الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة

فمن الحوادث فيها:


أنه ورد الخبر [في المحرم] بدخول الروم عين زربة في مائة وستين ألف رجل ، فطلب المسلمون الأمان فأمنهم ملك الروم ، فلما دخل البلد نادى في أول الليل بأن يخرج جميع الناس إلى المسجد الجامع ، وأن من تأخر في منزله قتل . فخرج من أمكنه الخروج ، فلما أصبح أنفذ رجاله ، فمن وجدوه في منزله قتلوه فقتلوا خلقا من الرجال والنساء والأطفال ، وأمر بقطع نخل البلد فقطع منه أربعون ألف نخلة ، ونادى فيمن حصل في الجامع أن يخرجوا حيث شاءوا وأن من أمسى فيه قتل ، فخرج الناس مبادرين وتزاحموا في الأبواب ، فمات بالضغط خلق كثير ، ومروا على وجوههم حفاة عراة لا يدرون أين يتوجهون ، فمات أكثرهم في الطرقات ، ثم أخذ الأسلحة والأمتعة ، وأمر بهدم الجامع وكسر المنبر ، وهدم سور البلد ، والمنازل ، وبقي مقيما في بلاد الإسلام واحدا وعشرين يوما ، وفتح حول حصن زربة أربعة وخمسين حصنا ، بعضها بالسيف وبعضها بالأمان ، وقتل خلقا كثيرا من المسلمين ، ثم إن سيف الدولة أعاد بناء عين زربة . [ ص: 140 ]

وفي شهر ربيع الآخر: كتب العامة على مساجد بغداد: لعن معاوية بن أبي سفيان ، ولعن من غصب فاطمة فدكا ومن أخرج العباس من الشورى ، ومن نفى أبا ذر الغفاري ، ومن منع من دفن الحسن عند جده ، ولم يمنع معز الدولة من ذلك ، وبلغه أن العامة قد محوا هذا المكتوب ، فأمر أن يكتب: لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأولين والآخرين ، والتصريح باسم معاوية في اللعن فكتب ذلك .

وفي شوال: ورد الخبر بأن الروم استأسروا أبا فراس بن سعيد بن حمدان من منبج وكان متقلدا لها .

وورد الخبر بأنه وقع في الجامدة في آخر يوم من تشرين الثاني برد في كل بردة رطل ونصف ورطلان .

وورد الخبر بأن الدمستق ورد إلى حلب بغتة ، ولم يعلم سيف الدولة ، فخرج إليه وحاربه فانهزم سيف الدولة ، وظفر بداره وهي خارج حلب ، فوجد فيها ثلاثمائة وتسعين بدرة دراهم ، فأخذها ووجد له ألف وأربعمائة بغل فأخذها ، وأخذ من خزائن السلاح ما لا يحصى ، وأحرق الدار وملك الربض ، فقاتله أهل حلب من وراء السور ، فقتل من الروم خلق كثير بالحجارة والمقاليع ، وسقطت ثلمة من السور على أهل حلب ، فقتلتهم فطمع الروم في تلك الثلمة فأكبوا عليها ، ودفعهم أهل البلد عنها ، فلما جن عليهم الليل اجتمع المسلمون عليها فبنوها ، وفزعوا منها ، وعلوا عليها فكبروا ، ثم إن رجالة الشرط بحلب مضوا إلى منازل الناس وخانات التجار لينهبوها ، فقيل للناس: الحقوا منازلكم ، فإنها قد نهبت ، فنزلوا عن السور وأخلوه ، ومضوا إلى منازلهم ليدفعوا عنها ، فلما رأى الروم السور خاليا تجاسروا على أن يصعدوه ، وأشرفوا على البلد فرأوا الفتنة فيه ، وأن بعضهم ينهب بعضا ، فنزلوا وفتحوا الأبواب ودخلوا ، [ ص: 141 ] وثلموا السور في عدة مواضع ، ووضعوا في الناس السيف ، فقتلوا كل من لقيهم ، ولم يرفعوا السيف حتى ضجروا ، وكان في البلد ألف ومائتا رجل أسارى الروم فتخلصوا ، وكان سيف الدولة قد أخذ من الروم سبعمائة إنسان ليفادى بهم ، فأخذهم الدمستق ، وسبى من البلد من المسلمين بضعة عشر ألف صبي وصبية ، وأخذ من النساء والسبايا ما أراد ومن خزائن سيف الدولة وأمتعة التجار ما لا يحاط بقيمته ، فلما لم يبق معه ما يحمل عليه أحرق الباقي ، وأخرب المساجد ، وعمد إلى جباب الزيت فصب فيها الماء حتى فاض الزيت وشربته الأرض ، وأقام في البلد تسعة أيام ، وكان معه مائتا ألف رجل فيهم ثلاثون ألفا بالجواشن ، وثلاثون ألفا من صناع الهدم ، وأربعة آلاف بغل عليها حسك حديد يطرحه حول العسكر بالليل ، وخركاهات ملبسة لبودا أحمر لدوابه ، فلما هم أن ينصرف ، قال له ابن أخت الملك: قد فتحنا هذا البلد وقد بقيت القلعة ، فقال: بلغنا ما لم نكن نظنه [فدع القلعة] فسكانها غزاة ، قال: لا بد قال: شأنك ، فصعد فوقع عليه حجر فمات ، فلما أتي به الدمستق أحضر من كان معه من أسارى المسلمين ، وكانوا ألفين ومائتين ، فضرب أعناق الجميع .

وفي رمضان: سقط روشن من دار الوزير أبي محمد المهلبي إلى دجلة ، وكان عليه جماعة من وجوه الدولة ، منهم أبو إسحاق محمد بن أحمد القراريطي فانكسرت فخذه ، فحمل وجبرت فصلحت ، وأما ابن حاجب النعمان فإن نخاع ظهره انقطع ، فحمل على سريره ، فأقام عليلا إلى الجمعة الثانية ومات . [ ص: 142 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية