الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

2558 - إسماعيل بن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم ، أبو القاسم المعروف: بابن الجراب .

ولد بسر من رأى في رجب سنة اثنتين وستين ومائتين وسمع من إبراهيم الحربي ، وإسماعيل القاضي ، وغيرهما ، وانتقل إلى مصر فسكنها وحدث بها ، وحصل حديثه عند أهلها ، وتوفي في رمضان هذه السنة ، وكان ثقة .

2559 - [إسحاق بن عبدوس بن عبد الله بن الفضل ، أبو الحسن البزاز .

ولد سنة خمس وستين ومائتين ، وسمع الحارث بن أبي أسامة ، والكديمي ، وكان ثقة ، وتوفي في رمضان هذه السنة . [ ص: 103 ]

2560 - إسحاق بن إبراهيم ، أبو يعقوب النعماني .

حدث عن إسحاق بن الحسن الحربي ، روى عنه ابن رزقويه ، كان زاهدا .

توفي في شعبان هذه السنة .

2561 - إسحاق بن أحمد [الكاذي] .

كان قدم من قرية كاذة إلى بغداد فحدث بها وروى عن عبد الله بن أحمد الكديمي ، وإسحاق بن بشر ، وثعلب ، وروى عنه ابن رزقويه ، وكان ثقة زاهدا .

توفي في قريته .

2562 - عبد العزيز بن عبد الله بن محمد ، أبو الحسن الوراق .

لعله من خراسان ، رحل وكتب ، وكان يفهم بالحديث ، وسكن مصر يحدث عن جماعة من شيوخ مصر ، وكان رجلا صالحا وله عقب بمصر ، توفي في هذه السنة] .

2563 - محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم ، أبو عمر اللغوي الزاهد ، المعروف بغلام ثعلب .

سمع أحمد بن عبيد الله النرسي ، وموسى بن سهل الوشاء ، والكديمي وغيرهم ، وكان غزير العلم ، كثير الزهد روى عنه ابن رزقويه وابن بشران ، وآخر من حدث عنه أبو علي بن شاذان .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، أخبرنا علي بن أبي علي ، عن أبيه قال: ومن [ ص: 104 ] الرواة الذين لم ير قط أحفظ منهم: أبو عمر غلام ثعلب ، أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة لغة فيما بلغني ، وجميع كتبه التي في أيدي الناس إنما أملاها بغير تصنيف ، ولسعة حفظه اتهم بالكذب وكان يسأل عن الشيء الذي يقدر السائل أنه قد وضعه فيجيب عنه ، ثم يسأله غيره عنه بعد سنة على مواطأة فيجيب بذلك الجواب بعينه .

أخبرني بعض أهل بغداد قال: كنا نجتاز على قنطرة الصراة نمضي إليه مع جماعة فتذاكروا كذبه ، فقال بعضهم: أنا أصحف له القنطرة وأسأله عنها ، فلما صرنا بين يديه قال له: أيها الشيخ ، ما القنطرة عند العرب ؟ فقال كذا وذكر شيئا قد أنسيته أنا - قال: فتضاحكنا وأتممنا المجلس وانصرفنا ، فلما كان بعد أشهر ذكرنا الحديث فوضعنا رجلا غير ذلك فسأله فقال ، ما القنطرة فقال: أليس قد سئلت عن هذه المسألة منذ كذا وكذا شهرا فقلت هي كذا؟ قال: فما درينا في أي الأمرين نعجب: في ذكائه إن كان علما فهو اتساع ظريف ، وان كان كذبا عمله في الحال ، ثم قد حفظه ، فلما سئل عنه ذكر الوقت والمسألة فأجاب بذلك الجواب فهو أظرف .

قال أبي: وكان معز الدولة قد قلد شرطة بغداد مملوكا تركيا يعرف بخواجا ، فبلغ أبا عمر الخبر ، وكان يملي الياقوتة [فلما جاءوه] قال : اكتبوا ياقوتة خواجا ، الخواج في اللغة الجوع ، ثم فرع على هذا بابا فأملاه ، فاستعظم الناس ذلك ، وتتبعوه ، فقال أبو علي الحاتمي: أخرجنا في أمالي الحامض عن ثعلب عن ابن الأعرابي الخواج الجوع .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: [ ص: 105 ]

حدثنا رئيس الرؤساء أبو القاسم علي بن المحسن عمن حدثه: أن أبا عمر الزاهد كان يؤدب ولد القاضي أبي عمر ، فأملى يوما على الغلام نحوا من ثلاثين مسألة في اللغة ، وذكر غريبها وختمها ببيتين من الشعر ، وحضر أبو بكر بن دريد ، وابن الأنباري ، وابن مقسم عند أبي عمر القاضي ، فعرض عليهم تلك المسائل ، فما عرفوا منها شيئا ، وأنكروا الشعر ، فقال لهم القاضي: ما تقولون فيها فقال له ابن الأنباري: أنا مشغول بتصنيف "مشكل القرآن" ولست أقول شيئا . وقال ابن مقسم مثل ذلك لاشتغاله بالقراءات ، وقال ابن دريد: هذه المسائل من موضوعات أبي عمر ، ولا أصل لشيء منها في اللغة! وانصرفوا ، وبلغ أبا عمر ذلك فاجتمع مع القاضي وسأله إحضار دواوين جماعة من قدماء الشعراء عينهم له ، ففتح القاضي خزانته وأخرج له تلك الدواوين فلم يزل أبو عمر يعمد إلى كل مسألة ويخرج لها شاهدا من بعض تلك الدواوين ، ويعرضه على القاضي حتى استوفى جميعها ، ثم قال: وهذان البيتان أنشدهما ثعلب بحضرة القاضي ، وكتبهما القاضي بخطه على ظهر كتاب القاضي ، فأحضر القاضي الكتاب فوجد البيتين على ظهره بخطه كما ذكر أبو عمر ، وانتهت القصة إلى ابن دريد ، فلم يذكر أبا عمر بلفظه حتى مات .

أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا أحمد بن علي ، أخبرنا عبد الصمد بن محمد الخطيب أنبأنا الحسن بن الحسين الهمذاني قال: سمعت أبا الحسن بن المرزبان يقول: كان ابن ماسي ينفذ إلى أبي عمر كفايته ينفقها على نفسه ، فقطع عنه ذلك مدة لعذر ، ثم أنفذ إليه ما انقطع جملة ، وكتب إليه رقعة يعتذر من تأخير ذلك عنه ، فرده وأمر من بين يديه أن يكتب على ظهر رقعته: أكرمتنا فملكتنا ، ثم أعرضت عنا فأرحتنا . قال أحمد بن علي: لا شك أن ابن ماسي هو: إبراهيم بن أيوب والله أعلم . [ ص: 106 ]

توفي أبو عمر يوم الأحد ودفن يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من ذي القعدة من هذه السنة ، ودفن في الصفة المقابلة لقبر معروف ، ودفن فيها بعده أبو بكر الآدمي ، وعبد الصمد بن علي الطشتي ، وقبور الثلاثة ظاهرة .

2564 - محمد بن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن يزيد ، أبو بكر الطائي الكوفي الخزاز .

سمع جماعة ، وقدم بغداد فحدث بها فروى عنه ابن رزقويه وغيره ، وكان ثقة ، وتوفي بدمشق في رمضان هذه السنة .

2565 - محمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن علي بن أبي طالب [أبو الحسن] المعروف بأبي قيراط .

كان نقيب الطالبيين ببغداد ، وحدث عن أبيه ، وعن سليمان بن علي الكاتب ، روى عنه محمد بن إسماعيل الوراق ، وتوفي ببغداد في ذي الحجة من هذه السنة .

2566 - محمد بن علي بن أحمد بن رستم ، أبو بكر الماذرائي الكاتب .

ولد بالعراق سنة سبع وخمسين ومائتين ، وقدم مصر هو وأخوه أحمد ، وكانا بمصر مع أبيهما ، وكان أبوهما يلي خراج مصر لأبي الحسن خمارويه بن أحمد ، وكان [ ص: 107 ] محمد قد كتب الحديث ببغداد عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، وطبقته ، واحترقت كتبه وبقي من مسموعه شيء عند بعض الكتاب فسمع منه .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا علي بن المحسن قال: حدثني أبي قال: حدثني أبو محمد الصلحي قال: حدثني أبو بكر محمد بن علي الماذرائي بمصر وكان شيخا جليلا عظيم المال والجاه والمجد ، قديم الولاية لكبار الأعمال ، قد وزر لخمارويه بن أحمد بن طولون ، وعاش نيفا وتسعين سنة . قال: كتبت لخمارويه بن أحمد وأنا حدث فركبتني الأشغال وقطعني ترادف الأعمال عن تصفح أحوال المتعطلين وتفقدهم ، وكان ببابي شيخ من مشيخة الكتاب قد طالت عطلته ، فأغفلت أمره فرأيت أبي في منامي وكأنه يقول لي: ويحك يا بني أما تستحي من الله أن تتشاغل بلذاتك وأعمالك والناس يتلفون ببابك صبرا وهزلا! هذا فلان من شيوخ الكتاب قد أفضى أمره إلى أن تقطع سراويله ، فما يمكنه أن يشتري بدله ، وهو كالميت جوعا وأنت لا تنظر في أمره ، أحب أن لا يغفل أمره أكثر من هذا ، قال: فانتبهت مذعورا واعتقدت الإحسان إلى الشيخ [ونمت] وأصبحت وقد أنسيت أمر الشيخ ، فركبت إلى دار خمارويه وأنا والله أسير إذ تراءى لي الرجل على دويبة ضعيفة ، ثم أومأ إلي الرجل فانكشف فخذه ، فإذا هو لابس خفا بلا سراويل ، فحين وقعت عيني على ذلك ذكرت المنام ، وقامت قيامتي ، فوقفت في موضعي واستدعيته ، وقلت: يا هذا ، ما حل لك أن تركت إذكاري بأمرك أما كان في الدنيا من يوصل لك [ ص: 108 ] رقعة ، أو يخاطبني فيك؟ الآن قد قلدتك الناحية الفلانية ، وأجريت عليك رزقا في كل شهر ، وهو مائتا دينار ، وأطلقت لك من خزانتي ألف دينار صلة ومعونة على الخروج إليها ، وأمرت لك من الثياب بكذا وكذا ، فاقبض ذلك واخرج ، وإن حسن أثرك في تصرفك زدتك وفعلت بك وصنعت قال: وضممت إليه غلاما يتنجز له ذلك كله ، ثم سرت فما انقضى اليوم حتى حسن حاله ، وخرج إلى عمله .

وتوفي محمد بن علي الماذرائي في شوال هذه السنة . [ ص: 109 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية