الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1341 - أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم بن عوف بن وهب بن عميرة ، من ولد عمرو بن لحي [الخزاعي ] .

الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار" لأنه أول من بحر البحيرة ، وسيب السائبة .

ومالك بن الهيثم كان أحد نقباء بني العباس في ابتداء دولتهم ، وسويقة نصر ببغداد تنسب إلى أبيه نصر .

وكان أحمد بن نصر من كبار العلماء ، أمارا بالمعروف ، فعالا للخير ، قوالا للحق ، سمع مالك بن أنس ، وحماد بن زيد ، وهشيم بن بشير ، وغيرهم ، روى عنه : يحيى بن معين ، وغيره .

وأخبرنا أبو منصور القزاز قال : أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، حدثني القاضي أبو عبد الله الصيمري ، حدثنا محمد بن عمران المرزباني قال : أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال : كان أحمد بن نصر وسهل بن سلامة - حين كان المأمون بخراسان - بايعا للناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلى أن دخل المأمون بغداد فرفق بسهل حتى لبس السواد ، وأخذ الأرزاق ، ولزم أحمد بيته ، ثم إن أمره تحرك ببغداد في آخر أيام الواثق ، فاجتمع إليه خلق من الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر إلى أن ملكوا بغداد ، وتعدى رجلان من أصحابه يقال لأحدهما : طالب في الجانب الغربي ، [ ص: 166 ] ويقال للآخر : أبو هارون في الجانب الشرقي ، وكانا موسرين فبذلا مالا وعزما على الوثوب ببغداد في آخر أيام الواثق في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين ، فنم عليهم قوم إلى إسحاق بن إبراهيم ، فأخذ جماعة منهم فيهم أحمد بن نصر وصاحباه طالب وأبو هارون طالبا وأبا هارون فقيدهما ، ووجد في منزل أحدهما أعلاما ، وضرب خادما لأحمد بن نصر ، فأقر أن هؤلاء كانوا يصيرون إليه ليلا فيعرفونه ما عملوا ، فحملهم إسحاق مقيدين إلى سامراء ، فجلس لهم الواثق وقال لأحمد بن نصر : دع ما أخذت له ، ما تقول في القرآن ؟ قال : هو كلام الله ، قال : أفمخلوق هو ؟ قال : هو كلام الله ، قال : أفترى ربك في القيامة ؟ قال : كذا جاءت الرواية . قال : ويحك ، يرى كما يرى أفمخلوق هو ؟ قال : هو كلام الله ، قال المحدود المجسوم ، ويحويه مكان ويحصره الناظر ، أنا أكفر برب هذه صفته ، ما تقولون فيه ؟ فقال عبد الرحمن بن إسحاق - وكان قاضيا على الجانب الغربي ببغداد وعزل - هو حلال الدم ، وقال جماعة الفقهاء : كما قال ، فأظهر ابن أبي دؤاد أنه كاره لقتله فقال للواثق : يا أمير المؤمنين ، شيخ مختل ، لعل به عاهة أو تغير عقله ، يؤخر أمره ويستتاب ، فقال الواثق : يا أمير المؤمنين ، شيخ مختل ، لعل به عاهة أو تغير عقله ، يؤخر أمره ويستتاب ، فقال الواثق : ما أراه إلا مؤذنا بالكفر ، قائما بما يعتقده منه . ودعا بالصمصامة وقال : إذا قمت [إليه ] فلا يقومن أحد معي فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد ربا لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها ، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه [وهو مقيد ] ، وأمر بشد رأسه بحبل ، وأمرهم أن يمدوه . ومشى إليه حتى [ ص: 167 ] ضرب عنقه وأمر بحمل رأسه إلى بغداد ، فنصبت في الجانب الشرقي أياما ، وفي الجانب الغربي أياما ، وتتبع رؤساء أصحابه ، فوضعوا في الحبوس .

وفي رواية أخرى : أن طالبا وأبا هارون السراج فرقا على قوم مالا ، ووعدوهم ليلة يضربون فيها الطبل فيجتمعون في صبيحتها بالوثوب على السلطان ، وكان الوعد ليلة الخميس لثلاث خلون من شعبان ، وأعطيا رجلين من بني أشرس [العابد ] دنانير يفرقانها في جيرانهم ، فاجتمع قوم منهم على نبيذ ، فثملوا فضربوا الطبل ليلة الأربعاء وهم يحسبونها ليلة الخميس ، فأكثروا الضرب ، فلم يجتمع إليهم أحد ، فوجه إليهم صاحب الشرطة ، وقررهم فأقروا ، وأخذ أحمد بن نصر ، فقيد وبعث [به ] إلى الواثق ، فلم يذكر له ما قيل عنه في الخروج [عليه ] ، لكنه قال : ما تقول في القرآن ؟ وهل ترى ربك ؟ فذكر نحو ما تقدم إلى أن قال : فدعا الواثق بسيف عمرو بن معديكرب ، ومشى إليه وضربه ضربة وقعت على حبل العاتق ، ثم ضربه أخرى على رأسه ، ثم انتضى سيما الدمشقي سيفه فضرب عنقه ، وجز رأسه ، ثم صلب في الحظيرة التي فيها بابك ، وفي رجليه قيود ، وعليه سراويل وقميص ، وحمل رأسه إلى مدينة السلام ، فنصب في الجانب الشرقي أياما وفي [الجانب ] الغربي أياما ، ثم حول إلى الشرقي ، وحظر على الرأس حظيرة ، وضرب عليه فسطاط ، وأقيم عليه الحرس .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت الخطيب ] أخبرنا [ ص: 168 ] محمد بن علي بن يعقوب ، حدثنا محمد بن نعيم الضبي قال : سمعت أبا العباس السياري يقول : سمعت أبا العباس بن سعيد المروزي قال : ضربت عنق أحمد بن نصر ، وهذه نسخة الرقعة معلقة في أذنه :

بسم الله الرحمن الرحيم : هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك ، دعاه عبد الله الإمام هارون الواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة فعجله الله إلى ناره ، وكتب محمد بن عبد الملك .

فلما جلس المتوكل فدخل عليه عبد العزيز بن يحيى المكي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما رئي أعجب من أمر الواثق ، قتل أحمد بن نصر ، وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن . قال : فوجد المتوكل من ذلك ، وساءه ما سمعه في أخيه ، إذ دخل عليه محمد بن عبد الملك الزيات فقال له : يا ابن عبد الملك ، في قلبي [شيء ] من قتل أحمد بن نصر ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أحرقني الله بالنار إن كان قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا ، قال : ودخل هرثمة فقال : يا هرثمة ، في نفسي [شيء ] من قتل أحمد بن نصر فقال : يا أمير المؤمنين ، قطعني الله إربا إربا إن كان قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا ، قال : ودخل عليه أحمد بن أبي دؤاد ، فقال : يا أحمد ، في قلبي من قتل أحمد بن نصر [شيء ] فقال : يا أمير المؤمنين ، ضربني الله بالفالج إن كان قتله [ ص: 169 ] أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا ، قال المتوكل : أما [ابن ] الزيات فأنا أحرقته بالنار ، وأما هرثمة فإنه هرب ، فاجتاز بقبيلة من خزاعة فقطعوه إربا إربا ، وأما ابن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده .

أخبرنا [عبد الرحمن ] القزاز قال : أخبرنا الخطيب [أحمد بن علي بن ثابت ] أخبرنا إبراهيم بن هبة الله الجرباذقاني ، أخبرنا معمر بن أحمد الأصبهاني قال : أخبرني أبو عمرو عثمان بن محمد العثماني إجازة قال : حدثني علي بن محمد بن إبراهيم [حدثنا إبراهيم ] بن إسماعيل بن خلف قال : كان أحمد بن نصر خلي ، فلما قتل في المحنة وصلب رأسه ، أخبرت أن الرأس يقرأ القرآن ، فمضيت فبت بقرب من الرأس مشرفا عليه ، وكان عنده رجالة وفرسان يحفظونه ، فلما هدأت العيون سمعت الرأس يقرأ : الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون - 2 الآية ، فاقشعر جلدي ، ثم رأيته بعد ذلك في المنام وعليه السندس والإستبرق وعلى رأسه تاج ، فقلت : ما فعل الله بك يا أخي ؟ قال : غفر لي وأدخلني الجنة ، إلا أني كنت مغموما ثلاثة أيام ، فقلت : ولم ؟ قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر بي ، فلما بلغ خشبتي حول وجهه عني ، فقلت له بعد ذلك : يا رسول الله ، قتلت على الحق أم على الباطل ؟ قال : أنت على الحق ، ولكن قتلك رجل من أهل بيتي ، فإذا بلغت إليك أستحي منك .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا الخطيب قال : قرأت على أبي بكر البرقاني ، عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي ، أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال : سمعت أبا بكر المطوعي قال : لما جيء برأس أحمد بن نصر صلبوه على الجسر ، فكانت الريح تديره قبل القبلة ، فأقعدوا له رجلا معه قصبة أو رمح ، فكان إذا دار نحو القبلة أداره إلى خلاف القبلة .

قال السراج : قتل أحمد بن نصر يوم السبت غرة رمضان سنة إحدى وثلاثين ، [ ص: 170 ] وأنزل رأسه وأنا حاضر ببغداد يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال سنة سبع وثلاثين .

أخبرنا القزاز قال : أخبرنا الخطيب [أحمد بن علي قال : ] لم يزل رأس أحمد بن نصر منصوبا ببغداد وجسده مصلوبا بسامراء ست سنين إلى أن حط ، وجمع بين رأسه وبدنه ، ودفن في الجانب الشرقي في المقبرة المعروفة بالمالكية .

1342 - إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن اليزيد ، أبو إسحاق الشامي البصري .

سكن بغداد ، وحدث بها عن يحيى بن سعيد القطان ، وابن مهدي ، وغندر ، وغيرهم . قال أبو حاتم الرازي : هو صدوق ، وقال يحيى : هو ثقة .

توفي في رمضان هذه السنة .

1343 - إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر مولى بني مخزوم .

دمشقي ، ولي أمر إفريقية لعمر بن عبد العزيز توفي في هذه السنة .

1344 - خالد بن مرداس ، أبو الهيثم السراج .

حدث عن إسماعيل بن عياش ، وابن المبارك ، روى عنه : البغوي ، وكان ثقة .

توفي في شعبان هذه السنة .

1345 - خلف بن سالم ، أبو محمد المخرمي مولى المهالبة .

وكان سنديا ، سمع أبا بكر بن عياش وهشيما ، وابن مهدي ، وابن علية ، وأبا [ ص: 171 ] نعيم ، ويزيد بن هارون ، روى عنه : يعقوب بن شيبة ، وأحمد بن خيثمة . وقال أحمد بن حنبل : لا نشك في صدقه .

توفي في رمضان هذه السنة .

1346 - سليمان بن داود بن الرشيد ، أبو الربيع الأحول الختلي البغدادي .

وليس هذا داود بن رشيد المشهور ، هذا آخر ، حدث عنه مسلم بن الحجاج ، وأبو زرعة الرازي ، وأبو يعلى الموصلي ، وكان ثقة .

توفي يوم السبت أول يوم من رمضان هذه السنة .

ولمسلم شيخ آخر حدث عنه في صحيحه ، يقال له : سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني توفي في سنة أربع ، وسيأتي ذكره ، فلا تظن أنهما واحد ، فقد ادعى هذا أبو بكر أحمد بن علي الأصفهاني الحافظ ، فإنه خرج شيوخ مسلم وجعلهما واحدا ، وخطأ أبا يعلى الموصلي ، لأنه حدث عنهما في معجم مشايخه ، وفرق بينهما ، وأورد لكل واحد حديثا منفردا ، وأبو يعلى أعلم بمشايخه .

يدل على صحة هذا أن أبا القاسم هبة الله بن أحمد الحريري أنبأنا عن العشاري ، عن الدارقطني أنه ذكر مشايخ مسلم الذين أخرج عنهم في الصحيح ، فقال :

سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني ، وسليمان بن داود أبو الربيع الأحول البغدادي .

وقال البغوي : مات سليمان بن داود [أبو الربيع ] سنة إحدى وثلاثين ومائتين ، [ومات سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني سنة أربع وثلاثين ومائتين ] فبان وهم أبي بكر الأصبهاني . [ ص: 172 ]

1347 - سليمان بن داود أبو داود المباركي .

سمع يحيى بن أبي زائدة ، روى عنه : مسلم بن الحجاج ، وأبو زرعة ، وقال : هو ثقة .

وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة .

1348 - محمد بن زياد ، أبو عبد الله ، مولى بني هاشم ، ويعرف بابن الأعرابي .

كان الغاية في علم اللغة ، ومعرفة الأنساب والأيام ، وحدث عن أبي معاوية الضرير ، روى عنه : إبراهيم الحربي ، وثعلب ، وغيرهما ، وكان ثقة ، وكان ليله أحسن ليل .

وتوفي بسامراء في هذه السنة ، وهو ابن ثمانين سنة ، وقيل : توفي سنة ثلاثين ، والأول أصح .

1349 - محمد بن سعدان ، أبو جعفر النحوي الضرير .

كان أحد القراء ، وله كتاب في القراءات ، وكان ثقة ، وله كتاب في النحو أيضا .

توفي يوم عرفة في هذه السنة .

1350 - محمد بن سلام بن عبيد الله ، أبو عبد الله البصري ، مولى قدامة بن مظعون .

كان من أهل الأدب ، وصنف كتابا في طبقات الشعراء ، وحدث عن حماد بن [ ص: 173 ] سلمة وغيره ، وروى عنه : عبد الله بن أحمد ، وثعلب ، قال صالح جزرة الحافظ :

كان محمد بن سلام صدوقا . وقال أبو خيثمة : يرمى بالقدر ، لا نكتب عنه الحديث ، إنما نكتب عنه الشعر .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرني أحمد بن [محمد بن أحمد بن ] يعقوب [قال : ] حدثني جدي محمد بن عبيد الله بن الفضل ، حدثنا محمد بن يحيى النديم قال أخبرنا حسين بن الفهم : كان قدم علينا محمد بن سلام سنة اثنتين وعشرين ومائتين ، فاعتل علة شديدة ، فما تخلف عنه أحد ، وأهدى إليه الأجلاء أطباءهم ، وكان ابن ماسويه ممن أهدي إليه ، فلما جسه ونظر إليه قال له : ما أرى بك من العلة مثل ما أرى بك من الجزع فقال : والله ما ذاك لحرص على الدنيا مع اثنتين وثمانين سنة ، ولكن الإنسان في غفلة حتى يوقظ بعلة ، ولو وقفت بعرفات وقفة وزرت قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زورة ، وقضيت أشياء في نفسي ، لرأيت ما اشتد علي من هذا الجزع قد سهل ، فقال [له ] ابن ماسويه فلا تجزع فقد رأيت في عرقك من الحرارة الغريزية وقوتها ، ما إن سلمك الله من العوارض بلغك عشر سنين أخرى ، قال حسين [بن الفهم ] : فوافق كلامه قدرا ، فعاش محمد عشر سنين بعد ذلك ، ومات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين . [ ص: 174 ]

قال النديم : وأخبرنا الفضل بن الحباب قال : ابيضت لحية محمد بن سلام ورأسه وله سبع وعشرون سنة ، وسمعته يقول : أفنيت ثلاثة أهلين تزوجت وأطفلت فماتوا ، ثم فعلت مثل ذلك فماتوا ، ثم فعلت الثالثة فماتوا ، وها أنا ذا في الرابعة ولي أولاد .

توفي [محمد بن سلام ] في هذه السنة ببغداد .

1351 - هارون بن معروف ، أبو علي المروزي .

سكن بغداد ، وحدث بها عن عبد العزيز الدراوردي ، وابن عيينة ، وهشيم ، روى عنه : أحمد بن حنبل ، والبغوي ، وكان ثقة .

وتوفي في رمضان هذه السنة .

1352 - يوسف بن يحيى ، أبو يعقوب البويطي .

منسوب إلى قرية يقال لها : بويط ، وكان الشافعي رضي الله عنه يقربه ويؤثره ، وجلس بعده في مكانه وكان فقيها ثقة ، وكان متعبدا زاهدا ، وحمل في أيام المحنة إلى بغداد فلم يجب ، فحبس فمات في الحبس في هذه السنة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال : أخبرنا أحمد بن إسماعيل بن علي الأستراباذي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الطيبي ، حدثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد [قال : سمعت الربيع ] قال : سمعت أبا الوليد بن أبي الجارود يقول : كان أبو يعقوب البويطي جاري ، فما كنت أنتبه ساعة من الليل إلا وأسمعه يقرأ ويصلي . قال الربيع : كان أبو يعقوب أبدا يحرك شفتيه بذكر الله تعالى - أو نحو ما قال . [ ص: 175 ]

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز ، حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الأنماطي ، حدثنا محمد بن حمدان الطرائقي ، حدثنا الربيع بن سليمان قال : رأيت البويطي على بغل ، وفي عنقه غل ، وفي رجليه قيد ، وبين الغل والقيد سلسلة حديد ، وفيها طوبة وزنها أربعون رطلا ، وهو يقول : إنما خلق الله الخلق بكن ، فإذا كانت كن مخلوقة ، فكان مخلوقا خلق مخلوقا ، فو الله لأموتن في حديدي هذا حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم ، ولئن أدخلت إليه لأصدقنه - يعني الواثق - قال الربيع : وكتب إلي من السجن [يقول : ] إنه ليأتي علي أوقات لا أحس بالحديد أنه على بدني حتى تمسه يدي فإذا قرأت كتابي هذا فأحسن خلقك مع أهل حلقتك ، واستوص بالغرباء خاصة خيرا ، فكثيرا ما كنت أسمع الشافعي رحمه الله يتمثل بهذا البيت :


أهين لهم نفسي لكي يكرمونها ولا تكرم النفس التي لا تهينها

توفي البويطي في رجب هذه السنة . وقيل : سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، والأول أصح . [ ص: 176 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية