الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[حبس المعتصم العباس بن المأمون]

وفي هذه السنة: حبس المعتصم العباس بن المأمون ، وأمر بلعنه .

وكان السبب في ذلك: أن العباس دس رجلا يقال له: الحارث السمرقندي ، وكان يأنس إلى القواد ، فدار في العسكر حتى تألف له جماعة منهم ، وبايعه منهم خواص العسكر ، وسمى لكل رجل من القواد رجلا من أصحابه ووكله به ، وقال: إذا أمرنا فليثب كل رجل منكم على من ضمناه أن يقتله ، فضمنوا له ذلك ، فوكل رجلا ممن بايعه من خاصة الأفشين بالأفشين ، ومن خاصة أشناس بأشناس ، ومن خاصة المعتصم بالمعتصم ، فضمنوا ذلك جميعا ، فلما أرادوا أن يدخلوا الدرب وهم يريدون أنقرة وعمورية ، أشار عجيف على العباس أن يثب على المعتصم في الدرب وهو في قلة من الناس ، فيقتله ويرجع إلى بغداد ، فيفرح الناس بانصرافهم من الغزو ، فأبى العباس وقال: لا أفسد هذه الغزاة . حتى دخلوا بلاد الروم وافتتحوا عمورية ، فقال عجيف للعباس: يا نائم ، كم تنام والرجل ممكن ، دس قوما ينتهبون هذا الحرثي ، فإنه إذا بلغه ذلك ركب في سرعة ، فتأمر بقتله هناك ، فأبى العباس ، وقال: انتظر حتى نصير في الدرب . ونمى حديث الحارث السمرقندي ، فحمل إلى المعتصم ، فأقر وأخبر بخبر العباس ومن بايعه ، فأطلقه المعتصم وخلع عليه ، ودعا بالعباس فأطلقه [ ص: 84 ] ومناه ، وأوهمه أنه قد صفح عنه ، فتغدى معه ، ثم دعاه بالليل فاستحلفه أن لا يكتمه شيئا من أمره [فشرح له قصته ، وسمى له جميع من دب في أمره ، ثم دعا الحارث] ، فقص عليه مثل ما قص العباس فصفح عن الحارث ، ودفع العباس إلى الأفشين ، وتتبع المعتصم أولئك القواد ، فأخذوا جميعا ، وكان منهم أحمد بن الخليل ، فأمر به أن يحمل على بغل بإكاف بلا وطاء ، ويطرح في الشمس إذا نزل ، ويطعم كل يوم رغيفا واحدا ، وكان منهم عجيف ، فدفع إلى إيتاخ ، فعلق عليه حديدا كثيرا ، فلما نزل العباس منبج - وكان العباس جائعا - سأل الطعام فقدم إليه ، فأكل فلما طلب الماء منع وأدرج في مسح ، فمات فيه بمنبج ، وكذلك عجيف قدم إليه الطعام ومنع الماء فمات ، وأهلك كل واحد من القوم بسبب ورود المعتصم سامراء [سالما] ، فسمى العباس يومئذ اللعين .

ولما فتح المعتصم عمورية ، قال محمد بن عبد الملك الزيات:


أقام الإمام منار الهدى وأخرس ناقوس عموريه     فقد أصبح الدين مستوسقا
وأضحت زياد الهدى واريه

[حصول جارية محمود الوراق في يد المعتصم بعد موت سيدها]

ومن الحوادث: حصول جارية محمود الوراق في يد المعتصم بعد موت سيدها محمود الوراق .

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد [بن علي] بن ثابت قال: أخبرني الأزهري ، حدثنا محمد بن جعفر النجار ، أخبرنا أبو محمد العتكي ، حدثنا يموت بن المزرع ، عن الجاحظ قال: طلب المعتصم جارية كانت لمحمود الوراق ، وكان نخاسا ، بسبعة آلاف دينار [فامتنع محمود من بيعها ، فلما مات محمود اشتريت للمعتصم من ميراثه بسبعمائة دينار] ، فلما دخلت عليه ، قال [لها] : كيف رأيت تركتك [حتى [ ص: 85 ] اشتريتك] من سبعة آلاف دينار بسبعمائة؟ قالت: أجل ، إذا كان الخليفة ينتظر بشهواته المواريث ، فإن سبعين دينارا كثيرة في ثمني فضلا عن سبعمائة . فأخجلته .

[وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود] .

التالي السابق


الخدمات العلمية