الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1280 - إبراهيم بن مهدي .

بغدادي نزل المصيصة ، فقيل له: المصيصي ، حدث عن إبراهيم بن سعد ، وحماد بن زيد ، وغيرهما . روى عنه: أحمد بن حنبل ، وأبو داود ، وعباس الدوري .

وكان ثقة .

وتوفي في هذه السنة .

1281 - إبراهيم بن أبي محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة ، أبو إسحاق العدوي ، المعروف بابن اليزيدي البصري .

سكن بغداد ، وله فضل وافر ، وحظ من الأدب زائد ، سمع من أبي زيد والأصمعي ، وجالس المأمون ، وكان شاعرا مجيدا ، وله كتاب مصنف يفتخر به اليزيدون ، وهو ما اتفق لفظه واختلف معناه ، نحو من سبعمائة ورقة ، وذكر أنه بدأ بتصنيفه وهو ابن سبع عشرة سنة ، ولم يزل يعمله إلى أن أتت عليه ستون سنة ، وله كتاب "معادن القرآن" وكتاب " [في] بناء الكعبة وأخبارها" . [ ص: 101 ]

1282 - سعيد بن سليمان ، أبو عثمان الواسطي ، المعروف بسعدويه البزار .

سكن بغداد ، وحدث بها عن الليث بن سعد ، وزهير بن معاوية ، وحماد بن سلمة وغيرهم . روى عنه: يحيى بن معين ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وغيرهم ، وكان ثقة مأمونا ، حج ستين حجة ، إلا أنه كان يصحف ، وامتحن فأجاب .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا محمد بن عبد الواحد ، أخبرنا الوليد بن بكر ، حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي ، حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد العجلي قال: حدثني أبي قال: سعيد بن سليمان ، ويعرف بسعدويه ، ثقة ، قيل له بعد ما انصرف من المحنة ما فعلتم؟ قال: كفرنا ورجعنا .

توفي سعدويه ببغداد في هذه السنة في ذي الحجة ، وله مائة سنة .

1283 - صالح بن إسحاق بن عمرو الجرمي النحوي .

صاحب الكتاب "المختصر في النحو" وإنما قيل له الجرمي؛ لأنه كان ينزل في جرم [وقيل: بل كان مولى لجرم] ، وجرم من قبائل اليمن ، وأخذ النحو عن الأخفش وغيره ، ولقي يونس بن حبيب ولم يلق سيبويه ، وأخذ اللغة عن أبي عبيدة ، وأبي زيد ، والأصمعي ، وطبقتهم ، وأسند الحديث عن يزيد بن زريع وغيره ، وكان حسن الاعتقاد ، غزير العلم ، وناظر الفراء؛ فأفحم الفراء .

توفي في هذه السنة . [ ص: 102 ]

1284 - عبيد بن غاضرة بن فرقد ، أبو عثمان العبدي .

قدم مصر وحدث بها ، وتوفي في شوال هذه السنة .

1285 - علي بن رزين ، أبو الحسن الخراساني .

كان أستاذ أبي عبد الله المغربي .

أخبرنا عمر بن ظفر ، قال: أخبرنا أبو جعفر بن أحمد بن عبد الواحد ، أخبرنا عبد العزيز بن علي ، أخبرنا ابن جهضم ، حدثنا أحمد بن محمد بن علي بن هارون قال: سمعت إبراهيم بن شيبان قال: كان علي بن رزين قد شاع عنه في الناس أنه يشرب في كل أربعة أشهر شربة ماء ، فسأله رجل من أهل قرميسين عن هذا ، فقال: نعم ، وأي شيء في هذا؟! سألت الله عز وجل أن يكفيني مئونة بطني فكفاني .

عاش علي بن رزين مائة وعشرين سنة . وتوفي في هذه السنة ، ودفن على جبل الطور .



1286 - القاسم بن عيسى بن إدريس بن معقل ، أبو دلف العجلي أمير الكرج .

كان سمحا جوادا ، وبطلا شجاعا ، وأديبا شاعرا .

أخبرنا [أبو منصور بن عبد الرحمن] القزاز ، أخبرنا [أبو بكر] الخطيب ، أخبرنا الأزهري ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن ، حدثنا أحمد بن مروان المكي ، حدثنا المبرد ، حدثنا أبو عبد الرحمن الثوري قال: استهدى المعتصم من أبي دلف كلبا أبيض [كان عنده] فجعل في عنقه قلادة كيمخت أقصر ، وكتب عليها: [ ص: 103 ]


أوصيك خيرا به فإن له خلائقا لا أزال أحمدها     يدل ضيفي علي في ظلم اللـ
ـيل إذا النار نام موقدها

قال الأزهري: وفي كتابي عن سهل الديباجي ، حدثنا أحمد بن محمد بن الفضل الأهوازي قال: أنشد بكر بن النطاح أبا دلف:


مثال أبي دلف أمة     وخلق أبي دلف عسكر
وإن المنايا إلى الدار عين     بعيني أبي دلف تنظر

[قال] : فأمر له بعشرة آلاف درهم ، فمضى فاشترى بها بستانا بنهر الأبلة ، ثم عاد من قابل فأنشده:


[بك] ابتعت في نهر الأبلة جنة     عليها قصير بالرخام مشيد
إلى لزقها أخت لها يعرضونها     وعندك مال للهبات عتيد

فقال أبو دلف: بكم الأخرى؟ قال: بعشرة آلاف فقال: ادفعوها إليه ، ثم قال له:

لا تجيني قابل ، فتقول: بلزقها أخرى ، فإنك تعلم أن لزق أخرى إلى أخرى اتصل إلى ما لا نهاية له .

أخبرنا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد قال: [أخبرنا أبو بكر] بن ثابت ، أخبرنا الحسن بن محمد الخلال ، حدثنا أحمد بن إبراهيم البزار ، أخبرنا أحمد بن مروان المالكي ، حدثنا الحسن بن علي الربعي ، حدثنا أبي قال: سمعت العتابي يقول: اجتمعنا على باب أبي دلف جماعة ، فكان يعدنا بأمواله من الكرج وغيرها ، فأتته الأموال ، فبسطها على الأنطاع ، وجلسنا حوله ، ثم اتكأ على قائم سيفه وأنشأ يقول:


ألا أيها الزوار لا يد عندكم     أياديكم عندي أجل وأكبر
فإن كنتم أفردتموني بالرجا     فشكري لكم من شكركم لي أكثر
[ ص: 104 ] كفاني من مالي دلاص وسابح     وأبيض من صافي الحديد مغفر

ثم أمر بنهب تلك الأموال ، فأخذ كل واحد منا على قدر قوته .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر [أحمد بن علي] بن ثابت ، أخبرنا أحمد بن عمر بن روح ، أخبرنا المعافى بن زكريا ، حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدثنا أبو الفضل الربعي ، عن أبيه قال: قال المأمون يوما - وهو مقطب - لأبي دلف:

أنت الذي يقول فيك الشاعر:


إنما الدنيا أبو دلف     بين باديه ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف     ولت الدنيا على أثره

فقال: يا أمير المؤمنين ، شهادة زور ، وقول غرور ، وملق معتف ، وطالب عرف ، وأصدق منه قول ابن أخت لي حيث يقول:


دعيني أجوب الأرض ألتمس الغنى     فلا الكرج الدنيا ولا الناس قاسم
إذا كانت الأرزاق في كف قاسم     فلا كانت الدنيا ولا كان قاسم

فضحك المأمون وسكن غضبه .

توفي أبو دلف ببغداد في هذه السنة .

أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال: أخبرنا [أبو بكر] أحمد بن علي ، أخبرنا الحسن بن أبي طالب ، حدثنا يوسف بن عمر القواس ، حدثنا الحسين بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن أبي سعد ، حدثنا محمد بن سلمة البلخي ، حدثنا محمد بن علي [ ص: 105 ] القوهستاني حدثنا دلف بن أبي دلف ، قال: رأيت كأن آتيا أتاني بعد موت أبي دلف فقال: أجب الأمير ، فقمت معه ، فأدخلني دارا وحشة ، وعرة سود الحيطان مقلعة السقوف والأبواب ، ثم أصعدني درجا فيها ، ثم أدخلني غرفة ، فإذا في حيطانها أثر النيران ، وإذا في أرضها أثر الرماد ، وإذا أبي عريان واضع رأسه بين ركبتيه ، فقال لي كالمستفهم:

دلف؟! قلت: نعم ، أصلح الله الأمير . فأنشأ يقول:


أبلغن أهلنا ولا تخف عنهم     ما لقينا في البرزخ الخناق
قد سئلنا عن كل ما قد فعلنا     فارحموا وحشتي وما قد ألاقي

أفهمت؟ قلت: نعم ، فأنشأ يقول:


فلو كنا إذا متنا تركنا     لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا     ونسأل بعد ذا عن كل شي

انصرف ، قال: فانتبهت .

أخبرنا [أبو منصور] القزاز قال أخبرنا [أبو بكر] الخطيب أخبرنا [أبو يعلى أحمد بن] عبد الواحد الوكيل ، أخبرنا محمد بن جعفر التميمي ، أخبرنا الصولي قال: تذاكرنا يوما عند المبرد الحظوظ وأرزاق الناس من حيث لا يحتسبون ، فقال: هذا يقع كثيرا ، فمنه قول ابن أبي فنن في أبيات عملها المعنى أراده:


ما لي وما لك قد كلفتني شططا     حمل السلاح وقول الدارعين قف
أمن رجال المنايا خلتني رجلا     أمسي وأصبح مشتاقا إلى التلف
تمشي المنون إلى غيري فأكرهها     فكيف أمشي إليها بارز الكتف
أم هل حسبت سواد الليل شجعني     أو أن قلبي في جنبي أبي دلف

فبلغ هذا الشعر أبا دلف فوجه إليه أربعة آلاف درهم جاءته على غفلة . [ ص: 106 ]

بلغني عن الفضل بن محمد بن أبي محمد اليزيدي وكان من العلماء الأدباء الفضلاء ، قال: كان لرجل حجازي جارية مغنية شاعرة ، وكان مشغوفا بها ، فأملق في بلده ، فسافر بها طلبا للرزق ، فقصد بغداد ، فسمع به جماعة من أهلها فقصدوه للمعاشرة ، فلم يحظ منهم بطائل ، ورآهم يلاحظون الجارية ويولعون بها ، فقطعهم عنه ، فاشتدت فاقته ، فقصد أبا دلف العجلي بالكرج ، فمدحه ولم يك شعره بالطائل بحيث يقتضي كثرة الجائزة ، فاضطر إلى بيع الجارية ، فابتاعها منه أبو دلف بثلاثة آلاف دينار ، وكساه ووصله وحمله ، فانصرف وهو باك حزين ، فوصل إلى بغداد ، وكان يحضر عندي دائما ويشكو شوقه إلى الجارية شكوى تؤلمني ، فانصرف من عندي يوما ، ثم بعث إلي برقعة يقول فيها: إنه وصل إلى منزله فوجد الجارية وقد أهداها له أبو دلف ، فتطلعت نفسي إلى معرفة الحال ، فمضيت إليه فوجدت الجارية جالسة ، وامرأة كهلة وخادما ، فسألتها عن أمرها ، فقالت: إني لما فارقت مولاي عظم استيحاشي وحزني ، حتى امتنعت من الطعام والنوم ، فاستدعاني أبو دلف ، وطيب نفسي بكل وعد جميل ، وسامني الغنى ، فكنت إذا هممت بإجابته خنقتني العبرة ، فلم أستطع الكلام ، وفعل ذلك دفعات ، وأنا على حالي ، فجفاني ، وبقيت في حجرة أفردت لي ، لا أرى إلا خادما [ربما] كان برسم حفظي ، وجارية وكلت بخدمتي ، وكنت قلت أبياتا وعلقتها في رقعة ، أنظر فيها وقت خلوتي ، [وهي:]


لو يعلم القاسم العجلي ما فعلا     لعاد معتذرا أو مطرقا خجلا
ماذا دعاه إلى هجر المروة في     تفريق إلفين كانا في الهوى مثلا
فإن مولاي أصمته الخطوب بما     لو مر بالطفل عاد الطفل مكتهلا
فباعني بيع مضطر وصيره     فرط الندامة بعد البين مختبلا
وبت عادمة للصبر باكية     كأنني مدنف قد شارف الأجلا
[ ص: 107 ] بين الضرائر أدعى بالغريبة إن     هفوت لم ألق لي في الناس محتملا
فما تبدلت إلفا بعد فرقته     ولا تعوض مني غادر بدلا

فاتفق أنه اجتاز بباب الحجرة ، فدخل لينظر هل خف ما أجده ، فجلس يعاتبني ، ويرفق بي ويومئ في كلامه إلى تهديدي ، فوجدني على حالتي الأولى ، ولاحظ الرقعة ، فأخذها فتأملها ، وقال: الآن يئست منك ، وإن رددتك على مولاك؛ فمن يرد المال علي؟ قلت: قانصه يرده عليك أو ما بقي منه ، وهو الأكثر بلا شك ، والله عز وجل يخلف عليك باقيه . فأطرق ساعة ، ثم قال: بل الله عز وجل يخلف علي الأصل ، وقد رددتك على مولاك ، ووهبت لك ما بقي عنده من ثمنك لحسن عهدك ورعايتك حق الصحبة ، وما أفارق موضعي إلا وأنت على الطريق؛ فاستتري مني ، فلست الآن في ملكي . فدخلت بيتا في الحجرة ، فاستدعى كرسيا فجلس [عليه] ، وأحضر هذه العجوز وهي قهرمانة داره ، وهذا الخادم ، وأوصاهما بحفظي حتى يسلماني إلى صاحبي ، وأزاح العلة في جميع ما احتجت إليه من النفقة والكسوة والكراع ، وحمل معي جميع ما كان جعله في داره من الأثاث والفرش ، وما فارق الكرسي إلا وقد خرجنا من بين يديه . فقلت: يا مولاي ، قد حضرني بيتان أسألك أن تأذن لي في إنشادهما . فأذن لي ، فقلت:


لم يخلق الله خلقا صيغ من كرم     إلا أمير الندى المكنى أبا دلف
رثى لمحزونة بالبين مدنفة     فردها طالبا أجرا على دنف

فدمعت عيناه وقال: أحسنت ، وأمر لي بخلعة ومائة دينار ، فحمل ذلك إلي وسرت . قال اليزيدي: فعجبت من ذلك ، وكانت ليلة نوبتي في السمر عند المأمون ، فقلت له: يا أمير المؤمنين ، عندي حديث مستطرف نادر ، فقال: هات يا فضل . [ ص: 108 ]

فأعدت عليه الحديث عن آخره ، فاستحسنه وعجب منه وقال: ما قصرت الجارية في حفظ عهد من رباها ، وما قصر القاسم في فعله ، ونحتاج أن نقوي عزمه في مثل هذا الفعل الجميل الذي هو معدود في مفاخر أيامنا ، فإذا أصبحت فاغد إلى أحمد بن أبي طاهر ، وقل له: احتسب للقاسم العجلي بثلاثة آلاف دينار من معاملاته وأنفذ له درزا يقبض المال لذلك ، واكتب أنت إليه وعرفه انتهاء الحال إلينا وإحمادنا لما اعتمد ليزداد حرصا على انتهاز الفرص في مثل هذه المكرمة ، فبادرت لما أمر به وتنجزت الدرز بالمال وجعلته درج كتابي ، وسلمته إلى صاحب الحرس لينفده على البريد ، فلم تمض [إلا] أيام حتى عاد جوابه يشكرني ، ويقول: أما ثمن الجارية فوصل ، واغتبطت بنعمة أمير المؤمنين في تعويضي إلا أنه مال أخرجته من فضل إحسانه ، وما أحب ارتجاعه ، لكني قبلته طاعة ، وحملت إليك منه ألفا لقضاء حقك ، وتقدمت بتفريق الباقي منه على من بهذه الديار من بني هاشم ، وأعلمتهم أن كتاب أمير المؤمنين ورد بأنه انتهى إليه اختلال أحوالهم ، فأمر بتعهدهم بذلك ، فأكثروا الشكر والدعاء .

قال اليزيدي: فأنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين ، فتهلل وجهه وقال: إنه ليسرني أن يكون ممن اتسع حظه من خير أيامي جماعة منهم القاسم بن عيسى .

1287 - منصور بن عمار بن كثير ، أبو السري الواعظ .

من أهل خراسان . وقيل: من أهل البصرة ، سكن بغداد ، وحدث بها عن ليث بن سعد ، وابن لهيعة وغيرهما ، روى عنه: أبو بكر بن علي بن حزم .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي ، أخبرنا محمد بن [ ص: 109 ] علي الصوري ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الأزدي ، حدثنا عبد الواحد بن محمد بن مسرور ، حدثنا أبو سعيد بن يونس قال: منصور بن عمار ، يكنى أبا السري ، قدم مصر وجلس يقص على الناس ، فسمع كلامه الليث بن سعد ، فاستحسن قصصه وفصاحته ، فذكر أن الليث قال له: ما الذي أقدمك إلى بلدنا؟ قال: طلبت أن أكسب بها ألف دينار فقال [له] الليث: فهي لك علي وصن كلامك هذا الحسن ، ولا تتبذل . فأقام بمصر في جملة الليث بن سعد في جرايته ، إلى أن خرج عن مصر فدفع إليه الليث بن سعد ألف دينار ، ودفع إليه بنو الليث [أيضا] ألف دينار ، فخرج وسكن بغداد [وتوفي بها . وكان في قصصه وكلامه شيئا عجبا لم يقص على الناس مثله .

أخبرنا أبو منصور ، أخبرنا أبو بكر] أخبرنا الأزهري ، أنبأنا ابن بطة ، أخبرنا إبراهيم بن جعفر التستري قال: سمعت أبا الحسن علي بن الحسن الواعظ يقول: سمعت أبا بكر الصيدلاني يقول: سمعت سليم بن منصور بن عمار يقول: رأيت أبي منصورا في المنام فقلت: ما فعل بك ربك؟ فقال: إن الرب قربني وأدناني وقال [لي] : يا شيخ السوء ، تدري لم غفرت لك؟ قال: فقلت: لا يا إلهي ، قال: إنك جلست للناس مجلسا فبكيتهم ، فبكى فيهم عبد من عبادي لم يبك من خشيتي قط . فغفرت له ، ووهبت أهل المجلس كلهم له ، ووهبتك فيمن وهبت له .

أخبرنا محمد بن [أبي] القاسم ، أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول [سمعت أبا العباس القاضي يقول:] سمعت أبا الحسين يقول: رأيت منصور بن عمار في المنام ، فقلت له: ما فعل الله بك؟ قال: وقفت بين يديه فقال لي: أنت الذي كنت تزهد الناس في الدنيا وترغب عنها ، قلت: قد كان ذلك ، ولكن ما اتخذت مجلسا إلا وبدأت بالثناء عليك .

[ ص: 110 ]

و[ثنيت] بالصلاة على نبيك وثلثت بالنصيحة لعبادك . فقال: صدق ، ضعوا له كرسيا في سمائي فمجدني في سمائي بين ملائكتي كما مجدتني في أرضي بين عبادي .

توفي منصور في هذه السنة ببغداد ، وقبره ظاهر بمقبرة باب حرب قريبا من بشر الحافي .

1288 - مخة أخت بشر الحافي .

وكان لبشر ثلاث أخوات: مخة ، ومضغة ، وزبدة ، والمشهور بذكر الورع مخة .

أخبرنا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا [أبو بكر] أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني عبد العزيز بن أحمد الكتاني ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد الله المزني ، قال: سمعت أبا بكر الأحنف يقول: سمعت عبد الله بن أحمد يقول:

جاءت مخة أخت بشر الحافي إلى أبي ، فقالت له: إني امرأة رأس مالي دانقين ، أشتري القطن فأغزله وأبيعه بنصف درهم ، وأتقوت بدانق من الجمعة إلى الجمعة ، فمر ابن طاهر الطائف ومعه مشعل ، فوقف يكلم أصحاب المسالح فاستغنمت ضوء المشعل ، فغزلت طاقات ، ثم غاب عني المشعل فعلمت أن لله في مطالبة ، فخلصني خلصك الله ، فقال لها: تخرجين الدانقين ثم تبقين بلا رأس مال حتى يعوضك الله خيرا منه . قال عبد الله: فقلت لأبي: يا أبه لو قلت لها: لو أخرجت الغزل الذي فيه الطاقات ، فقال: يا بني ، سؤالها لا يحتمل التأويل . ثم قال: من هذه؟ قلت: مخة أخت بشر الحافي فقال: من هاهنا أتيت . [ ص: 111 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية