الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
( قال رحمه الله : ) nindex.php?page=treesubj&link=20286_15141رجل غصب عبدا من رجل ، ثم صالحه صاحبه من قيمته على دراهم مسماة حالة أو إلى أجل فهو جائز بمنزلة ما لو باع العبد منه بثمن حال أو مؤجل جاز سواء قل الثمن أو كثر ، فإن كان العبد مستهلكا فأقام الغاصب البينة أن قيمته أقل مما صالحه عليه بكثير لم تقبل بينته في قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله ، وقال أبو يوسف رحمه الله : تقبل بينته ويرد زيادة القيمة على الغاصب إن كان العبد مستهلكا وقت الصلح ، وإن كان قائما فالصلح ماض .
وأصل المسألة أن nindex.php?page=treesubj&link=20286_15141الصلح عن المغصوب الهالك على أكثر من قيمته يجوز في قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، ولا يجوز في قولهما ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول موضع الخلاف إذا كان العبد آبقا ، فأما إذا كان [ ص: 56 ] مستهلكا حقيقة ، فلا خلاف أن الصلح على أكثر من قيمته من النقود لا يجوز ، حتى إذا تصادقا على أن ما وقع عليه الصلح أكثر من القيمة يجب رده ولكن اختلفا فيه nindex.php?page=showalam&ids=11990فأبو حنيفة رحمه الله يقول : لا أقبل بينة الغاصب على أن قيمته دون ما وقع عليه الصلح ; لأن إقدامه على الصلح إقرار منه أن قيمته هذا المقدار أو أكثر منه فيكون هو مناقضا في دعواه بعد ذلك ويكون ساعيا في نقض ما تم به ، فلا يقبل ذلك منه ، وهما يقولان قد يخفى عليه مقدار القيمة في الابتداء أو يعلم ذلك ، ولا يجد الحجة لغيبة شهوده ، فإذا ظهر له ذلك أو حضر شهوده وجب قبول بينته على ذلك ; لأنه يقصد به إثبات حقه في استرداد الزيادة كالمرأة إذا خالعت زوجها ، ثم أقامت البينة أنه كان طلقها زوجها ثلاثا قبل الخلع ، والأصح عندي أن هذا كله يخلف ، فإن الصلح جائز عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله : على أكثر من قيمة المغصوب ، وإن كان مستهلكا وتصادقا أن ما وقع الصلح عليه أكثر من القيمة وعندهما لا يجوز وحجتهما في ذلك أن الواجب على الغاصب بعد هلاك العين القيمة ، وهي مقدرة من النقود شرعا ، فإذا صالح على أكثر منها من جنس النقود كان ربا كما لو قضى القاضي بالقيمة ، ثم صالحه على أكثر من القيمة . والدليل على أن الواجب هو القيمة وأن ما يقع عليه الصلح بدل عن القيمة أنه لو صالحه على طعام موصوف في الذمة إلى أجل لا يجوز .
ولو nindex.php?page=treesubj&link=20286_15141كان ما يقع عليه الصلح بدلا عن العبد لجاز ; لأن الطعام الموصوف بمقابلة العبد عنه وبمقابلة القيمة يكون مبيعا . وقاسا هذا بشريكين في عبد إذا أعتق أحدهما نصيبه ، وهو موسر فيضمنه الآخر وصالحه على أكثر من نصف القيمة ، فإنه لا يجوز ; لأن الواجب نصف القيمة شرعا ، وكذلك لو nindex.php?page=treesubj&link=20286_15141كان المعتق معسرا فصالح الساكت العبد على أن استسعاه في أكثر من نصف القيمة لم يجز لهذا المعنى ، وإذا nindex.php?page=treesubj&link=20286_15141قضي للشفيع بالشفعة بأكثر من الثمن الذي اشترى به المشتري فرضي الشفيع بذلك لم يجز ; لأن العوض تقدر شرعا بما أعطاه المشتري فلم تجز الزيادة عليه ، nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة رحمه الله طريقان : أحدهما : أن المغصوب بعد الهلاك باق على ملك المغصوب منه ما لم يتضرر حقه في ضمان القيمة بدليل أنه لو اختار ترك التضمين بقي العبد مملوكا على ملكه حتى تكون العين عليه ، وإن كان آبقا فعاد من إباقه كان مملوكا له ، ولو كان اكتسب كسبا كان له أن يأخذ كسبه ، ولو كان نصب سكة فيعقل بها سيده بعد موته كان للمغصوب منه ، وإنما يملك الكسب بملك الأصل ، وهذا لأنه إذا أبرأ الغاصب من إباقه يجعل القول قول الغاصب ولأن الغاصب هو المشتري للعبد بهذا الصلح ، فإذا قال : هو [ ص: 57 ] عندي فقد أقر أنه محل البيع وأنه يصير قابضا له بنفس الشراء فيمكن تصحيح هذا الصلح بينهما شراء .
( ألا ترى ) أن شراء الآبق لا يجوز ، فإن قال المشتري هو عبدي فقد أخذته ، ثم اشتراه جاز فكذلك المغصوب .