الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

2910 - إبراهيم بن محمد بن الفتح المصيصي ويعرف بالجلي .

ولد بالمصيصة ، وسكن بغداد ، وحدث بها وكان حافظا ، ضريرا ، فروى عنه من [ ص: 375 ] أهلها أبو بكر البرقاني ، والأزهري ، وغيرهما ، وكان ثقة صدوقا ، وتوفي في هذه السنة ودفن بمقبرة الشونيزية ،

2911 - إسماعيل بن عباد ، أبو القاسم ، ويلقب كافي الكفاة الصاحب .

وزر لمؤيد الدولة ، وقصده أبو الفتح ابن ذي الكفايتين ، فأزاله عن الوزارة ، ثم نصر عليه وعاد إلى الوزارة .

أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز ، أنبأنا علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه ، قال: حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سعيد النصيبي قال: كان أبو الفتح ابن الملقب بذي الكفايتين قد تداخله في بعض العشايا سرور ، فاستدعى ندماءه وعبى لهم مجلسا عظيما بآلات الذهب والفضة ، وفاخر الزجاج والصيني ، والآلات الحسنة والطيب ، والفاكهة الكثيرة ، وأحضر المطرب وشرب بقية يومه ، وعامة ليلته ، ثم عمل شعرا أنشده ندماءه وغنى به في الحال وهو:


دعوت المنا ودعوت الطلا فلما أجابا دعوت القدح     وقلت لأيام شرخ الشباب
إلي فهذا أوان الفرح     إذا بلغ المرء آماله
فليس له بعدها مقترح

قال: وكان هذا بعد تدبيره على الصاحب أبي القاسم بن عباد ، حتى أبعده عن كتبه صاحبة الأمير مؤيد الدولة وسيره عن حضرته بالري إلى أصفهان ، وانفرد هو بتدبير الأمور لمؤيد الدولة كما كان لركن الدولة ، فلما كان غنى الشعر [ استطابه ] وشرب عليه إلى أن سكر ، ثم قال لغلمانه: غطوا المجلس ، ولا تسقطوا شيئا منه لاصطبح في هذه الليلة ، وقال لندمائه: باكروني ولا تتأخروا ، فقد اشتهيت الصبوح ، وقام إلى بيت منامه ، وانصرف الندماء .

فدعاه مؤيد الدولة في السحر ، [ فلم يشك أنه لمهم ] فقبض عليه ، وأنفذ إلى داره من أخذ جميع ما فيها ، وتطاولت به النكبة حتى مات فيها ثم عاد ابن عباد إلى وزارة مؤيد الدولة ، ثم وزر لأخيه فخر الدولة ، فبقي في الوزارة ثماني عشرة سنة وشهورا ، وفتح خمسين قلعة ، سلمها إلى فخر الدولة ، لم يجتمع مثلها إلى أبيه ، وكان [ ص: 376 ] الصاحب عالما بفنون من العلوم كثيرة لم يقاربه في ذلك الوزير ، وله التصانيف الحسان ، والنثر البالغ ، وجمع كتبا عظيمة ، حتى كان يحتاج في نقلها على أربعمائة حمل ، وكان يخالط العلماء والأدباء ، ويقول لهم: نحن بالنهار سلطان ، وبالليل إخوان . وسمع الحديث وأملى .

وروى أبو الحسن علي بن محمد الطبري المعروف بكيا قال: سمعت أبا الفضل زيد بن صالح الحنفي يقول: لما عزم الصاحب [ إسماعيل بن عباد ] على الإملاء ، وكان حينئذ في الوزارة ، وخرج يوما متطلسا متحنكا بزي أهل العلم ، فقال: قد علمتم قدمي في العلم ، فأقروا له بذلك ، فقال: وأنا متلبس بهذا الأمر وجميع ما أنفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدي ، ومع هذا فلا أخلو من تبعات: اشهدوا علي وأشهد الله وأشهدكم أني تائب إلى الله تعالى من كل ذنب أذنبته ، واتخذ لنفسه بيتا وسماه بيت التوبة ، ولبث أسبوعا على ذلك .

ثم أخذ خطوط الفقهاء بصحة توبته ، ثم خرج ، فقعد للإملاء ، وحضر الخلق الكثير ، وكان المستملي الواحد ينضاف إليه ستة كل يبلغ صاحبه ، فكتب الناس حتى القاضي عبد الجبار ، وكان الصاحب ينفذ كل سنة إلى بغداد خمسة آلاف دينار تفرق في الفقهاء وأهل الأدب ، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم ، ويبغض من يميل إلى الفلسفة ، وأهدى إليه العميري القاضي [ بقزوين ] كتبا ، وكتب معها .


العميري عبد كافي الكافة     وإن اعتد في وجوه القضاة
خدم المجلس الرفيع بكتب     مفعمات من حسنها مترعات

فوقع تحتها:


قد قبلنا من الجميع كتابا     ورددنا لوقتنا الباقيات
لست أستغنم الكثير فطبعي     قول خذ ليس مذهبي قول هات

فاستدعى يوما شرابا فجيء بقدح ، فلما أراد أن يشرب قال له بعض خواصه: لا تشربه؛ فإنه مسموم ، فقال: وما الشاهد على صحة قولك ؟ قال: أن تجربه على من أعطاك إياه ، قال: لا أستحل ذلك ، قال: فجربه على دجاجة ، قال: إن التمثيل بالحيوان لا يجوز! فرد القدح وأمر بصب ما فيه ، وقال للغلام: لا تدخل داري ، وأمر بإفراد جراية عليه .

ومرض بالأهواز عن سجع عرض له ، فكان إذا قام عن الطست يترك إلى جانبه عشرة دنانير حتى لا يتبرم به الفراشون ، فكانوا يتمنون دوام علته ، فلما برأ أنهب الفقراء ما حوت داره ، فكان [ ص: 377 ] هذا يخرج بدواج ، وهذا بمركب وهذا بتور الشمع ، فأخذ من داره ما يقارب خمسين ألف دينار .

فلما مرض الموت كان أمراء الديلم ووجوه الحواشي معا ودون بابه ويقبلون الأرض وينصرفون ، وجاءه فخر الدولة دفعات ، فلما يئس من نفسه قال لفخر الدولة : قد خدمتك الخدمة التي استفرغت فيها الوسع وسرت في دولتك السيرة التي حصلت لك حسن الذكر بها ، فإن أجريت الأمور بعدي على رسومها علم أن ذلك منك ونسب الجميل فيه إليك ، واستمرت الأحدوثة الطيبة بذلك ونسيت أنا في أثناء ما يثنى به عليك ، وإن غيرت ذلك وعدلت عنه كنت المذكور بما تقدم والمشكور عليه وقدح في دولتك ، وذكرك ما يسع إيقاعك . فأظهر له قبول رأيه .

توفي في مساء الجمعة لست بقين من صفر هذه السنة ، وكان الصاحب أفضل وزراء الدولة الديلمية ، وجميع ملكهم كان مائة وعشرين سنة ، وزر لهم فيها جماعة فيهم معان حسنة ، ولكن لم يكن من يذكر عنه العلم كما يذكر عن الصاحب ،

2912 - الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد بن الحسن بن حامد أبو محمد الأديب .

سمع علي بن محمد بن سعيد الموصلي ، وكان تاجرا ممولا ، نزل عليه المتنبي حين قدم بغداد ، وكان القيم بأموره ، فقال له: لو كنت مادحا تاجرا لمدحتك! روى عنه الصوري وكان صدوقا .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنشدني الجوهري والتنوخي قالا: أنشدنا أبو محمد الحسن بن حامد لنفسه:


سريت المعالي غير منتظر بها     كسادا ولا سوقا تقام لها أخرى
وما أنا من أهل المكاس وكلما     توفرت الأثمان كنت لها أشرى

2913 - داود بن سليمان بن داود بن محمد أبو الحسن البزاز .

سمع الحسين بن إسماعيل المحاملي ، روى عنه التنوخي والعشاري والعتيقي [ ص: 378 ] وقال: كان جارنا في قطيعة الربيع ، وكان شيخا نبيلا ثقة ، توفي في محرم هذه السنة .

2914 - عمر [ بن أحمد ] بن عثمان بن محمد بن أيوب بن أزداذ أبو حفص الواعظ المعروف بابن شاهين .

ولد في صفر سنة سبع وتسعين ومائتين ، وسمع شعيب بن محمد الذارع ، وأبا خبيب البرقي ، ومحمد بن محمد الباغندي ، وأبا بكر بن أبي داود ، وخلقا كثيرا وكان ثقة أمينا يسكن الجانب الشرقي .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، أخبرنا أبو الفتح عبد الكريم ابن محمد المحاملي قال: ذكر لنا ابن شاهين قال: أول ما كتبت الحديث بيدي سنة ثمان وثلاثمائة ، وكان لي إحدى عشرة سنة ، وكذا كتب ثلاثة من شيوخي في هذه السن ، فتبركت بهم: أبو القاسم البغوي ، وأبو محمد بن صاعد ، وأبو بكر بن أبي داود وقال المصنف: وكذلك أنا كتبت الحديث ولي إحدى عشرة سنة ، وسمعت قبل ذلك .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، أخبرنا القاضي أبو الحسين محمد بن علي بن محمد الهاشمي قال: قال لنا أبو حفص بن شاهين : صنفت ثلاثمائة مصنف وثلاثين مصنفا أحدها "التفسير الكبير" ألف جزء "والمسند" ألف وخمسمائة جزء "والتاريخ" مائة وخمسين جزءا [ والزهد ، مائة جزء ] .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر بن إسماعيل الداودي ، قال: سمعت أبا حفص بن شاهين يقول يوما: حسبت ما اشتريت من الحبر إلى هذا الوقت ، فكان سبعمائة درهم . قال الداودي : وكنا نشتري الحبر أربعة أرطال بدرهم . قال: و[ قد ] مكث ابن شاهين بعد ذلك يكتب زمانا ، توفي ابن شاهين الحادي والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة ، ودفن بمقبرة باب حرب ،

2915 - علي بن محمد بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار بن عبد الله أبو الحسن الحافظ الدارقطني .

[ ص: 379 ] ولد سنة ست وثلاثمائة ، وقيل: سنة خمس ، وسمع البغوي وابن أبي داود وابن صاعد ، وخلقا كثيرا وكان فريد عصره ، وإمام وقته . انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بأسماء الرجال ، وعلل الحديث ، وسلم ذلك له ، انفرد بالحفظ أيضا . من تأثير حفظه أنه أملى علل المسند من حفظه على البرقاني ،

أخبرنا أبو منصور القزاز ، أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: كان أبو منصور إبراهيم بن الحسن بن حمكان الصيرفي ، وسمع كثيرا ، وأراد أن يصنف مسندا معللا ، وكان الدارقطني يحضر عنده في كل أسبوع يوما يتعلم على الأحاديث في أصوله وينقلها أبو بكر البرقاني ويملي عليه الدارقطني علل الحديث ، حتى خرج من ذلك شيئا كثيرا ، وتوفي أبو منصور قبل استتمامه ، فنقل البرقاني كلام الدارقطني فهو كتاب "العلل" الذي يرويه الناس عن الدارقطني ،

أخبرنا [ أبو منصور ] القزاز ، أخبرنا أبو بكر بن ثابت ، قال: حدثني الأزهري قال: قال رأيت محمد بن أبي الفوارس وقد سأل الدارقطني عن علة حديث أو اسم فيه ، فأجابه ثم قال: يا أبا الفتح ، ليس بين المشرق والمغرب من يعرف هذا غيري .

أخبرنا أبو منصور القزاز ، ثنا أبو بكر بن ثابت قال: حدثني الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار ، فجعل ينسخ جزءا كان معه وإسماعيل يملي ، فقال له بعض الحاضرين: لا يصح سماعك وأنت تنسخ ، فقال الدارقطني : فهمي للإملاء خلاف فهمك .

ثم قال: تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن ؟ قال: لا ، فقال الدارقطني : أملى ثمانية عشر حديثا ، فعددت الأحاديث فوجدت كما قال ، ثم قال أبو الحسن : الحديث الأول منها كذا عن فلان عن فلان ، ومتنه كذا ، والحديث الثاني عن فلان عن فلان ، ومتنه كذا ، ولم يزل يذكر إسناده الأحاديث ومتونه على ترتيبها في الإملاء ، حتى أتى على آخرها؛ فتعجب الناس منه . قال المصنف رحمه الله: وقد كان الحاكم أبو عبد الله يقول: ما رأى الدارقطني مثل نفسه .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا [ أبو بكر ] بن ثابت ، أخبرنا الصوري قال: سمعت رجاء بن محمد بن عيسى المعدل يقول: سألت الدارقطني فقلت: رأي الشيخ مثل نفسه ؟ فقال لي: قال الله تعالى فلا تزكوا أنفسكم قلت: لم أرد هذا وإنما أردت أن أعلمه لأقول: رأيت [ ص: 380 ] شيخا لم ير مثل نفسه ، فقال: إن كان في فن واحد فقد رأيت من هو أفضل مني ، وأما من اجتمع فيه ما اجتمع في فلا .

قال المصنف رحمه الله: كان الدارقطني قد اجتمع له مع علم الحديث والمعرفة ، بالقراءات ، والنحو ، والفقه والشعر مع الأمانة والعدالة ، وصحة العقيدة .

سمعت أبا الفضل بن ناصر يقول: سمعت ثابت بن بندار يقول: سمعت أبا الحسن العتيقي يقول: قال الدارقطني : كنت أنا والكتاني نسمع الحديث ، فكانوا يقولون: يخرج الكتاني محدث البلد ويخرج الدارقطني مقرئ البلد ، فخرجت أنا محدثا والكتاني مقرئا .

أخبرنا أبو القاسم الحريري عن أبي طالب العشاري قال: توفي الدارقطني آخر نهار يوم الثلاثاء سابع ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة ، ودفن في مقبرة معروف يوم الأربعاء ، وكان مولده لخمس خلون من ذي القعدة سنة ست وثلاثمائة ، وله تسع وسبعون سنة ويومان .

أخبرنا القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي ، حدثنا أبو نصر علي بن هبة الله بن ماكولا ، قال: رأيت في المنام كأني أسأل عن حال أبي الحسن الدارقطني في الآخرة وما آل إليه أمره ، فقيل: ذاك يدعى في الجنة الإمام .

2916 - عباد بن العباس بن عباد [ أبو الحسن الطالقاني والد الصاحب إسماعيل بن عباد . ]

سمع أبا خليفة الفضل بن الحباب وغيره ، وكان صدوقا ، وصنف كتابا في أحكام القرآن ، وروى عنه ابنه أبو القاسم الوزير ، وأبو بكر بن مردويه ، وطالقان التي ينسب إليها ولاية بين قزوين وأبهر ، وهي عدة قرى يقع عليها هذا الاسم ، وثم بلدة من بلاد خراسان ، خرج منها جماعة كثيرة من المحدثين يقال لها طالقان ، توفي عباد في هذه السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية