفقوءة عينه أولا فلا بد من اعتبار جنايته إلى أنه قد وصل إليه من جهة المستعير مائة وستة ، وخمسون وربع ، وذلك خمس الأرش ، ونصف خمسه ، ونصف ثمن خمسه ; لأن الأرش خمسمائة ، فخمسمائة ونصف خمسه : خمسون ، وستة وربع نصف ثمنه : خمسة ; لأن ثمن المائة : اثنا عشر ونصف ، فنصف ثمنها : ستة وربع ، فإنما بقي من حقه : ثلاثة أخماسه ، وثلاثة أثمان خمسه ، ونصف ثمن خمسه ، فيخير بين الدفع والفداء في هذا المقدار وعلى ذلك يسلم لصاحبه ولا يرجع واحد منهما على صاحبه بشيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية