الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة سبع وأربعين ومائتين

فمن الحوادث فيها :

قتل المتوكل وسيأتي ذكره ، وخلافة المنتصر بالله .

باب خلافة المنتصر بالله

واسمه محمد بن المتوكل ، وقيل : اسمه الزبير ، وفي كنيته ثلاثة أقوال : أبو جعفر ، وأبو عبد الله ، وأبو العباس .

ولد بسامراء في ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين ومائتين ، وكان أعين ، قصيرا ، أقنى ، أسمر ، ضخم الهامة ، عظيم البطن ، جسيما ، مليح الوجه ، مهيبا ، على عينه اليمنى أثر وقع أصابه وهو صغير ، وأمه أم ولد ، رومية ، يقال لها : حبشية .

بويع المنتصر بالله محمد بن جعفر بالخلافة في صبيحة الليلة التي قتل فيها المتوكل أبوه ، وذلك يوم الأربعاء لأربع خلون من شوال بالجعفرية ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وقيل : أربع وعشرين . [ ص: 354 ]

وكان أبوه ولاه العهد [بعده ] فتقدم قبل أخويه المعتز ، والمؤيد ، وشاع بين الجند والناس ما جرى من قتل المتوكل ، فاجتمع الخلق وتكلموا في أمر البيعة ، فخرج إليهم بعض أصحاب المنتصر ، فأبلغهم عن المنتصر ما يحبون ، فأسمعوه ، فدخل إلى المنتصر فأبلغه ، فخرج بين يديه جماعة من المغاربة ، فصاح بهم : يا كلاب خذوهم ، فحملوا على الناس ، فدفعوهم ، فمات جماعة ، وصالح المنتصر أخويه عن إرثهم من أبيهم على أربعة عشر ألف ألف درهم ، وأشهد عليهم بذلك .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : [أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ] الخطيب ، أخبرنا علي بن أبي علي المعدل ، أخبرنا محمد بن العباس الخزاز قال :

أخبرنا محمد بن خلف بن المرزبان قال : حدثني أحمد بن حبيب قال : حدثني علي بن يحيى المنجم قال : جلس المنتصر في مجلس كان أمر أن يفرش له ، وكان في بعض البسط دائرة كبيرة فيها مثال فرس وعليه راكب ، وعلى رأسه تاج وحول الدائرة كتابة بالفارسية ، فلما جلس المنتصر وجلس الندماء ، ووقف بين يديه وجوه الموالي [والقواد ] ، نظر إلى تلك الدائرة وإلى الكتابة التي حولها ، فقال لبغا : إيش هذه الكتابة ؟ فقال : لا أعلم يا سيدي ، فسأل من حضر من الندماء ، فلم يحسن أحد أن يقرأه ، فالتفت إلى وصيف وقال : أحضر لي من يقرأ هذا الكتاب ، فأحضر رجلا فقرأ الكتابة فقطب ، فقال له المنتصر : ما هو ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، بعض حماقات [ ص: 355 ] الفرس . قال : أخبرني ما هو ؟ قال : يا أمير المؤمنين ليس له معنى ، فألح عليه ، وغضب قال : يقول : [أنا ] شيرويه بن كسرى بن هرمز ، قتلت أبي فلم أمتع بالملك إلا ستة أشهر ، فتغير وجه المنتصر ، وقام عن مجلسه إلى النساء ، فلم يملك إلا ستة أشهر .

وفي ذي الحجة من هذه السنة أخرج المنتصر علي بن المعتصم من سامراء إلى بغداد ، ووكل به .

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن سليمان الزينبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية