الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو رهن أمة تساوي ألفا فولدت بنتا تساوي ألفا ثم دبر المولى الأم ، وهو معسر فعلى الأم أن تسعى في خمسمائة ; لأن نصف الدين تحول منها إلى الولد ، وهو نائب فيه ما بقي الولد ، والمولى بالتدبير صار مستردا للأم فعليها أن تسعى فيما كان فيها من الدين عند التدبير ، وذلك خمسمائة ، فإن ماتت ابنتها سعت في الألف تامة ; لأن الولد لم يصر مقصودا بالفكاك حين لم يدبر الولد وبالفكاك صار كأن لم يكن ، فتبين أن جميع الدين كان في الأم ، وقد أخرجها من الرهن بالتدبير ، فعليها أن تسعى في جميع الألف فإن لم تمت البنت وماتت الأم ثم دبر البنت فعلى البنت أن تسعى في خمسمائة ; لأنها صارت مقصودة بالفكاك حين دبرها فيستقر ما كان فيها من الدين وذلك خمسمائة فعليها أن تسعى في ذلك ، وبعد ما صارت مقصودة [ ص: 146 ] لا تلزمها السعاية في شيء مما كان على أمها فإن ولدت البنت بنتا ، وماتت البنت الأولى سعت السفلى في خمسمائة وإن كان قيمتها مائة ; لأنها جزء من الأولى ، وهي تابعة للأولى في حكم هذه السعاية فإنها صارت مقصودة بحكم الرهن .

ولو ولدت أمة الرهن بنتا ثم ولدت البنت بنتا ، وقيمة كل واحدة منهن ألف درهم ثم دبرهن جميعا ثم ماتت الأم ، والبنت ، الآن كان على السفلى أن تسعى في نصف الدين من أنه لا يحتسب بالوسطى ، وقد طعن عيسى في هذه المسألة وقال : ينبغي أن تسعى في ثلث الدين ; لأنه كالقابض للوسطى بالتدبير ، وكيف لا تحتسب بها وقد صارت مقصودة بالفكاك والسفلى تابعة للأم كالأولى فانقسم الدين عليهن أثلاثا ثم بالتدبير أخرجهن من الرهن ، فيتقرر في كل واحدة منهن ما كان فيها ، وهو ثلث الدين فعلى السفلى السعاية في ذلك القدر خاصة ، ولا تأويل لجواب محمد ( رحمه الله ) سوى أنه ذهب بالدين إلى أنه وضع المسألة فيما إذا دبر الأم والسفلى دون الوسطى ، فلهذا قال : لا يحتسب بالوسطى .

( ألا ترى ) أنه بنى عليه فقال : وكذلك لو ماتت الأم والبنت قبل التدبير ثم دبر السفلى ثم علل ، فقال : لأني لا أحتسب بالوسطى إذا لم يقع عليها التدبير ، فهذا يتعين أن مراده في الفصل الأول ما إذا لم يدبر الوسطى ، فأما إذا دبرهن جميعا فالجواب ، كما قال عيسى ولو ولدت أمة الرهن ولدا يساوي ألفا ثم دبرهما فكل واحدة منهما صارت مقصودة بالسعاية في نصف الألف فبموت الأم لا يتحول شيء من سعايتها إلى الولد ، ولو ماتت البنت سعت الأم بالألف كلها وهذا التفريع غير مذكور في نسخ الأصل وإنما ذكره الحاكم في ( المختصر ) والأظهر أنه غلق ; لأن البنت صارت مقصودة بالفكاك فإذا ماتت بعد ذلك لا يمكن أن يجعل كأن لم يكن ، ولا يتحول ما كان منها من السعاية إلى الأم وإنما عليها السعاية في مقدار الخمسمائة ، وإن صح هذا فوجهه أن الأم في الأصل كانت مرهونة بجميع الدين وتمام الفكاك في الولد لا يحصل بالتدبير ، وإنما تمام الفكاك بوصول حصة الولد من الدين إلى المرتهن ولم يصل إليه شيء فوجب على الأم السعاية في جميع الدين ; لأن حق المرتهن في استسعاء الأم في جميع الدين بعد التدبير كان ثابتا والراهن لا يملك إبطال ذلك الحق بتدبير الولد ; فلهذا سعت له في الألف كلها بخلاف ما إذا ماتت الأم فالبنت ما كانت مرهونة بجميع الألف قط ، فلا تجب على البنت السعاية إلا في مقدار ما كانت مرهونة به .

التالي السابق


الخدمات العلمية