الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[نفقت الدواب والبقر ]

وفي هذه السنه : نفقت الدواب والبقر .

وفيها : كان الفداء بين المسلمين والروم ، و [كان ] السبب في ذلك : أن تذورة ملكة الروم أم ميخائيل ، كانت قد بعثت تطلب الفداء لمن في أيدي [الروم من ] المسلمين ، وكان المسلمون قد قاربوا عشرين ألفا ، فوجه المتوكل رجلا يقال له :

نصر بن الأزهر ، ليعرف تقدير عدد المأسورين ، فأقام عندهم حينا ، ثم خرج ، فأمرت الملكة بعرض الأسارى على النصرانية ، فمن تنصر منهم كان له أسوة بالنصارى ، ومن أبى قتلته ، فقتلت من الأسارى اثني عشر ألفا ثم أمرت بالفداء ، ففودي من المسلمين سبعمائة وخمسة وسبعون رجلا ، ومن النساء مائة وخمس وعشرون وفيها : أغارت البجه على حرس من أهل مصر ، فوجه المتوكل لحربهم محمد بن عبد الله القمي .

وكان ما بين البجه والمسلمين هدنة ، والبجه جنس من أجناس الحبش [ ص: 285 ] بالمغرب ، وفي بلادهم معادن من الذهب ، كانوا يقاسمون من يعمل فيها ، ويؤدون إلى عمال مصر في كل سنة شيئا من معادنهم ، فامتنعوا من أداء الخراج ، فعلم المتوكل ، فشاور في أمرهم ، فقيل له : إنهم أصحاب إبل والوصول [إليهم و ] إلى بلادهم صعب ، وبينها وبين أرض الإسلام مسيرة شهر ، في أرض مقفرة وجبال وعرة ، لا ماء فيها ولا زرع .

فأمسك المتوكل عنهم ، ثم تفاقم أمرهم ، حتى خاف أهل مصر على أنفسهم منهم ، فولى المتوكل محمد بن عبد الله القمي محاربتهم ، وتقدم إليه أن يكاتب عنبسة بن إسحاق الضبي العامل على حرب مصر ، وكتب إلى عنبسة بإعطائه جميع ما يحتاج إليه من الجند ، فأزاح عنبسة علته في ذلك ، فخرج إلى أرض البجه في عشرين ألفا ، وحمل في البحر سبع مراكب موقرة بالدقيق والسويق والتمر والزيت عشرين ألفا ، وحمل في البحر سبع مراكب موقرة بالدقيق والسويق والتمر والزيت والشعير ، وأمر قوما من أصحابه أن يوافوه بها في ساحل أرض البجة .

فلما صار إلى حضرتهم خرج إليه ملكهم ، فجعل يطاوله الأيام ولا يقاتله .

فلما ظن أن الأزواد قد فنت ، أقبلت المراكب السبعة ، فلما رأى أمير البجه ذلك حاربهم ، واقتتلوا قتالا شديدا ، وكانت الإبل التي يحاربون عليها زعرة تفزع من كل شيء ، فجمع محمد بن عبد الله جميع أجراس الإبل والخيل التي كانت في عسكره ، فجعلها في أعناق الخيل ، ثم حمل عليهم فتفرقت إبلهم لأصوات الأجراس ، واشتد رعبها ، فحملتهم على الجبال والأودية ، ومزقتهم كل ممزق ، واتبعهم القمي قتلا وأسرا ، وذلك في أول سنة إحدى وأربعين ، ثم رجع إلى عسكره ، فوجدهم قد صاروا إلى موضع يأمنون فيه ، فوافاهم بالخيل ، فهرب ملكهم ، فأخذ تاجه ومتاعه ، فطلب ملكهم الأمان على نفسه على أن يرد إلى ملكه ، فأعطاه القمي ذلك ، فأدى إليه [ ص: 286 ] الخراج للمدة التي كان منعها . وانصرف القمي بملكهم إلى المتوكل فكساه .

وفيها : جعل المتوكل كور شمشاط عشرا ، ونفلهم من الخراج إلى العشر .

وفي هذه السنة : وقع بسامراء حريق احترق فيه ألف وثلاثمائة حانوت .

وحج بالناس في هذه السنة جعفر بن دينار وهو والي [طريق ] مكة وأحداث الموسم .

التالي السابق


الخدمات العلمية