الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

2648 - الحسين بن داود بن علي بن عيسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أبو عبد الله العلوي .

أخبرنا زاهر بن طاهر أبو القاسم الشحامي قال: أنبأنا أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني ، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ، وأبو عثمان سعيد بن محمد ، وأبو بكر محمد بن عبد العزيز قالوا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال: كان الحسين بن داود شيخ آل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصره بخراسان وسنى العلوية في أيامه ، وكان من أكثر الناس صلاة وصدقة ومحبة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صحبته برهة من الدهر ، فما سمعته ذكر عثمان إلا قال: أمير المؤمنين الشهيد رضي الله عنه ، وبكى وما سمعته ذكر عائشة إلا قال: الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله وبكى .

سمع من جعفر بن أحمد الحافظ ، وعبد الله بن محمد بن شيرويه ، وأكثر عن أبي بكر بن خزيمة ، وأبي العباس الثقفي ، [وهو] من أجل بيت للحسنية وأكثرهم اجتهادا بخراسان ، فإن داود بن علي كان المنعم على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصره ، وعلي بن عيسى كان أزهد العلوية في عصره وأكثرهم اجتهادا ، وكان [عيسى] يلقب بالفياض من كثرة عطاياه ، وكان محمد بن القاسم ينادم الرشيد ، ثم بعده المأمون ، وكان القاسم راهب آل محمد صلى الله عليه وسلم في عصره وكان الحسن بن زيد أمير المدينة في عصره وأستاذ مالك بن أنس ، وقد روى عنه في الموطإ . [ ص: 177 ]

توفي الحسين بن داود يوم الاثنين ثاني عشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وثلاثمائة بين الظهر والعصر ، وسمعته في ربيع الآخر سنة خمس وخمسين وثلاثمائة يقول: رأيت رؤيا عجيبة فسألناه عن الرؤيا فقال: رأيت في المنام كأني على شط البحر ، فإذا أنا بزورق كأنه البرق يمر ، فقالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: السلام عليك يا رسول الله ، فقال: وعليك السلام . فما كان بأسرع من أن رأيت زورقا آخر قد أقبل فقالوا: هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . فقلت: السلام عليك يا أبت ، فقال: وعليك السلام فما كان أسرع من أن جاء زورق آخر قد ظهر قالوا: الحسن بن علي ، فقلت:

السلام عليك يا أبت ، فقال: وعليك السلام ، فما كان بأسرع من أن جاز زورق آخر وليس فيه أحد فقلت: لمن هذا الزورق . فقالوا: هذا الزورق لك . فما أتى عليه بعد هذه الرؤيا إلا أقل من شهر حتى توفي .

2649 - عبد الرحمن بن محمد بن متويه ، أبو القاسم الزاهد البلخي .

محدث بلخ في عصره ، سمع من جماعة وقدم بغداد في سنة خمسين وثلاثمائة حاجا فانتخب عليه محمد بن المظفر ، وروى عنه ابن رزقويه والحمامي ، وكان ثقة ، وتوفي في هذه السنة .

2650 - محمد بن الحسين بن علي بن الحسن بن يحيى بن حسان بن الوضاح ، أبو عبد الله الأنباري ، يعرف: بالوضاحي الشاعر .

انتقل إلى خراسان فنزلها ، وسكن نيسابور وكان يذكر أنه سمع الحديث من المحاملي ، وابن مخلد ، وأبي روق ، روى عنه الحاكم [أبو عبد الله النيسابوري] ، شيئا من شعره ، وقال: كان أشعر من في وقته . ومن شعره:


سقى الله باب الكرخ ربعا ومنزلا ومن حله صوب السحاب المجلجل [ ص: 178 ]     فلو أن باكي دمنة الدار باللوى
وجارتها أم الرباب بمأسل     رأى عرصات الكرخ أو حل أرضها
لأمسك عن ذكر الدخول فحومل

توفي [محمد] الوضاحي بنيسابور في رمضان هذه السنة .

2651 - محمد بن أحمد بن هارون بن محمد الريوندي ، المعروف بأبي بكر الشافعي .

أخبرنا زاهر بن طاهر ، أنبأنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا: أخبرنا الحاكم أبو عبد الله قال: سمع أبو بكر الشافعي مع أبي بكر بن إسحاق بن منده من أبي عبد الله محمد بن أيوب وأقرانه [بالري] ثم لم يقتصر على ذلك ، وحدث بالمناكير ، وروى عن قوم لا يعرفون مثل [أبي] العكوك الحجازي وغيره ، فدخلت يوما على أبي محمد عبد الله بن محمد الثقفي فعرض علي حديثا بإسناد مظلم عن الحجاج بن يوسف قال: سمعت سمرة بن جندب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أراد الله به خيرا فقهه في الدين" فقلت: هذا باطل . فقال: حدثنا به أبو بكر الشافعي . فقلت:

هذا موضوع ، وإنما تقرب به إليك لأنك من ولد الحجاج فضحك ، فلما كان بعد أيام دخل المسجد شيخ لا أعرفه فصلى معي ، ثم قال: جئت في شيء أعرضه عليك أتعرفني؟ قلت: لا . قال: أنا أبو بكر الشافعي ، إنما بعث بي أبو محمد الثقفي [إليك] لأعرض حديثي عليك ، فلا أحدث إلا بما ترى . فقلت: دع أولا [أبا]

[ ص: 179 ]

العكوك الحجازي ،
وأحمد بن عمرو الزنجاني ، فعندي أن الله تعالى لم يخلقهما ، ثم اعرض علي أصولك لندبر فيها . فقال: الله الله في فإنهما رأس المال كتبت عن أبي العكوك بمكة ، وعن أحمد بن عمرو ببغداد فقلت: أخرج أصولك عنهما إن كان الغلط مني ، وحدثته أن شيخنا شهد لك بالسماع معه من محمد بن أيوب ، فلو اقتصرت على ذلك كان أولى بك ، ففارقني على هذا فكأنني قلت له زد فيما ابتدأت فإنه زاد عليه . توفي في هذه السنة .

2652 - محمد بن عمر بن سالم بن البراء بن سبرة بن سيار ، أبو بكر قاضي الموصل ، ويعرف بابن الجعابي .

ولد سنة أربع وثمانين ومائتين ، وحدث عن يوسف القاضي وجعفر الفريابي ، وخلق كثير ، وكان أحد الحفاظ المجودين ، صحب أبا العباس بن عقدة وعنه أخذ الحفظ ، وله تصانيف كثيرة في علوم الحديث .

روى عنه الدارقطني ، وابن شاهين ، وابن رزقويه ، وكان أبو علي الحافظ يقول: ما رأيت في البغداديين أحفظ منه ، وقد رأي ابن صاعد ، وأبا بكر النيسابوري ، وغيرهما .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا الخطيب قال: حدثني أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي قال: سمعت محمد بن الحسين بن الفضل القطان يقول: سمعت أبا بكر الجعابي يقول: دخلت الرقة وكان لي ثم قمطر من كتب ، فأنفذت غلامي إلى ذلك الرجل الذي كتبي عنده ، فرجع الغلام مغموما فقال: ضاعت الكتب ، فقلت: يا بني لا تغتم ، فإن فيها مائتا ألف حديث لا يشكل علي منها حديث لا إسنادا ولا متنا .

أنبأنا محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا علي بن أبي علي ، عن أبيه قال: ما شاهدنا أحفظ من أبي بكر الجعابي وسمعت من يقول: إنه يحفظ مائتي ألف حديث ، [ ص: 180 ] ويجيب في مثلها إلا أنه كان يفضل الحفاظ بأنه كان يسوق المتون بألفاظها وأكثر الحفاظ يتسامحون في ذلك ، وكان يزيد عليهم بحفظ المقطوع والمرسل والحكايات ، ولعله يحفظ من هذا قريبا مما يحفظ من الحديث المسند ، وكان إماما في المعرفة بعلل الحديث وثبات الرجال ، ومعتلهم ، وضعفائهم ، وأساميهم ، وأنسابهم ، وكناهم ، ومواليدهم ، وأوقات وفاتهم ، ومذاهبهم ، وما يطعن به على كل أحد وما يوصف به السداد ، وكان في آخر عمره قد انتهي هذا العلم إليه حتى لم يبق في زمانه من يتقدمه فيه في الدنيا .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي الحافظ قال: حدثني علي بن عبد الغالب الضراب قال: سمعت أبا الحسن بن رزقويه يقول ، كان ابن الجعابي يملي فتمتلئ السكة التي يملي فيها ، والطريق ، ويحضره ابن المظفر والدارقطني ، ولم يكن يملي الأحاديث كلها بطرقها إلا من حفظه .

أخبرنا عبد الرحمن [بن محمد] أخبرنا أحمد بن علي قال: حدثني الحسن بن محمد الأشقر قال: سمعت القاضي أبا عمر القاسم بن جعفر الهاشمي يقول: سمعت الجعابي يقول: أحفظ أربعمائة ألف حديث ، وأذاكر بستمائة ألف حديث .

قال المصنف رحمه الله: كان الجعابي يتشيع ، ويسكن باب البصرة ، وسئل عن حديثه الدارقطني فقال: خلط . وقال البرقاني: كان صاحب غرائب ، ومذهبه معروف في التشيع ، وقد حكي عنه قلة دين ، وشرب الخمر ، والله أعلم . [ ص: 181 ]

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثني الأزهري: أن ابن الجعابي لما مات صلي عليه في جامع المنصور ، وحمل إلى مقابر قريش فدفن بها ، وكانت سكينة نائحة الرافضة تنوح مع جنازته ، وكان أوصى أن تحرق كتبه ، فأحرق جميعها ، أحرق معها كتب للناس كانت عنده .

وقال الأزهري: فحدثني أبو الحسين بن البواب قال: كان لي عند ابن الجعابي مائة وخمسون جزءا فذهبت في جملة ما أحرق .

توفي ابن الجعابي في [نصف] رجب من هذه السنة . [ ص: 182 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية