الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1475 - إسحاق بن أبي إسرائيل - واسم أبي إسرائيل : إبراهيم بن كامجر - وكنية إسحاق : أبو يعقوب ، مروزي الأصل .

ولد سنة خمسين ومائة ، وقيل : إحدى وخمسين . وسمع من حماد بن زيد ، وابن عيينة وغيرهما .

روى عنه : البخاري ، وكان حافظا ثقة مأمونا ، إلا أنه كان يقول : القرآن كلام الله ويقف ، ولا يقول مخلوق ولا غير مخلوق ، وكان يقول : لا أقول هذا على الشك ، ولكن أسكت كما سكت القوم قبلي فذموه بسكوته .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال : حدثنا عمر بن أحمد الواعظ قال : حدثنا إسحاق بن محمد بن الفضل الزيات قال : حدثنا أحمد بن محمد بن أبي سلم الرازي قال : حدثنا حفص بن معمر المهرواني قال : [ ص: 331 ]

رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم واقفا على إسحاق بن أبي إسرائيل وهو يقول له : عنيتني إليك من ألف وخمسين فرسخا ، أنت الذي تقف في القرآن ؟

أخبرنا عبد الرحمن قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال : أخبرني الحسين بن علي الصيمري قال : حدثنا محمد بن عمران المرزباني قال : أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال : حدثني إبراهيم بن المدبر الكاتب قال : كنا عند المتوكل فدخل عليه إسحاق بن أبي إسرائيل فقال : يا أمير المؤمنين ، حدثنا الفضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن الحسن أنه قال : المصافحة تزيد في المودة ، فمد المتوكل يده حتى صافحه .

توفي إسحاق بسامراء في شعبان هذه السنة .

1476 - الحسن بن علي ، أبو محمد - وقيل أبو علي - المعروف بالحلواني .

سمع يزيد بن هارون ، وعبد الرزاق ، وابن نمير ، وأبا عاصم النبيل ، وعفان بن مسلم ، وغيرهم روى عنه : البخاري ، ومسلم ، والحربي ، وأبو داود . وكان ثقة حافظا متقنا ثبتا .

وقال بالوقف في القرآن مرة فأعرض عنه الناس ، فقال : القرآن كلام الله غير مخلوق .

1477 - سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله بن قدامة ، أبو عبد الله العنبري البصري .

نزل بغداد ، وولي بها قضاء الرصافة [في سنة سبع وثلاثين ] ، وحدث عن أبيه ، وعن ابن مهدي ، ويحيى بن سعيد ، وغيرهم . [ ص: 332 ]

روى عنه : عبد الله بن أحمد ، وابن صاعد وغيرهما . وكان فقيها فصيحا أديبا شاعرا ثقة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا أحمد بن عمر بن روح قال : أخبرنا المعافى بن زكريا قال : أخبرنا المظفر بن يحيى بن أحمد قال : حدثنا الحسين بن الفهم قال : حدثني الجرمي قال : دخلت حماما في درب الثلج ، فإذا سوار بن عبد الله القاضي في البيت الداخل ، وقد استلقى وعليه المئزر ، فجلست بقربه فساكتني ساعة ، ثم قال : قد أحشمتني يا رجل ، فإما أن تخرج أو أخرج .

فقلت : جئت أسألك عن مسألة . قال : ليس هذا موضع المسائل ، فقلت : إنها من مسائل الحمام ، فضحك ، وقال : هاتها . فقلت : من الذي يقول :


سلبت عظامي لحمها فتركتها عواري مما نالها تتكسر     وأخليت منها مخها فكأنها
قوارير في أجوافها الريح تصفر     إذا سمعت ذكر الفراق تراعدت
مفاصلها خوفا لما تتنظر     خذي بيدي ثم ارفعي الثوب تنظري
بلى جسدي لكنني أتستر

فقال سوار : أنا والله قلتها ، قلت : إنه يغني بها ويجود ، فقال : لو شهد عندي الذي يغني بها لأجزت شهادته .

أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي الزينبي أخبرنا أحمد بن الحسين بن الفضل قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب قال :

حدثنا علي بن عبد الله بن العباس بن المغيرة الجوهري قال : حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي ، حدثنا الزبير بن بكار قال : حدثني محمد بن سلام قال :

كان حماد بن موسى صاحب أمر محمد بن سليمان ، والغالب عليه ، فحبس سوار القاضي رجلا فيما يحبس فيه القضاة ، فبعث حماد فأخرج الرجل من الحبس ، فجاء خصمه إلى سوار فأخبره أن حمادا قد أخرج الرجل من الحبس ، فركب سوار حتى دخل على محمد بن سليمان وهو قاعد للناس ، والناس على مراتبهم ، فجلس حيث يراه محمد ، ثم دعا قائدا من قواده فقال : [ ص: 333 ]

أسامع أنت مطيع ؟ قال : نعم . قال : اجلس ها هنا فأقعده عن يمينه ، ثم دعا آخر من نظرائه فقال له كما قال للأول . وأجابه بمثل ما أجاب الأول ، فأقعده مع صاحبه حتى فعل ذلك بجماعة من قواد محمد ، ثم قال : انطلقوا إلى حماد بن موسى فضعوه في الحبس ، فنظروا إلى محمد بن سليمان ، فأشار عليهم أن افعلوا ما أمركم به . فانطلقوا إلى حماد فوضعوه في الحبس ، وانصرف سوار إلى منزله ، فلما كان العشي أراد محمد بن سليمان الركوب إليه ، فجاءته الرسل فقالوا : إن الأمير [قد عزم ] على الركوب إليك . فقال : لا : نحن أولى بالركوب إلى الأمير ، فركب إليه ، فقال : كنت على المجيء إليك يا أبا عبد الله ، فقال : ما كنت لأجشم الأمير ذلك ، وبلغني ما يصنع هذا الجاهل حماد . قال : هو ما بلغ الأمير . قال : فأحب أن تهب لي ذنبه . قال : أفعل أيها الأمير إن رد الرجل إلى الحبس . قال : نعم بالصغر له والقماء ، فوجه الرجل فحبسه ، وأخرج حمادا وكتب صاحب الخبر بذلك إلى الرشيد ، فكتب إلى سوار يجزيه خيرا ويحمده [على ما صنع ] ، وكتب إلى محمد بكتاب غليظ يذكر فيه حمادا ويقول : الرافضي ابن الرافضي ، والله لولا أن الوعيد أمام العقوبة ما أدبته إلا بالسيف ليكون عظة لغيره ونكالا يفتات على قاضي المسلمين في رأيه ، ويركب هواه لموضعه منك ، ويعترض في الأحكام استهانة بأمر الله تعالى ، وإقداما على أمير المؤمنين ، وما ذاك إلا بك وبما أرخيت من رسنه ، وبالله لئن عاد إلى مثلها لتجدني أغضب لدين الله وأنتقم لأوليائه من أعدائه .

توفي سوار في شوال هذه السنة بعد أن كف بصره .

1478 - عبيد الله بن إدريس النرسي ، مولى بني ضبة .

سكن بغداد ، وحدث بها عن ابن المبارك ، وإسماعيل بن عياش . [ ص: 334 ]

روى عنه : الدوري ، وكان ثقة ، توفي في هذه السنة .

1479 - عسكر بن الحصين ، أبو تراب النخشبي .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : حدثنا عبد العزيز بن علي الأزجي قال : حدثنا علي بن عبد الله الهمذاني قال : حدثنا محمد بن داود قال : سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول : قدم أبو تراب النخشبي مرة إلى مكة ، فقلت : يا أستاذ ، أين أكلت ؟ قال : جئت بفضلك ، أكلت أكلة بالبصرة ، وأكلة بالنباج ، وأكلة عندكم .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا عبيد الله بن أبي الفتح وعمر بن الحسين بن إبراهيم الخفاف قالا : أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن عبد الرحمن الزهري قال : حدثنا أبو الطيب أحمد بن جعفر الحذاء قال :

سمعت أبا علي الحسين بن خيران الفقيه يقول : مر أبو تراب النخشبي بمزين ، فقال له :

تحلق رأسي لله عز وجل : فقال له : اجلس . فجلس ، فبينما يحلق رأسه مر به أمير من أهل بلده ، فسأل حاشيته ، فقال لهم : أليس هذا أبو تراب ؟ قالوا : نعم ! فقال : إيش معكم من الدنانير ؟ فقال له الرجل من خاصته : معي خريطة فيها ألف دينار ، فقال له إذا قام أعطها له واعتذر إليه وقل له : لم يكن معنا غير هذه ، فجاء الغلام إليه فقال له : إن الأمير يقرأ عليك السلام وقال لك : ما حضر معنا غير هذه الدنانير ، فقال له : ادفعها إلى المزين فقال له المزين : إيش أعمل بها ؟ فقال : خذها فقال : والله لو أنها ألفا دينار ما أخذتها ! فقال له أبو تراب : عد إليه وقل له : إن المزين ما أخذها ، خذها أنت فاصرفها في مهماتك . [ ص: 335 ]

أخبرنا [أبو منصور ] القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال : أخبرنا أحمد بن علي المحتسب ، أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي : أن أبا تراب توفي في البادية ، قيل : نهشته السباع ، سنة خمس وأربعين ومائتين .

1480 - عبد الرحمن [بن إبراهيم ] بن عمرو بن ميمون ، أبو سعيد القرشي الدمشقي يعرف بدحيم .

سمع الوليد بن مسلم وخلقا كثيرا .

روى عنه : البخاري في صحيحه ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وكان ثقة .

ولي قضاء الرملة ، وقدم بغداد فحدث بها ، فروى عنه : عباس الدوري ، والحربي ، وكان أحمد ويحيى يجلسان إليه بين يديه ، وتوفي في رمضان هذه السنة بالرملة .

1481 - الفضيل بن الصباح ، أبو العباس السمسار .

سمع هشيما ، وابن عيينة .

روى عنه : البغوي ، وكان ثقة من خيار عباد الله .

توفي في رجب هذه السنة .

1482 - محمد بن بكير بن واصل ، أبو الحسن الحضرمي .

سمع شريك بن عبد الله النخعي ، وخالد بن عبد الله الواسطي ، وغيرهما .

روى عنه : إبراهيم الحربي . وغيره ، وكان ثقة صدوقا .

1483 - محمد ابن حبيب . صاحب كتاب "المحبر" .

بغدادي ، حدث عن هشام بن الكلبي ، وروى عنه : أبو سعيد السكري . [ ص: 336 ]

ويقال : إن حبيب اسم أمه [لا اسم أبيه ] . وكان عالما بالنسب وأخبار العرب . موثقا في روايته .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال : حدثني العلاء بن أبي المغيرة الأندلسي قال : حدثنا علي بن بقا الوراق قال : حدثنا عبد الغني بن سعيد الأزدي قال : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال : حدثنا أبو طاهر القاضي قال :

محمد ابن حبيب صاحب كتاب "المحبر" وحبيب أمه ، وهو ولد ملاعنة .

[أخبرنا القزاز أخبرنا أحمد بن علي الحافظ حدثنا الحسن بن أبي بكر ] أخبرنا محمد بن الحسن بن مقسم قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب قال :

حضرت مجلس ابن حبيب فلم يمل ، فقلت : ويحك ، أمل مالك ؟ فلم يفعل حتى قمت ، وكان والله حافظا صدوقا . وكان يعقوب أعلم منه ، وكان هو أحفظ للأنساب والأخبار منه .

وتوفي يوم الاثنين لسبع بقين من ذي الحجة في هذه [السنة ] بسامراء .

1484 - محمد بن رافع بن أبي زيد القشيري النيسابوري

شيخ عصره بخراسان رحل [إلى ] البلاد .

وسمع سفيان بن عيينة ، ومعن بن عيسى ، وعبد الرازق ، ووكيع بن الجراح ، وأبا معاوية ، ويزيد بن هارون ، والنضر بن شميل وغيرهم .

أخرج عنه : البخاري ، ومسلم في الصحيحين . وكان فوق الثقة ، وكان على غاية في الزهد . [ ص: 337 ]

أخبرنا محمد بن ناصر قال : [أنبأنا أحمد بن علي بن خلف ، أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله قال : سمعت أبا الحسين أحمد بن النضر الشافعي يقول :

سمعت ] جعفر بن أحمد الحافظ يقول : كنا في مجلس محمد بن رافع في منزله قعودا تحت شجرة ، وهو مستند إليها يقرأ علينا ، وكان إذا رفع أحد في المجلس صوته أو تبسم قام ، فلم يقدر أحد منا على مراجعته . قال : فوقع ذرق طائر على يدي وقلمي وكتابي ، فضحك خادم من خدم طاهر بن عبد الله وأولاده معنا في المجلس ، فنظر إليه محمد بن رافع ، فوضع الكتاب فانتهى ذلك الخبر إلى السلطان ، فجاءني الخادم ومعه حمال على ظهره ثلاث لفاف سامان فقال : والله ما كنت أملك في الوقت شيئا أحمله إليك غير هذا ، وهو هدية لك ، فإن سئلت عني فقل لا أدري من تبسم ، فقلت أفعل ، فلما كان الغداة حملت إلى باب السلطان ، فبرأت الخادم مما قيل فيه ، وبعت السامان بثلاثين دينارا ، واستعنت به في الخروج إلى العراق ، وبارك الله لي فيه ، ولقبت بالحصري ، وما بعت الحصر ، ولا باعه أحد من آبائي .

أخبرنا زاهر بن طاهر قال : أخبرنا أبو عثمان الصابوني ، وأبو بكر البيهقي قالا :

أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع قال : سمعت أبا جعفر محمد بن سعيد المذكر يقول : سمعت زكريا بن دلويه يقول : بعث طاهر بن عبد الله إلى محمد بن رافع بخمسة آلاف درهم على يد رسوله ، فدخل عليه بعد صلاة العصر وهو يأكل الخبز مع الفجل ، فوضع الكيس بين يديه فقال : بعث الأمير طاهر بهذا المال إليك لتنفقه على أهلك ، فقال : خذ خذ ، لا أحتاج إليه ، فإن الشمس قد طلعت وبلغت رءوس الحيطان ، إنما تغرب بعد ساعة ، وقد جاوزت الثمانين ، إلى متى أعيش ! فرد المال فلم يقبله ، فأخذ الرسول المال وذهب ، فدخل عليه ابنه في الوقت فقال : يا أبه ، ليس لنا الليلة خبز ، قال : فبعث ببعض أصحابه خلف الرسول ليرد المال إلى [ ص: 338 ] حضرة صاحبه ، فزعا من أن يذهب ابنه خلف الرسول فيأخذ المال .

قال زكريا : وربما كان يخرج إلينا محمد بن رافع في الشتاء الشاتي وقد لبس لحافه الذي يلبسه بالليل .

قال الحاكم : وقد دخلت عليه داره ، وتبركت بالصلاة في بيته واستندت إلى الصنوبرة التي كان يستند إليها .

وتوفي في هذه السنة وصلى عليه محمد بن يحيى .

ورئي في المنام فقيل له : ما فعل الله بك ؟ قال : بشرني بالروح والراحة .

1485 - محمد بن القاسم ، أبو الحسن المعروف بماني الموسوس .

من أهل مصر . قدم بغداد في أيام المتوكل ، وله شعر مستحسن .

[أخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا إسماعيل بن أحمد بن عبد الله النيسابوري قال : أخبرنا حمزة بن علي الأشروسني حدثنا ] الحسن بن محمد بن حبيب المذكر قال : أنشدني عبد العزيز بن محمد بن الفهري ، لماني الموسوس :


زعموا أن من تشاغل باللذات     عمن يحبه يتسلى
كذبوا والذي تساق له البدن     ومن عاذ بالطواف وصلى
أن نار الهوى أحر من الجمر     على قلب عاشق يتقلى

[قال ابن حبيب : وأنشدنا يحيى بن المتمم الدوسي ، لماني : [ ص: 339 ]


شادن وجهه من البدر أوضا     بعضه في الكمال يعشق بعضا
بأبي من يزرفن الصدغ بالعنبر     في خده المورد عرضا ؟
إن للورود مثل ورد بخديك     إذا ما قطفته صار غضا

1486 - نجاح بن سلمة .

قد ذكرنا كيفية هلاكه ] .

1487 - هلال الرأي .

كان فقيها كبيرا من أهل الرأي ، توفي في هذه السنة . [ ص: 340 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية