الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر .

2740 - أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب بن عبد الله ، أبو بكر القطيعي .

ولد في محرم سنة أربع وسبعين ومائتين ، وأبوه يكنى: أبا الفضل ، وحمدان لقب ، وإنما اسمه أحمد ، وكان يسكن قطيعة الدقيق فنسب إليها ، سمع أبو بكر من [ ص: 261 ] إبراهيم بن إسحاق ، وإسحاق بن الحسن الحربيين ، وبشر بن موسى ، والكديمي ، والكجي ، وعبد الله بن أحمد ، وغيرهم ، وكان كثير الحديث ، ثقة ، روى عن عبد الله بن أحمد "المسند" و "الزهد" و "التاريخ" ، و "المسائل" وغير ذلك .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب ، أخبرنا أبو طالب محمد بن الحسين بن بكير قال: سمعت أبا بكر بن مالك القطيعي يقول: كانت والدتي بنت أخي [ أبي ] عبد الله بن الجصاص ، وكان عبد الله بن أحمد يجيئنا فيقرأ علينا ما نريد ، وكان يقعدني في حجره حتى يقال له: يؤلمك ؟ فيقول: إني أحبه .

قال المصنف رحمه الله: لما غرقت القطيعة بالماء الأسود غرق بعض كتبه ، فاستحدث عوضها ، فتكلم فيه بعضهم ، وقال: كتب من كتاب ليس فيه سماعه ، ومثل هذا لا يطعن به عليه؛ لأنه لا يجوز أن تكون تلك الكتب قد قرئت عليه ، وعورض بها أصله .

وقد روى عنه الأئمة كالدارقطني ، وابن شاهين ، والبرقاني ، وأبي نعيم ، والحاكم ، ولم يمتنع أحد من الرواية عنه ، ولا ترك الاحتجاج به .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب قال: لما اجتمعت بأبي عبد الله الحاكم ذكرت ابن مالك ولينته ، فأنكر علي ، وقال: ذلك شيخي ، وحسن حاله .

وقد حكى عن أبي الحسن بن الفرات أنه قال: تغير ابن مالك في آخر عمره ، فكان لا يعرف شيئا مما قرئ عليه ، وتوفي في هذه السنة ، ودفن في مقابر باب حرب قريبا من قبر الإمام أحمد [ بن حنبل ]

[ ص: 262 ] 2741 - تميم بن المعز

قد ذكرنا أن المعز أول من ظهر من المغرب [ على ديار مصر ] وكان له أولاد؛ منهم: تميم [ هذا ] ، وكان في تميم فضل ، ووفاء ، وكرم ، وفصاحة ، وله شعر حسن .

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي ، قال: حدثني أبو محمد علي بن أبي عمر اليزيدي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الواحد الزبيري قال: حدثني أبو علي الحسن بن الأشكري المصري قال: كنت من جلاس الأمير تميم بن المعز ، وممن غلب عليه جدا ، فبعث [ بي ] إلى بغداد ، فاشتريت له جارية رائعة من أفضل ما وجد في الحسن والغناء ، فلما وصلت إليه أقام دعوة لجلسائه وأنا فيهم ، ثم وضعت الستارة وأمرها بالغناء؛ فغنت:


وبدا له من بعد ما اندمل الهوى برق تألق موهنا لمعانه     يبدو كحاشية الرداء ودونه
صعب الذرى متمنع أركانه

وفي غير هذه الرواية زيادة:


فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق     نظرا إليه وصده سجانه
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه     والماء ما سمحت به أجفانه

قال: أحسنت ، وطرب تميم ، وكل من حضر ، ثم غنت .


سيسليك عما فات أول مفضل     أوائله محمودة وأواخره
ثنى الله عطفيه وألف شخصه     على البر مذ شدت عليه مآزره

[ ص: 263 ] فطرب الأمير تميم ، ومن حضر طربا شديدا ، ثم غنت:

أستودع الله في بغداد لي قمرا     بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه

فاشتد طرب تميم ، وأفرط جدا ثم قال لها: تمني ما شئت فلك مناك . فقالت: أتمنى عافية الأمير وبقاءه ، فقال: ووالله لا بد لك أن تتمني . فقالت: على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى ؟ فقال: نعم . فقالت: أتمنى أن أغني هذه النوبة ببغداد ، فاستنقع لون تميم ، وتغير لونه ، وتكدر المجلس ، وقام وقمنا كلنا .

قال ابن الأشكري فلحقني بعض خدمه وقال لي: ارجع ، فالأمير يدعوك . فرجعت فوجدته جالسا ينتظرني ، فسلمت وجلست بين يديه ، فقال: [ ويحك ] أرأيت ما امتحنا به . قلت: نعم أيها الأمير . قال: لا بد من الوفاء لها وما أثق في هذا بغيرك ، فتأهب لتحملها إلى بغداد ، فإذا غنت هناك فاصرفها؛ فقلت: سمعا وطاعة ، قال: ثم قمت وتأهبت ، وأمرها بالتأهب ، وأصحبها جارية له سوداء تعادلها وتخدمها ، وأمر بناقة ومحمل ، فأدخلت فيه ، وحملها معي ، ثم سرت إلى مكة مع القافلة ، فقضينا حجنا ثم دخلنا في قافلة العراق ، وسرنا؛ فلما وردنا القادسية أتتني السوداء عنها ، فقالت: تقول لك سيدتي: أين نحن ؟ فقلت لها: نحن نزول بالقادسية ، فانصرفت إليها فأخبرتها ، فلم أنشب أن سمعت صوتها قد تدافع بالغناء:


لما وردنا القادسية     حيث مجتمع الرفاق
وشممت من أرض الحجاز     نسيم أرواح العراق
أيقنت لي ولمن أحب     بجمع شمل واتفاق
وضحكت من فرح اللقاء     كما بكيت من الفراق

فتصايح الناس من أقطار القافلة: أعيذي بالله ، أعيذي بالله . قال: فما سمع لها كلمة .

[ ص: 264 ] قال: ثم نزلنا بالياسرية ، وبينها وبين بغداد قرب في بساتين متصلة ، ينزلها الناس فيبيتون ليلتهم ، ثم يبكرون لدخول بغداد ؛ فلما كان قريب الصباح إذا بالسوداء قد أتتني مذعورة ، فقلت: ما لك ؟ فقالت: إن سيدتي ليست حاضرة ، فقلت: وأين هي ؟ قالت: والله ما أدري . قال: فلم أحس لها أثرا بعد ، ودخلت بغداد وقضيت حوائجي منها ، وانصرفت إليه ، فأخبرته الخبر ، فعظم ذلك عليه ، واغتم له ، ثم ما زال بعد ذلك ذاكرا لها واجما عليها .

2742 - الحسن بن عبد الله بن المرزبان ، أبو سعيد السيرافي النحوي القاضي .

سكن بغداد ، وولي القضاء بها ، وحدث بها عن جماعة عن عبد الله بن محمد بن زياد ، وأبي بكر بن دريد وغيرهما ، وكان أبوه مجوسيا واسمه بهزاد ، فسماه أبو سعيد عبد الله ،

أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب قال: سمعت رئيس الرؤساء أبا القاسم علي بن الحسن يذكر أن أبا سعيد السيرافي النحوي كان يدرس القرآن ، والقراءات ، وعلوم القرآن ، والنحو ، واللغة ، والفقه ، والفرائض ، والكلام ، والشعر ، والعروض ، والقوافي ، والحساب . ، وذكر علوما سوى هذه ، وكان من أعلم الناس بنحو البصريين ، وينتحل مذهب أهل العراق في الفقه ، وقرأ على أبي بكر بن مجاهد القرآن ، وعلى ابن دريد اللغة ، ودرسا جميعا عليه النحو ، وقرأ على أبي بكر بن السراج ، وعلى أبي بكر المبرمان النحو ، وقرأ أحدهما عليه القرآن ، ودرس الآخر عليه الحساب ، وكان زاهدا لا يأكل إلا من كسب يده - فذكر جدي أبو الفرج عنه أنه كان لا يخرج إلى مجلس [ ص: 265 ] الحكم العزيز ولا إلى مجلس التدريس في كل يوم إلا بعد أن ينسخ عشر ورقات يأخذ أجرتها عشرة دراهم تكون قدر مؤنته ثم يخرج .

وقال ابن أبي الفوارس : كان يذكر عنه الاعتزال ، ولم نره يظهر من ذلك شيئا ، وكان نزها عفيفا ، توفي في رجب هذه السنة ، عن أربع وثمانين سنة ، ودفن في مقبرة الخيزران ،

2743 - عبد الله بن إبراهيم بن يوسف ، أبو القاسم الزنجاني ، ويعرف بالأبندوني

وهي قرية من قرى جرجان ، أحد الرحالين في طلب العلم والحديث إلى البلاد ، وكان رفيق أبي أحمد بن عدي الحافظ ، وسكن بغداد ، وحدث عن أبي يعلى الموصلي ، والحسن بن سفيان ، وابن خزيمة ، وغيرهم ، روى عنه البرقاني وغيره ، وكان ثقة ثبتا مصنفا .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب قال: سمعت البرقاني ذكر الأبندوني ، قال: كان محدثا قد أكل ملحه ، وكان زاهدا ، ولم يكن يحدث غير واحد منفرد ، فقيل له في ذلك ، فقال: أصحاب الحديث فيهم سوء أدب ، فإذا اجتمعوا للسماع تحدثوا ، وأنا لا أصبر على ذلك .

قال البرقاني : ودفع إلي يوما قدحا فيه كسر يابسة ، وأمرني أن أحمله إلى الباقلاوي ليطرح عليه ماء الباقلاء ، ففعلت ذلك ، فلما ألقى الباقلاوي الماء في القدح من الباقلاء ثنتان ، أو ثلاث ، فقال: فبادر الباقلاوي إلى رفعها ، فقلت له: ويحك ، ما مقدار هذا حتى ترفعه من القدح ؟ فقال: هذا الشيخ يعطيني في كل شهر دانقا حتى أبل له الكسر اليابسة ، فكيف أدفع إليه الباقلاء مع الماء ؟ ! وجعل البرقاني يصف أشياء من تقلله وزهده ، وقال: كان سيدا في المحدثين ، توفي الآبندوني في جمادى الأولى ، من هذه السنة .

2744 - عبد الله بن ورقاء أبو أحمد الشيباني

[ ص: 266 ] أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب قال: كان أبو أحمد الشيباني من أهل البيوتات وأسرته كانوا من أهل الثغور ،

أنشدنا القاضي أبو علي قال: أنشدنا الأمير أبو أحمد ابن ورقاء قال: أنشدنا ثعلب قال: أنشدني ابن الأعرابي لأعرابي في صفة النساء:


هي الضلع العوجاء لست تقيمها     ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أيجمعن ضعفا واقتدارا على الفتى     أليس عجيبا ضعفها واقتدارها ؟ !

توفي أبو أحمد في آخر ذي الحجة من هذه السنة ، وقد بلغ تسعين سنة .

2745 - عبد الله بن الحسن بن سليمان ، أبو القاسم المقرئ ، المعروف بابن النحاس .

ولد سنة تسعين ومائتين ، وسمع أحمد بن الحسن الصوفي ، والبغوي ، وابن أبي داود ، روى عنه أبو بكر بن مجاهد ، وأبو الحسن الحمامي ، والبرقاني ، وكان ثقة من أهل القرآن ، والفضل ، والخير ، والعفاف ، والستر ، والعقل الحسن ، والمذهب الجميل . توفي في ذي القعدة من هذه السنة .

2746 - عيسى بن حامد بن بشر بن عيسى ، أبو الحسن القاضي ، ويعرف: بابن بنت القنبيطي .

سمع جعفر الفريابي ، وابن جرير الطبري ، وكان أحد أصحابه ، وكان ثقة جميل الأمر ، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة .

2747 - محمد بن أحمد ابن إبراهيم ، أبو الحسن الشافعي .

سمع محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، توفي في يوم الخميس في جمادى الأولى من هذه السنة .

[ ص: 267 ] 2748 - محمد بن إسحاق بن محمد بن إبراهيم ، أبو الحسين السختياني .

سمع أبا العباس الثقفي وأقرانه ، وكان من العباد المجتهدين ، وكان يحج ويغزو ، ولا يعلم بذلك أهل بلده ، فإذا سئل عن غيبته لم يحدث بذلك ، وتوفي في رجب هذه السنة ، وهو ابن ست وستين سنة .

2749 - محمد بن عيسى [ بن محمد ] بن عبد الرحمن ، أبو أحمد الجلودي .

روى عن إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم "صحيحه" وكان من الزهاد ، كان يورق ويأكل من كسب يده ، وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة وهو ابن ثمانين سنة .

2750 - محمد بن محمد ابن يوسف ، أبو بكر اللحياني المقرئ .

نزل نيسابور ، وادعى دعاوى في القراءات .

أنبأنا زاهر بن طاهر ، أنبأنا أبو عثمان الصابوني ، وأبو بكر البيهقي قالا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله قال: سمعت أبا بكر بن الإمام يقول: قلت لأبي بكر اللحياني : على من قرأت بالعراق : فقال: على أبي بكر بن مجاهد ، فقلت: قرأت عليه قبل أن يخضب ، أو بعد أن خضب ؟ قال: قرأت عليه ، وقد خضب ، قال: قلت: فقرأت عليه قبل أن يأخذ العصا بيده ، أو بعد أن أخذ العصا بيده قال: كان لا يخرج إلا والعصا بيده ، قال: فقلت: يا هذا ، فوالله الذي لا إله إلا هو ما خضب أبو بكر بن مجاهد ولا أخذ العصا بيده قط .

التالي السابق


الخدمات العلمية