الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1353 - إسماعيل بن عيسى العطار .

سمع إسماعيل بن زكريا الخلقاني ، والمسيب بن شريك ، وغيرهما ، وروى عن [ ص: 183 ] أبي حذيفة إسحاق بن بشر كتاب "المبتدأ" و "الفتوح" ، وكان ثقة .

توفي في رمضان هذه السنة .

1354 - الحكم بن موسى بن أبي زهير ، أبو صالح القنطري .

نسائي الأصل ، رأى مالك بن أنس ، وسمع من [إسماعيل ] بن عياش ، وابن المبارك ، روى عنه : أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، وابن أبي الدنيا ، والبغوي قال يحيى : هو ثقة . وقال ابن المديني : الشيخ الصالح .

توفي في شوال هذه السنة .

1355 - عبد الله بن عون الخراز .

سمع مالك بن أنس ، وشريك بن عبد الله ، وإبراهيم بن سعيد وغيرهم ، روى عنه ، خلق كثير منهم البغوي ، وكان ثقة .

قال البغوي : حدثنا عبد الله بن عون قال - وكان من الأبدال .

توفي في هذه السنة .

1356 - عبد الرحمن بن إسحاق بن إبراهيم بن سلمة ، الضبي مولاهم .

كان على رأي أبي حنيفة ، وتقلد القضاء [على الرقة ، ثم ولي القضاء ] بمدينة المنصور وبالشرقية ، كان جماعا للمال ، ثم عزل في صفر سنة ثمان وعشرين ومائتين ، وتوجه إلى مكة من سنة اثنتين وثلاثين ، فمات بفيد في ذي القعدة وبها دفن .

1357 - عيسى بن سالم الشاشي .

قدم بغداد ، وحدث بها عن ابن المبارك ، روى عنه : البغوي ، وكان ثقة . [ ص: 184 ]

وتوفي بطريق حلوان في هذه السنة ، [وكان من المحدثين الفقهاء ] .

1358 - عمر بن محمد بن بكير ، أبو عثمان الناقد .

(8 ب سمع سفيان بن عيينة ، وهشيما ، وروى عنه : البغوي ، وكان من المحدثين الفقهاء الحفاظ ، وقال أحمد بن حنبل : هو يتحرى الصدق .

توفي في ذي الحجة من هذه السنة .

1359 - مغيرة بن عبد الله [بن المغيرة بن عبد الله ] الفزاري .

كان أمير مصر لمروان بن محمد الجعدي ، وكان حسن السيرة .

توفي في رمضان هذه السنة .

1360 - هارون بن عبد الله بن محمد بن كثير ، أبو يحيى الزهري .

قدم مصر واليا على القضاء سنة سبع عشرة ومائتين ، فأقام قاضيا ، ثم خرج إلى العراق ، فتوفي بسامراء في رمضان هذه السنة .

1361 - هارون الواثق بالله ابن المعتصم .

ولي الخلافة سنة سبع وعشرين ومائتين ، وتوفي في هذه السنة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا [ ص: 185 ] أبو حاتم أحمد بن الحسين بن محمد الرازي في كتابه إلينا بخطه ، حدثنا محمد بن عبد الواحد بن محمد المعدل ، أخبرنا محمد بن أحمد بن علي أبو الحسن الحافظ ، حدثنا الحسين بن عبد الله بن يحيى البرمكي ، أخبرنا زرقان بن أبي داود قال : لما احتضر الواثق جعل يردد هذين البيتين :


الموت فيه جميع الخلق مشترك لا سوقة منهم يبقى ولا ملك     ما ضر أهل قليل في تفاقرهم
وليس يغني عن الأملاك ما ملكوا

ثم أمر بالبسط فطويت ، وألصق خده بالأرض ، وجعل يقول : يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه .

أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا أحمد بن علي [بن ثابت ] ، أخبرنا التنوخي قال :

أخبرنا أبي ، حدثني الحسين بن الحسن بن محمد الواثقي قال : حدثني أبي أحمد بن محمد أمير البصرة قال : حدثني أبي قال : كنت أحد من مرض الواثق في علته التي مات فيها ، فكنت قائما بين يدي الواثق أنا وجماعة من الأولياء والموالي والخدم ، إذ لحقته غشية ، فما شككنا أنه قد مات ، فقال بعضنا لبعض : تقدموا فاعرفوا خبره ، فما جسر أحد منا يتقدم ، فتقدمت أنا ، فلما صرت عند رأسه وأردت أن أضع يدي على أنفه أعتبر نفسه ، لحقته إفاقة ، ففتح عينيه ، فكدت أموت فرقا من أن يراني قد مشيت في مجلسه إلى غير رتبتي ، فتراجعت إلى خلف ، وتعلقت قبيعة سيفي بعتبة المجلس ، وعثرت به ، فاتكأت عليه فاندق سيفي وكاد يدخل في لحمي ويجرحني ، فسلمت ثم خرجت ، فاستدعيت سيفا ومنطقة أخرى فلبستهما ، وجئت حتى وقفت في مرتبتي ساعة ، فتلف الواثق تلفا لم يشك جماعتنا فيه [أنه مات ] فتقدمت فشددت [ ص: 186 ] لحييه ، وغمضته ، وسجيته ، ووجهته إلى القبلة ، وجاء الفراشون فأخذوا ما تحته في المجلس ليردوه إلى الخزائن ، لأن جميعه مثبت عليهم ، وترك وحده في البيت ، وقال لي ابن أبي دؤاد القاضي : إنا نريد أن نتشاغل بعقد البيعة ، ولا بد أن يكون أحدنا يحفظ الميت إلى أن يدفن ، فأحب أن تكون أنت ذلك الرجل ، وقد كنت [من ] أخصهم به في حياته ، وذلك أنه اختصني واصطنعني حتى لقبني الواثقي باسمه ، فحزنت عليه حزنا شديدا ، وقلت : دعوني وامضوا ، فرددت باب المجلس وجلست في الصحن عند الباب أحفظه ، وكان المجلس في بستان عظيم أجربة ، وهو بين بساتين ، فأحسست بعد ساعة في البيت بحركة أفزعتني ، فدخلت أنظر ما هي ، وإذا بجرذون من دواب البستان قد جاء حتى استل عين الواثق فأكلها فقلت : لا إله إلا الله ، هذه العين التي فتحها منذ ساعة فاندق سيفي لها هيبة صارت طعمة لدابة ضعيفة ! ! قال :

وجاءوا فغسلوه بعد ساعة ، فسألني ابن أبي دؤاد عن سبب عينه ، فأخبرته . قال :

والجرذون دابة أكبر من اليربوع [قليلا ] .

وقد روي في سبب موته خبر طريف :

أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي قال : أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري ، حدثنا أبو يعقوب الحافظ ، أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسن الرازي ، حدثنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن معاوية الرازي ، حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال : سمعت مسعر بن محمد بن وهب يحدث أبي عن المتوكل قال : كان الواثق يحب النساء وكثرة الجماع ، فوجه يوما إلى ميخائيل الطبيب ، فدعا به ، فدخل عليه وهو نائم في مشرفة له وعليه قطيفة خز ، فوقف بين يديه ، فقال :

يا ميخائيل ، أبغني دواء للباه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، بدنك ، فلا تهده [بالجماع ] ، فإن كثرة الجماع تهد البدن ولا سيما إذا تكلف الرجل ذلك ، فاتق الله في بدنك وأبق [ ص: 187 ] عليك ، فليس لك من بدنك عوض ، فقال له : لا بد منه ، ثم رفع القطيفة عنه ، فإذا بين فخذيه وصيفة [قد ] ضمها إليه ، ذكر من جمالها وهيئتها أمرا عجيبا ، فقال : من يصبر عن مثل هذه ؟ قال : فإن كان ولا بد فعليك بلحم السبع ، وأمر أن يؤخذ لك منه رطل فيغلى سبع غليات بخل خمر عتيق ، فإذا جلست على شرابك أمرت أن يضرب لك منه ثلاثة دراهم فانتقلت به على شرابك في ثلاث ليال ، فإنك تجد فيه بغيتك ، واتق الله في نفسك ولا تسرف فيها ، ولا تجاوز ما أمرتك به . فلهى عنه أياما ، فبينا هو ذات ليلة جالس قال : علي بلحم السبع الساعة ، فأخرج له سبع من الجب وذبح من ساعته ، وأمر فكبب له منه ، ثم أمر فأغلي له منه بالخل ، ثم قدم له منه ، فأخذ يتنقل منه على شرابه ، وأتت عليه الأيام والليالي ، فسقى بطنه ، فجمع له الأطباء ، فأجمع رأيهم على أنه لا دواء له إلا أن يسجر تنور بحطب الزيتون ويسخن حتى يمتلئ جمرا ، فإذا امتلأ كسح ما في جوفه فألقي على ظهره ، وحشي جوفه بالرطبة ، ويقعد فيه ثلاث ساعات من النهار ، فإذا استسقى ماء لم يسق ، فإذا مضت ثلاث ساعات كوامل أخرج وأجلس جلسة مقتضبة على نحو ما أمروا به ، فإذا أصابه الروح وجد لذلك وجعا شديدا ، وطلب أن يرد إلى التنور [فترك على تلك الحال ، ولا يرد إلى تلك التنور ] ، حتى تمضي ساعات من النهار ، فإنه إذا مضت ساعات من النهار جرى ذلك الماء ، وخرج من مخارج البول وإن سقي ماء أو رد إلى التنور كان تلفه فيه ، فأمر بتنور فسجر بحطب الزيتون حتى امتلأ جمرا أخرج ما فيه وجعل على ظهره ، ثم حشي بالرطبة وعري وأجلس فيه ، فأقبل يصيح ويستغيث ويقول : أحرقتموني اسقوني ماء ، وقد وكل به من يمنعه الماء ولا يدعه أن يقوم من موضعه الذي أقعد فيه [ ، ولا يحرك ] فسقط بدنه كله ، وصار فيه مفاجآت مثل أكبر البطيخ وأعظمه ، فترك على حالته حتى مضت له ثلاث [ ص: 188 ] ساعات من النهار ، ثم أخرج وقد كاد يحترق ، أو يقول القائل في رأي العين قد احترق ، فأجلسه الأطباء ، فلما وجد روح الهواء اشتد به الوجع والألم ، وأقبل يصيح ويخور خوران الثور ، ويقول : ردوني إلى التنور ، فإني إن لم أرد مت ، فاجتمع نساؤه وخواصه لما رأوا [ما ] به من شدة الألم والوجع ، وكثرة الصياح ، فرجوا أن يكون فرجه في أن يرد إلى التنور ، [فردوه إلى التنور ] ، فلما وجد مس النار سكن صياحه وتقطرت النفاخات التي كانت خرجت ببدنه وخمدت ، وبرد في [جوف ] التنور فأخرج من التنور وقد احترق وصار أسود كالفحم ، فلم تمض ساعة حتى قضى .

توفي الواثق بسامراء يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة ، [وكانت ] خلافته خمس سنين وسبعة أشهر وخمسة أيام ، وقيل : خمس سنين وشهرين وأحد وعشرين يوما ، وصلى عليه جعفر . [ ص: 189 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية