الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب: ذكر خلافة المطيع لله

ويسمى الفضل بن المقتدر ، ويكنى أبا القاسم ، وأمه أم ولد يقال لها:

مشغلة أدركت خلافته ، وكان له يوم بويع: ثلاث وثلاثون سنة ، وخمسة أشهر ، وأيام ، ولما بويع أحضر المستكفي فسلم عليه بالخلافة ، وأشهد على نفسه بالخلع ، وصودر خواص المستكفي فأخذ منهم ألوف كثيرة ، ووصل المطيع العباسيين العلويين في يوم بنيف وثلاثين ألف دينار على إضافته ، ووصل خادم من المدينة فذكر ما يلحق حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التفريط ، وقطع مواد الطيب وغيره عنها ، فأمر للخادم بعشرين ألف درهم ، وتقدم بحمل الطيب وضم إليه خمسة من الخدم ليكونوا في خدمة الحجرة ، ونفذ مع أبي أحمد الموسوي قنديلا من ذهب وزنه ستمائة مثقال ، وتسع قناديل من فضة ليعلقها في الكعبة .

أخبرنا ابن ناصر قال: سمعت أبا محمد التميمي يقول: سمعت عمي أبا الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي يقول: سمعت المطيع لله يقول: وقد أحدق به خلق كثير من الحنابلة حزروا ثلاثين ألفا فأراد أن يتقرب إليهم فقال: سمعت شيخي ابن بنت منيع يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا مات أصدقاء الرجل ذل .

وفي يوم الأربعاء لأربع خلون من شعبان: وجدت امرأة هاشمية قد سرقت صبيا فشوته في تنور وهو حي وأكلت بعضه ، وأقرت بذلك ، وذكرت أن شدة الجوع حملها على ذلك ، فحبست ثم أخرجت وضربت عنقها ، ووجدت امرأة أخرى هاشمية [أيضا] قد أخذت صبية فشقتها بنصفين فطبخت النصف سكباجا ، والنصف الآخر بماء وملح ، فدخل الديلم فذبحوها ، ثم وجدت ثالثة قد شوت صبيا وأكلت بعضه فقتلت . [ ص: 47 ]

و [كان قد] بلغ المكوك من الحنطة خمسة وعشرين درهما ، واضطر الناس إلى أكل البزر قطونا ، كان يؤخذ فيضرب بالماء ثم يبسط على الطابق ويشعل تحته ، فإذا حمي أكلوه . وأكلوا الجيف ، وإذا راثت الدواب اجتمع جماعة من الضعفاء على الروث فالتقطوا ما فيه من حب الشعير فأكلوه ، وكانت الموتى مطرحين ، فربما أكلت الكلاب لحومهم ، وخرج الناس إلى البصرة خروجا مسرفا فمات أكثرهم في الطريق ، ومات بعضهم بالبصرة وصار الضعفاء يغني أكثرهم وصار العقار والدور تباع بالرغفان من الخبز ، ويأخذ الدلال بحق دلالته بعض الخبز .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، وعن علي بن المحسن ، عن أبيه قال: حدثني أبو الحسين بن عباس القاضي قال: حدثني أبو عبد الله الموسوي العلوي أنه باع في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة عند اشتداد الغلاء على معز الدولة وهو مقيم بظاهر بغداد من الجانب الغربي كر حنطة بعشرة آلاف درهم . قال: ولم أخرج الغلة حتى تسلمت المال .

وكانت بين أصحاب معز الدولة أبي الحسين وبين أصحاب ناصر الدولة أبي محمد بن حمدان حرب بعكبرا ، فخرج معز الدولة ومعه الخليفة المطيع إلى عكبرا ، وذلك في رابع رمضان ، ثم حضر معز الدولة المطيع ، ووكل به ، فلما كان يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان وافى ناصر الدولة إلى بغداد ، فنزل في الجانب الغربي فعبر أصحاب معز الدولة إليهم ، فعبر ناصر الدولة إلى الجانب الشرقي ، ودخل بغداد ، وجاء معز الدولة فاحتربوا ، فملك الجانب الغربي بأسره إلا أنه ضاق عليهم العيش ، [ ص: 48 ] فاشترى لمعز الدولة كرا بعشرين ألف درهم ، ولحق الناس في السواد من جانبي بغداد ضر عظيم ثم ملك معز الدولة الجانب الشرقي فانهزم ناصر الدولة .

وفي هذه السنة: كثر القمل برستاق القيمرة الكبرى حتى يئس الناس من غلاتهم ، فانحط [من نوع] الطير الصفر يزيد على جرم العصفور ، وكان الطائر يعلق على شجرة فيصفر فيطير الطير حينئذ أفواجا فينحط كل فوج منها على ضيعة ، فيلقط القمل حتى فني .

التالي السابق


الخدمات العلمية