الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

1228 - إبراهيم بن تيم ، أبو إسحاق مولى شرحبيل بن حسنة .

كان كاتبا في ديوان الخراج ، ثم ولي خراج مصر ، توفي في هذه السنة .

1229 - إبراهيم بن الجراح بن صبيح ، مولى بني تميم .

وهو من أهل مروروذ ، سكن الكوفة ، وولي قضاء مصر ، وعزل سنة [إحدى] عشرة ومائتين . وروي عن يحيى بن عقبة بن العيزار أنه كان يقول بخلق القرآن . وتوفي بمصر في هذه السنة .

1230 - الخليل بن أبي نافع المزني الموصلي

نزل بغداد .

[أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال: أخبرنا أبو الفرج محمد بن إدريس الموصلي - في كتابه إلي - قال: حدثنا أبو منصور المظفر بن محمد الطوسي حدثنا] أبو زكريا بن يزيد بن محمد بن إياس الأزدي في الطبقة

[ ص: 6 ]

[الرابعة] من علماء أهل الموصل ، قال: ومنهم الخليل بن [أبي] نافع المزني ، كان من العباد ، وكتب الحديث ، واختار الصمت والعزلة ، وكان قد اتخذ لوحا يكتب فيه كل ما يتكلم به ، ويحصيه في آخر النهار فيجده بضع عشرة كلمة .

وتوفي ببغداد في هذه السنة .

1231 - داود بن مهران ، أبو سليمان الدباغ .

سمع عبد العزيز بن أبي رواد ، وسفيان بن عبد الله . روى عنه عباس الدوري .

وقال يعقوب بن شيبة: كان شيخا صدوقا ثقة . توفي في شوال هذه السنة .

1232 - سريج بن النعمان بن مروان ، أبو الحسن اللؤلؤي .

خراساني الأصل ، بغدادي الدار . سمع حماد بن سلمة ، وفليح بن سليمان . وصالحا المري ، وسفيان بن عيينة . وروى عنه أحمد بن حنبل ، وأبو خيثمة ، والدوري ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم . وكان ثقة ، وكان منزله بعسكر المهدي .

وتوفي في يوم الأضحى من هذه السنة .

1233 - عمرو بن مسعدة بن سعيد بن صول ، أبو الفضل .

كان أحد كتاب المأمون ، وكان له منزلان ببغداد ، أحدهما بحضرة طاق [ ص: 7 ] الحراني - والحراني هو: إبراهيم بن ذكوان - ومنزل آخر فوق الجسر ، وهو المعروف بساباط عمرو بن مسعدة . توفي بأذنة في هذه السنة ، ورفع إلى المأمون أنه خلف ثمانين ألف ألف درهم ، فوقع: "هذا قليل لمن اتصل بنا وطالت خدمته لنا ، فبارك الله لولده فيه" .

ولعمرو بن مسعدة حكايات ظريفة:

أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال: أنبأنا علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه: أن عمرو بن مسعدة قال: كنت مع المأمون عند قدومه من بلاد الروم ، حتى إذا نزل الرقة قال: يا عمرو ، أوما ترى الرخجي قد احتوى على الأهوار ، وجمع الأموال وطمع فيها ، وكتبي تصل إليه في حملها ، وهو يتعلل ويتربص بي الدوائر؟! فقلت: أنا أكفي أمير المؤمنين هذا ، وأنقذ من يضطره إلى حمل ما عليه .

فقال: ما يقنعني هذا . قلت: فيأمر أمير المؤمنين بأمره . قال: تخرج إليه بنفسك حتى تصفده بالحديد وتحمله إلى بغداد ، وتقبض على جميع ما في يديه من أموالنا ، وتنظر في العمل ، وترتب فيه عمالا .

فقلت: السمع والطاعة . فلما كان من الغد ، دخلت إليه فاستعجلني ، فانحدرت في زلال أريد البصرة ، واستكثرت من الثلج لشدة الحر ، فلما صرت بين جرجرايا وجيل سمعت صائحا من الشاطئ يصيح: يا ملاح ، فرفعت سجف الزلال ، فإذا شيخ كبير السن ، حاسر ، حافي القدمين ، خلق القميص .

فقلت للغلام: أجبه ، فأجابه ، فقال: يا غلام ، أنا شيخ كبير السن ، على هذه الصورة التي ترى ، وقد أحرقتني الشمس وكادت تتلفني ، وأريد جيل ، فاحملوني معكم ، فإن الله يأجركم . فشتمه الملاح وانتهره ، فأدركتني عليه رقة ، فقلت للغلام: خذوه معنا . فحملناه ، فتقدمت بدفع قميص ومنديل إليه [فغسل وجهه [ ص: 8 ] واستراح] ، وحضر وقت الغداء . فقلت للغلام: هاته يأكل معنا . فجاء فأكل معنا أكل أديب ، إلا أن الجوع قد بين عليه ، فلما أكل قلت: يا شيخ ، أي شيء صناعتك؟ قال: حائك ، فتناومت عليه ، ومددت رجلي . فقال: وأنت أعزك الله؟ أي شيء صناعتك؟ فأكبرت ذلك وقلت: أنا جنيت على نفسي ، أتراه لا يرى زلالي وغلماني ونعمتي ، وأن مثلي لا يقال له هذا؟! ثم قلت: ليس إلا الزهد بهذا ، فقلت: كاتب . فقال [لي] أصلحك الله ، إن الكتاب خمسة ، فأيهم أنت؟ فسمعت كلمة أكبرتها ، وكنت متكئا فجلست ، ثم قلت: فصل الخمسة .

قال : نعم ، كاتب خراج: يحتاج أن يكون عالما بالشروط ، والطسوق ، والحساب ، والمساحة ، [والبثوق] ، والفتوق ، والرتوق .

وكاتب أحكام: يحتاج أن يكون عالما بالحلال والحرام ، والاختلاف ، والأصول ، والفروع .

وكاتب معونة: يحتاج أن يكون عالما بالقصاص ، والحدود ، والجراحات .

وكاتب جيش: يحتاج أن يكون عالما بحلي الرجال ، وسمات الدواب ، ومداراة الأولياء ، وشيء من العلم بالنسب ، والحساب .

وكاتب رسائل: يحتاج أن يكون عالما بالصدور والفصول ، والإطالة ، والإيجاز ، وحسن الخط ، والبلاغة .

قلت له: فإني كاتب رسائل . فقال: أصلحك الله ، لو أن رجلا من إخوانك تزوجت أمه ، وأردت [أن] تكاتبه مهنئا له ، كيف تكاتبه؟ ففكرت في الحال فلم يخطر ببالي شيء ، فقلت: اعفني . فقال: قد فعلت . فقلت: ما أرى للتهنئة [ ص: 9 ] وجها ، قال: فتكتب إليه تعزية . ففكرت ، فلم يخطر ببالي [أيضا] شيء ، فقلت: اعفني . قال: قد فعلت ، ولكن [لست] بكاتب رسائل . قلت: فأنا كاتب خراج . قال: لو أن أمير المؤمنين ولاك ناحية ، وأمرك فيها بالعدل واستيفاء حق السلطان ، فتظلم بعضهم من مساحتك ، وأحضرتهم للنظر بينهم وبين رعيتك ، فحلف المساح بالله لقد أنصفوا ، وحلفت الرعية بالله لقد ظلموا ، فقالت الرعية: قف معنا على مسحه ، فخرجت لتقف ، فوقفوك على قراح [كذا وكذا - لشيء وصفه - كيف تكتب؟ قلت: لا أدري ، قال: فلست بكاتب خراج] فما زال يذكر في حق كل كاتب حاله ، فلا أعلمها إلى أن قلت: فاشرح أنت . فشرح الكل ، فقلت: يا شيخ ، أليس زعمت أنك حائك؟! فقال: أنا حائك كلام ولست بحائك نساجة ، ثم أنشأ يقول:


ما مر شر ولا نعيم إلا ولي فيهما نصيب     قد ذقت حلوا وذقت مرا
كذاك عيش الفتى ضروب     نوائب الدهر أدبتني
وإنما يوعظ الأديب

فقلت: فما الذي أرى بك من سوء الحال؟ فقال: أنا رجل دامت عطلتي ، فخرجت أطلب البصرة فقطع علي الطريق ، فتركت كما ترى ، [فمشيت على وجهي] فلما رأيت الزلال ، استغثت بك . قلت: فإني قد خرجت إلى تصرف جليل أحتاج فيه إلى جماعة مثلك ، وقد أمرت لك عاجلا بخلعة حسنة وخمسة آلاف درهم تصلح بها من أمرك ، وتنفذ منها إلى عيالك ، وتصير معي إلى عملي فأوليك أجله . قال: أحسن الله جزاءك ، إذا تجدني بحيث ما يسرك ، فانحدر معي فجعلته [ ص: 10 ] المناظر للرخجي والمحاسب له ، فقام بذلك أحسن قيام ، فحسنت حاله معي ، وعادت نعمته .

أنبأنا أبو بكر بن عبد الباقي ، عن أبي القاسم التنوخي ، عن أبيه ، عن أشياخ له: أن عمرو بن مسعدة كان مصعدا من واسط إلى بغداد في حر شديد ، وهو في زلال ، فناداه رجل: يا صاحب الزلال بنعمة الله عليك ألا نظرت إلي فكشفت سجف الزلال؟ فإذا شيخ ضعيف حاسر ، فقال : قد ترى ما أنا فيه ، ولست أجد من يحملني ، فابتغ الأجر في ، وتقدم إلى ملاحيك يطرحوني بين مجاذيفهم إلى أن أبلغ بلدا يطرحوني فيه .

فقال عمرو بن مسعدة: خذوه ، فأخذوه ، وقد كاد يموت من الشمس والمشي ، فقال له: يا شيخ ، ما قضيتك ، وما قصتك؟

قال: قصة طويلة . وبكى ، قال: فسكنته ثم قلت: حدثني .

فقال : أنا رجل كانت لله [عز وجل] علي نعمة ، وكنت صيرفيا ، فابتعت جارية بخمسمائة دينار ، فشغفت بها ، وكنت لا أقدر أفارقها ساعة ، فإذا خرجت إلى الدكان أخذني الهيمان حتى أعود إليها ، فدام ذلك علي حتى تعطل كسبي ، وأنفقت من رأس المال ، حتى لم يبق منه قليل ولا كثير ، وحملت الجارية ، فأقبلت أنقض داري وأبيع الأنقاض ، حتى فرغت من ذلك ، ولم يبق لي حيلة ، فأخذها الطلق ، فقالت: يا هذا ، أموت ، فاحتل لي بما تبتاع به عسلا ودقيقا وسرجا وإلا مت . فبكيت وجزعت ، وخرجت على وجهي ، وجئت لأغرق نفسي في دجلة ، فخفت العقاب ، فخرجت على وجهي إلى النهروان ، وما زلت أمشي من قرية إلى [ ص: 11 ] قرية ، حتى بلغت خراسان ، فصادفت من عرفني وتصرفت في صناعتي ، ورزقني الله مالا عظيما ، وكتبت ستة وستين كتابا لأعرف خبر منزلي فلم يعد لي جواب ، فلم أشك أن الجارية ماتت ، وتراخت السنون ، حتى حصل معي ما قيمته عشرون ألف دينار ، فقلت: قد صارت لي نعمة ، فلو رجعت إلى وطني ، فابتعت بالمال كله متاعا من خراسان ، وأقبلت أريد العراق ، فخرج على القافلة اللصوص فأخذوا ما فيها ونجوت بثيابي ، وعدت فقيرا كما خرجت من بغداد ، فدخلت الأهواز متحيرا ، فكشفت خبري لبعض أهلها ، فأعطاني ما كملت به إلى واسط ، وفقدت نفقتي ، فمشيت إلى هذا الموضع ، وقد كدت أتلف ، فاستغثت بك ، ولي مذ فارقت بغداد ثمان وعشرون سنة .

قال: فعجبت من محبته ، ورققت له ، وقلت: إذا صرنا إلى بغداد فصر إلي ، فإني أتقدم بتصريفك فيما يصلح لمثلك ، فدعى لي ودخلنا [إلى] بغداد ، ومضت مدة فنسيته فيها ، فبينا أنا يوما قد ركبت أريد دار المأمون ، إذا أنا بالشيخ على بابي راكبا بغلا فارها بمركب ثقيل ، وغلام أسود بين يديه ، وثياب رفيعة ، فرحبت به ، فقلت: ما الخبر؟ قال: طويل . قلت: عد إلي . فلما كان من الغد جاءني .

فقلت: عرفني خبرك ، فقد سررت بحسن حالك .

فقال: إني لما صعدت من زلالك قصدت داري ، فوجدت حائطها الذي على الطريق كما خلفته ، غير أن باب الدار مجلو نظيف ، وعليه بواب وبغال مع شاكريه ، فقلت: إنا لله! ماتت جاريتي ، وتملك الدار بعض الجيران ، فباعها على رجل من أصحاب السلطان ، ثم تقدمت إلى بقال كنت أعرفه في المحلة ، فإذا في دكانه غلام حدث ، فقلت: من تكون من فلان البقال؟ قال: ابنه . قلت: ومتى مات أبوك؟ قال: مذ [ ص: 12 ] عشرين سنة . قلت: لمن هذه الدار؟ قال: لابن داية أمير المؤمنين ، وهو الآن جهبذه وصاحب بيت ماله . قلت: بمن يعرف؟ قال: بابن فلان الصيرفي . فأسماني قلت: هذه الدار من باعها عليه؟ قال: هذه دار أبيه . قلت: فهل يعيش أبوه؟ قال: لا . قلت:

أفتعرف من حديثهم شيئا؟ قال: نعم ، حدثني أبي أن هذا الرجل كان صيرفيا جليلا فافتقر ، وأن أم هذا الصبي ضربها الطلق ، فخرج أبوه يطلب لها شيئا ، ففقد وهلك ، قال لي أبي: فجاءني رسول أم هذا تستغيث بي ، فقمت لها بحوائج الولادة ، ودفعت إليها عشرة دراهم فأنفقتها ، حتى قيل: [قد] ولد لأمير المؤمنين [الرشيد] مولود ذكر ، وقد عرض عليه [جميع] الدايات فلم يقبل لثدي أحد منهن ، وقد طلب له الحرائر فجاءوا بغير واحدة ، فما أخذ ثدي واحدة منهن ، وهم في طلب مرضع ، فأرشدت الذي طلب الداية إلى أم هذا ، فحملت إلى دار أم أمير المؤمنين الرشيد ، فحين وضع فم الصبي على ثديها قبله فأرضعته ، وكان الصبي المأمون ، وصارت عندهم في حالة جليلة ، ووصل إليها منهم خير عظيم ، ثم خرج المأمون إلى خراسان ، فخرجت هذه المرأة وابنها هذا معه ، ولم نعرف من أخبارهم شيئا إلا من قريب ، لما عاد المأمون وعادت حاشيته ، رأينا هذا قد جاء رجلا وأنا لم أكن رأيت هذا قط قبل هذا ، فقيل : هذا ابن فلان الصيرفي وابن داية أمير المؤمنين ، فبنى هذه الدار وسواها ، قلت: أفعندك علم من أمه؟ أحية هي أم ميتة؟ قال: حية تمضي إلى دار الخليفة أياما وتكون عند ابنها أياما [وهي الآن ها هنا] . فحمدت الله عز وجل على هذه الحالة ، وجئت فدخلت الدار مع الناس ، فرأيت الصحن في نهاية العمارة والحسن ، وفيه مجلس كبير مفروش [بفرش فاخر] ، وفي صدره شاب وبين يديه كتاب وجهابذة وحساب ، وفي صفاف الدار جهابذة بين أيديهم الأموال والتخوت والشواهين يقضون ويقبضون وبصرت بالفتى فرأيت شبهي فيه ، فعلمت أنه ابني ، فجلست في غمار الناس إلى أن لم [ ص: 13 ] يبق في المجلس غيري ، فأقبل علي فقال: يا شيخ ، هل من حاجة تقولها؟ قلت: نعم ولكنها أمر لا يجوز [أن] يسمعه غيرك . فأوما إلى غلمان كانوا قياما حوله فانصرفوا ، وقال: قل قلت: أنا أبوك . فلما سمع ذلك تغير وجهه ولم يكلمني بحرف ، ووثب مسرعا وتركني في مكاني ، فلم أشعر إلا بخادم قد جاءني فقال لي: قم يا سيدي ، فقمت أمشي معه إلى أن بلغنا إلى ستارة منصوبة في دار لطيفة وكرسي بين يديها والفتى جالس خلف الستارة على كرسي آخر ، فقال: اجلس أيها الشيخ .

فجلست على الكرسي ، ودخل الخادم ، فإذا بحركة خلف الستارة ، فقلت: أظنك تريد تختبر صدق قولي من جهة فلانة . وذكرت اسم جاريتي أمه ، فإذا بالستارة قد هتكت والجارية قد خرجت إلي فجعلت تقبلني وتبكي وتقول: مولاي والله . قال:

فرأيت الصبي قد تسور وبهت وتحير ، فقلت للجارية: ويحك ما خبرك؟ قالت: دع خبري ، ففي مشاهدتك لما تفضل الله به كفاية إلى أن أخبرك ، وقل لي ما كان من خبرك أنت؟ قال: فقصصت عليها خبري من يوم خروجي إلى يوم ذلك ، وقصة ما كان قصه علي ابن البقال وأشرح [كل] ذلك بحضرة من الفتى ومسمع منه ، فلما استوفى الكلام خرج وتركني في مكاني ، فإذا بالخادم ، فقال: تعال يا مولاي يسألك ولدك أن تخرج إليه . قال: فخرجت ، فلما رآني من بعد قام قائما على رجليه ، وقال: المعذرة إلى الله وإليك يا أبت من تقصيري في حقك ، فإنه فاجأني ما لم أكن أظن مثله يكون ، والآن فهذه النعمة لك ، وأنا [ولدك] وأمير المؤمنين يجهد بي منذ دهر طويل أن أدع الجهبذة ، وأتوفر على [ ص: 14 ] خدمته ، فلم أفعل طلبا للتمسك بصناعتي ، والآن فأنا أسأله أن يرد إليك عملي وأخدمه أنا في غيره ، قم عاجلا فأصلح أمرك فأدخلت [إلى] الحمام وتنظفت وجاءني بخلعة فلبستها ، وخرجت إلى حجرة والديه فجلست فيها ، ثم إنه أدخلني على أمير المؤمنين وحدثه حديثي ، فأمر له بخلعة فهي هذه ، ورد إلي العمل الذي كان إلى ابني ، وأجرى لي من الرزق كذا وكذا ، وقلدني أعمالا هي أجل من عمله ، فجئتك أشكرك على ما عاملتني به من الجميل ، وأعرفك تجدد النعمة .

قال عمرو: فلما أسمى لي الفتى عرفته ، وعلمت أنه ابن داية أمير المؤمنين . [ ص: 15 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية