الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ذكر خلافة الواثق

اسمه هارون بن المعتصم ، ويكنى أبا جعفر ، ولد بطريق مكة سنة تسعين ومائة ، وأمه أم ولد [رومية] تسمى قراطيس ، وكان أبيض يعلوه صفرة ، وقيل: كان مشربا بحمرة ، جميلا ربعة ، حسن الجسم ، قاتم العين ، فيها نكتة بياض .

بويع الواثق بسامراء يوم توفي المعتصم ، وذلك يوم الأربعاء لثمان ليال خلون من ربيع الأول سنة سبع وعشرين .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن علي ، حدثنا أحمد بن علي المقرئ ، أخبرنا علي بن أبي قيس قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال: بويع هارون بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبوه المعتصم بسامراء ، وهو يومئذ ابن تسع وعشرين سنة ، وورد رسوله بغداد يوم الجمعة على إسحاق بن إبراهيم ، فلم يظهر ذلك ، ودعا للمعتصم على منبري بغداد وهو ميت ، فلما كان من الغد يوم السبت ، أمر إسحاق بن إبراهيم الهاشمي والقواد والناس بحضور دار أمير [ ص: 120 ] المؤمنين فحضروا ، فقرأ كتابه على الناس بنعي أبيه ، وأخذ البيعة ، فبايع الناس .

ذكر طرف من أخباره وسيرته

أنبأنا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني الحسن بن أبي طالب ، حدثني أحمد بن محمد بن عروة حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثني علي بن محمد قال: سمعت خالي أحمد بن حمدون يقول: دخل هارون بن زياد - مؤدب الواثق - على الواثق ، فأكرمه وأظهر من بره ما شهر به ، فقيل له: من هذا يا أمير المؤمنين الذي فعلت به ما فعلت؟ قال: هذا أول من فتق لساني بذكر الله ، وأدناني من رحمة الله عز وجل .

أخبرنا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد [القزاز] قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا أبو منصور بن أبي جعفر الجيلي أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: سمعت الحسين بن فهم يقول: سمعت يحيى بن أكثم يقول: ما أحسن أحد إلى آل أبي طالب من خلفاء بني العباس ، ما أحسن إليهم الواثق ، ما مات وفيهم فقير .

قال محمد بن يحيى: وحدثني عنه عبد الله بن المعتز ، حدثنا عبد الله بن هارون النحوي ، عن محمد بن عطية قال: قال محمد بن المهتدي: كنت أمشي مع [ ص: 121 ] الواثق في صحن داره فقال لي: يا محمد ، ادع [لي] بدواة وقرطاس ، فدعوت له ، فقال: اكتب . فكتبت:


تنح عن القبيح ولا ترده ومن أوليته حسنا فزده     ستكفى من عدوك كل كيد
إذا كاد العدو ولم تكده

ثم قال: اكتب:


هي المقادير تجري في أعنتها     فاصبر فليس لها صبر على حال

ثم فكر طويلا ، فلم يأته شيء [آخر] فقال: حسبك .

أخبرنا [أبو منصور] عبد الرحمن بن محمد قال: [أخبرنا أبو بكر] أحمد بن علي قال: أخبرني علي بن أيوب القمي [أخبرنا أبو عبد الله المرزباني ، أخبرني محمد بن يحيى حدثنا علي بن محمد بن نصر بن بسام ، حدثني خالي أحمد بن حمدون قال:] كان بين الواثق وبين بعض جواريه شيء ، فخرج كسلان ، فلم أزل أنا والفتح [بن خاقان] نحتال لنشاطه ، فرآني أضاحك الفتح بن خاقان ، فقال: قاتل الله العباس بن الأحنف؛ حيث يقول:


عدل من الله أبكاني وأضحككم     فالحمد لله عدل كل ما صنعا
اليوم أبكي على قلبي وأندبه     قلب ألح عليه الحب فانصدعا
[ ص: 122 ] للحب في كل عضو لي على حدة     نوع تفرق عنه الصبر واجتمعا

فقال الفتح: أنت والله يا أمير المؤمنين في وضع التمثل موضعه أشعر منه [وأعلم] وأظرف .

قال المصنف: كان الواثق قد أعاد الامتحان في القرآن ، وحمله ابن أبي دواد على التشدد في ذلك ، وقد قيل إن الواثق تاب من القول بخلق القرآن قبل موته ، والله أعلم .

[أخبرنا أبو منصور ، أخبرنا أبو بكر ، أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح ، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن الحسن ، حدثنا إبراهيم بن الحسن بن محمد بن عرفة ، حدثني حامد بن العباس ، عن رجل ، عن المهتدي ، أن الواثق مات وقد تاب من القول بخلق القرآن] .

وحج بالناس في هذه السنة جعفر بن المعتصم .

التالي السابق


الخدمات العلمية