الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 337 ] ثم دخلت سنة تسع وسبعين وثلاثمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه ورد الخبر في المحرم بأن ابن الجراح الطائي خرج على الحاج بين سميراء وفيد ، ونازلهم ، ثم صالحهم على ثلاثمائة ألف درهم وشيء من الثياب المصرية والأمتعة اليمنية ، فأخذه وانصرف .

وفي هذه السنة انتقل السلطان شرف الدولة إلى قصر معز الدولة بباب الشماسية ؛ لأن الأطباء أشاروا عليه ، بذلك وزعموا أن الهواء هناك أصح ، وكان قد ابتدأ به المرض من سنة ثمان وسبعين [ من فساد مزاج ] فشغب الديلم وطلبوا أرزاقهم ، فعاد إلى داره وراسلهم ، وقبض على جماعة اتهموا بالسعي في الفساد .

وفي يوم الاثنين لثمان بقين من جمادى الآخرة: أنفذ الطائع لله الرئيس أبا الحسن علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان كاتبه إلى دار القادر بالله ، وهو أمير ، ليقبض عليه ، فهرب منه ، وكان السبب أنه لما توفي إسحاق بن المقتدر والد القادر جرت بين القادر وبين آمنة أخته بنت معجبة منازعة في ضيعة ، واتفق أن عرض للطائع علة صعبة ، ثم أبل منها ، فسعت آمنة بالقادر إلى الطائع وقالت: إنه شرع في تقلد الخلافة عند مرضك ، وراسل أرباب الدولة ، فظن أن ذلك حق؛ فتغير رأيه فيه ، وأنفذ ابن حاجب النعمان في جماعة للقبض عليه ، وكان يسكن الحريم الطاهري ، فقالوا: أمير المؤمنين [ ص: 338 ] يستدعيك ، فقام ، وقال له أبو الحسن : إلى أين ؟ فقال: ألبس ثيابا تصلح للقاء الخليفة ، فعلق به ومنعه ، فعرف الحرم ما يراد به ، فانتزعوه من يده وبادر إلى سرداب ، فتخلص منهم ، فعادوا إلى الطائع ، وعرفوه الصورة ، وانحدر القادر بالله إلى البطيحة ، فأقام بها عند مهذب الدولة إلى أن قبض بهاء الدولة على الطائع ، وأظهر أمر القادر ،

وفي جمادى الأولى: زاد مرض شرف الدولة ، وتوفي ، وعهد إلى ولده أبي نصر ، فاجتمع العسكر وطالبوه برسم البيعة ، فخوطبوا في أن يقنع كل واحد منهم بخمسمائة [ درهم ] وإلى ستمائة فأبوا ، فخاطبهم أبو نصر وأعلمهم خلو الخزائن ، ووعدهم أن يكسروا الأواني ويعطيهم ، وتردد بين أبي نصر وبين الطائع مراسلات انتهت إلى أن حلف كل [ واحد ] منهما لصاحبه على التصافي وصحة العقيدة ، وكل ذلك في ليلة السبت سادس جمادى الآخرة .

وركب الطائع لله الطيار وسار إلى دار المملكة بالمخرم لتعزية أبي نصر ، والشطان منغصان بالنظارة ، فنزل [ الأمير ] أبو نصر متشحا بكساء طبري ، والديلم والأتراك بين يديه ، وحواليه إلى المشرعة التي قدم إليها الطيار ، وقبل الأرض وقبلها العسكر بتقبيله ، وصعد الرئيس أبو الحسن علي بن عبد العزيز إلى الأمير أبي نصر ، فأدى إليه رسالة الطائع بالتعزية ، فقبل الأرض ثانيا وشكر ودعا ، فعاد أبو الحسن إلى الطائع ، فأعلمه شكره ودعاءه ، وعادوا الصعود إلى أبي نصر لوداعه عن الطائع لله ، فقبل الأرض ثالثا وانحدر الطيار على مثل ما أصعد ، ورجع الأمير أبو نصر إلى داره .

فلما كان يوم السبت عاشر هذا الشهر ركب الأمير أبو نصر إلى حضرة الطائع ، وحضر الأشراف والقضاة وجلس الطائع لله في الرواق الذي في صحن السلم [ ص: 339 ] متقلدا سيفا ، وأدخل السلطان إلى بيت في جانب الرواق مما يلي دجلة ، وخلع عليه فيه الخلع السلطانية ، وخرج وعليه سبع طاقات أعلاها سواد وعلى رأسه عمامة سوداء ، وعلى عنقه طوق كبير ، وفي يده سواران ، ومشى الحجاب بين يديه بالسيوف والمناطق ، فلما حصل بين يدي الطائع لله قبل الأرض ، فأومأ إليه [ الطائع ] بالجلوس ، وطرح له كرسي فقبل الأرض دفعة ثانية ، وجلس وقرأ أبو الحسن علي بن عبد العزيز عهده ، وقدم إلى الطائع لواءاه حتى عقدهما بيده ولقب بهاء الدولة وضياء الملة ، فسار بين يديه العسكر كله إلى باب الشماسية في القباب المنصوبة ، وانحدر في الطيار إلى دار المملكة ، وأقر الوزير أبا منصور ابن صالحان على الوزارة ، وخلع عليه .

وفي هذه السنة: عمر مهذب الدولة علي بن نصر السقايات بواسط ، فغرم عليها ستة آلاف ، وفيها بنى جامع القطيعة ،

أخبرنا عبد الرحمن [ بن محمد ] القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني هلال بن المحسن الكاتب : أن الناس تحدثوا في سنة تسع وسبعين وثلاثمائة بأن امرأة من أهل الجانب الشرقي رأت في منامها النبي صلى الله عليه وسلم [ كأنه ] يخبرها بأنها تموت من غد عصرا ، وأنه يصلي في مسجد بقطيعة أم جعفر من الجانب الغربي في القافلاءين ، ووضع كفه في حائط القبلة ، وأنها ذكرت هذه الرؤية عند انتباهها من نومها ، فقصد الموضع ، ووجد أثر الكف ، وماتت المرأة في ذلك الوقت .

وعمر المسجد ووسعه أبو أحمد الموسوي بعد ذلك ، وبناه ، وعمر واستأذن الطائع لله في أن يجعل مسجدا تصلى فيه الجمعات ، واحتج بأنه من وراء خندق وأنه يقطع بينه وبين البلد ، ويصير به ذلك الصقع بلدا آخر ، فأذن له في ذلك ، وصار جامعا يصلى فيه الجمعات .

التالي السابق


الخدمات العلمية