الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر طرف من أخباره وسيرته

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني [ ص: 28 ] الحسن بن علي الصيمري ، أخبرنا محمد بن عمران بن موسى قال: أخبرني علي بن هارون قال: أخبرني عبيد الله بن أبي طاهر ، عن أبيه قال: ذكر ابن أبي دؤاد المعتصم يوما فأسهب في ذكره ، وأكثر من وصفه ، وأطنب في فضله ، وذكر من سعة أخلاقه وكرم أعراقه ، ولين جانبه ، وكرم جميل عشرته ، قال: وقال لي يوما وقد كنا بعمورية: ما تقول يا أبا عبد الله في البسر؟ فقلت: يا أمير المؤمنين ، نحن ببلاد الروم والبسر بالعراق ، قال: [وقد] وجهت إلى مدينة السلام فجاءوني بكباستين ، وقد علمت أنك تشتهيه ، ثم قال: يا إيتاخ ، هات إحدى الكباستين . فجاء بكباسة بسر ، فمد ذراعه وقبض عليها بيده ، وقال: كل بحياتي عليك من يدي . فقلت: جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين ، بل بعضها ، فآكل كما أريد . قال: لا والله إلا من يدي . فو الله ما زال حاسرا ذراعه ، ومادا يده وأنا أجتني من العذق حتى رمى به خاليا ما فيه بسرة . قال:

وكنت كثيرا ما أزامله في سفره ذلك إلى أن قلت له يوما: يا أمير المؤمنين ، لو زاملك بعض مواليك وبطانتك واسترحت مني إليهم مرة ، ومنهم إلي أخرى ، فإن ذلك أنشط لقلبك ، وأطيب لنفسك وأرشد لراحتك؟ قال: فإن سيما الدمشقي يزاملني اليوم ، فمن يزاملك أنت؟ قلت: الحسن بن يونس . قال: فأنت وذاك . قال: فدعوت بالحسن فزاملني ، وتهيأ أن ركب بغلا ، فاختار أن يكون منفردا ، قال: وجعل يسير بسير بعيري ، فإذا أراد أن يكلمني رفع رأسه ، وإذا أردت أن أكلمه خفضت رأسي ، فانتهينا إلى واد [لم] نعرف غور مائه ، وقد خلفنا العسكر وراءنا ، فقال لرحالي: مكانك حتى [أتقدم] فأعرف غور الماء ، وأطلب قلته ، واتبع أنت مسيري . قال: وتقدم رجل فدخل الوادي ، وجعل يطلب [قلة] الماء وتبعه المعتصم ، فمرة ينحرف عن يمينه [ ص: 29 ] وأخرى عن شماله ، وتارة يمضي لسننه ونتبع أثره حتى قطعنا الوادي .

أخبرنا أبو منصور القزاز [قال: أخبرنا أبو بكر] الخطيب قال: أخبرني الصيمري قال: أخبرنا محمد بن عمران قال: حدثنا علي بن عبد الله قال: أخبرني الحسن بن علي العباسي ، عن علي بن الحسين الإسكافي قال: قال لنا ابن أبي دؤاد:

كان المعتصم يخرج ساعده إلي ، ويقول: يا أبا عبد الله ، عض ساعدي بأكثر قوتك . فأقول: [والله] يا أمير المؤمنين ما تطيب نفسي بذلك . فيقول افعل فإنه لا يضرني . فأروم ذلك ، فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة [فضلا عن الأسنان] وانصرف يوما من دار المأمون إلى داره ، وكان شارع الميدان منتظما بالخيم فيها الجند ، فمر المعتصم بامرأة تبكي وتقول: ابني ابني . وإذا بعض الجند قد أخذ ابنها . فدعاه المعتصم وأمره أن يرد ابنها عليها ، فأبى ، فاستدناه فدنا منه ، فقبض عليه بيده ، فسمع صوت عظامه ، ثم أطلقه من يده فسقط وأمر بإخراج الصبي إلى أمه . . أوقد بلغنا أن امرأة مسلمة ببلاد الروم أسرت في حرب جرت بينهم [وبين المسلمين] ، فجعلت تنادي: وا معتصماه . فلما بلغه ذلك قال على فوره: لبيك لبيك . وتقدم فركب من ساعته وهو يقول: لبيك لبيك . فلحقه الناس حتى دخل أرض الروم ، وأنقذ المرأة ونكأ في الروم .

قال الفضل بن مروان: لم يكن في المعتصم أن يلتذ بتزيين البناء وكان غايته فيه إحكام ، ولم يكن بالنفقة في شيء أسمح منه بالنفقة في الحرب .

التالي السابق


الخدمات العلمية