الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين

فمن الحوادث فيها :

[مرض المتوكل ]


أن المتوكل مرض في هذه السنة ، فأرجف عليه ، فقيل لابن البعيث : إنه قد توفي ، فهرب إلى قلعة له حصينة .

وقيل : بل كان في الحبس ، فأفلت إلى تلك القلعة ، وأتاه من يريد الفتنة ، فاجتمع إليه جماعات كثيرة ، وبعث إليه المتوكل جيشا بعد جيش ، فلم يقدروا عليه ، حتى كتب بالأمان لأصحابه ، فنزل كثير منهم ، وخرج هو مستخفيا ، فأسر وجيء به فحبس .

[إظهار المتوكل السنة ونشر الحديث ]

[وفي هذه السنة : أظهر المتوكل السنة ونشر الحديث ] .

أخبرنا [أبو منصور ] القزاز ، أخبرنا [أبو بكر بن ثابت ] الخطيب قال :

أخبرني الأزهري ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم ، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال : [ ص: 207 ]

سنة أربع وثلاثين ومائتين ، فيها : أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين ، وكان فيهم مصعب الزبيري ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، وعبد الله وعثمان ابنا محمد بن أبي شيبة وكانا من حفاظ الناس ، فقسمت بينهم الجوائز ، وأجريت عليهم الأرزاق ، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس ، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية ، فجلس عثمان بن أبي شيبة في مدينة المنصور ، ووضع له منبر ، فاجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا . وجلس أبو بكر بن أبي شيبة في مجلس الرصافة ، فاجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفا .

أخبرنا [عبد الرحمن بن محمد ] القزاز أخبرنا [أحمد بن علي بن ثابت ] الخطيب قال : قرأت في كتاب عمر بن محمد بن الحسن البصري ، عن [محمد بن يحيى ] الصولي . قال : في سنة أربع وثلاثين ومائتين ، نهى المتوكل عن الكلام في القرآن ، وأشخص الفقهاء والمحدثين إلى سامراء ، منهم : محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، وابنا أبي شيبة ، ومصعب الزبيري ، وأمرهم أن يحدثوا ووصلهم .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد ] ، أخبرنا أحمد بن علي قال : حدثني الحسن بن محمد الخلال ، حدثنا عبد الواحد بن علي قال : قال أبو صالح عبد الرحمن بن سعيد الأصبهاني قال أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل : سمعت محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب يقول : استأذنت المتوكل أن أرجع إلى البصرة ، ولوددت أني لم أكن أستأذنه كنت أكون في جواره . [قلت : وكيف ؟ ] قال : اشهد على [ ص: 208 ] أني جعلت دعائي في المشاهد كلها للمتوكل ، وذلك أن صاحبنا عمر بن عبد العزيز جاء الله به فرد المظالم ، وجاء الله بالمتوكل فرد الدين .

[عزل عبيد الله بن أحمد عن القضاء ]

وفي هذه السنة : عزل عبيد الله بن أحمد عن القضاء وولي الوابصي .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال : أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أخبرنا علي بن المحسن ، أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال : عزل المتوكل عبيد الله بن أحمد بن غالب في سنة أربع وثلاثين واستقضى عبد السلام بن عبد الرحمن بن صخر ، ويعرف بالوابصي ، وذلك أنه من ولد وابصة بن معبد ، وكان قبل ذلك على قضاء الرقة ، وكان أهل بغداد قد ضجوا من أصحاب ابن أبي دؤاد وقالوا : لا يلي علينا إلا من نرضى به ، فكتب المتوكل العهد مطلقا ليس عليه اسم أحد ، وأنفذه من سامراء مع يعقوب قوصرة أحد الحجاب الكبار ، وقال : احضر عبد السلام والشيوخ ، واقرأ العهد ، فإذا رضوا به قاضيا وقع على العهد اسمه ، فقدم ففعل ذلك ، فقال الناس : ما نريد إلا الوابصي ، فوقع على الكتاب اسمه ، وحكم في وقته بالرصافة .

وفي هذه السنة : حج إيتاخ ، وكان هو والي مكة والمدينة والموسم ، ودعي له على المنبر .

وكان إيتاخ طباخا لرجل ، فاشتراه منه المعتصم ، فرفعه ومن بعده الواثق ، حتى ضم إليه أعمالا من أعمال السلطان .

وكان من أراد المعتصم أو الواثق قتله سلمه إلى إيتاخ ، فلما ولي المتوكل [ ص: 209 ] كان في تلك الرتبة ، وإليه الجيش والأتراك والموالي والحجابة ودار الخلافة .

ثم أرسل إليه المتوكل من يشير عليه بالاستئذان في الحج ، ففعل فأذن له ، وصيره أمير كل بلد يدخلها ، فحين خرج صيرت الحجابة إلى وصيف ، وذلك يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة فلما رجع من الحج استصفى ماله وحبس وضرب ومات في الحبس . [وقيل : هذه القصة كانت في سنة ثلاث وثلاثين ] .

[ابتدئ ببناء الجامع بسامراء ]

وفي هذه السنة : ابتدئ ببناء الجامع بسامراء .

[هبوب ريح شديدة وسموم لم يعهد بمثلها ]

وفيها : هبت ريح شديدة وسموم لم يعهد بمثلها ، فاتصل ذلك نيفا وخمسين يوما ، وشمل ذلك البصرة والكوفة وبغداد وواسط وعبادان والأهواز ، وقتلت المارة والقوافل ، ثم مضت إلى همذان ، وركدت عليها عشرين يوما ، فأحرقت الزرع ، ثم مضت إلى الموصل فخرجت عليهم من قرية سنجار ، فأهلكت ما مرت به ، ثم ركدت بالموصل فمنعت الناس من الانتشار وعطلت الأسواق ، وزلزلت هراة ومطرت مطرا شديدا ، حتى سقطت الدور ، وكان ذلك من أول الليل إلى الصباح .

[خلع المتوكل على إسحاق بن إبراهيم ]

وفيها : خلع المتوكل على إسحاق بن إبراهيم وعقد له اللواء ، فسار في موكب عظيم . قال إبراهيم بن عرفة : فزعموا أنه مر في موكبه ، فقال قائل : من هذا ؟ فقالت امرأة هناك : هذا رجل سقط من عين الله فبلغ به ما ترون ! فسئل عنها ، فقالوا : هي أخت بشر بن الحارث ، أو امرأة من أهله .

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود بن عيسى [بن موسى ] . [ ص: 210 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية