الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والسيوف ، وتور ليكمل ، [ ص: 384 ] والشراء من دائم العمل : كالخباز ، وهو بيع [ ص: 385 ] وإن لم يدم فهو سلم :

التالي السابق


( و ) يجوز السلم في نصل ( سيوف ) وسكاكين ، وفي العروض كلها إذا وصفت وضمنت في الذمة وأجلت بأجل معلوم وعجل رأس مالها حقيقة أو حكما .

( و ) يجوز شراء ( تور ) بفتح المثناة فوق وسكون الواو آخره راء أي إناء مفتوح يشبه الطشت من نحو نحاس شرع فيه العامل ( ليكمل ) بضم التحتية وفتح الكاف والميم مثقلا . وأما ذكر البقر فبالمثلثة وليس هذا سلما لأنه بيع معين فيشترط فيه شروعه الآن أو لأيام قليلة لئلا يلزم بيع معين يتأخر قبضه ويضمنه مشتريه بالعقد ، وإنما يضمنه بائعه ضمان الصانع . طفي في إطلاق السلم عليه تجوز ، وإنما هو بيع معين ، فلذا اشترط فيه الشروع حين العقد أو ما قرب منه كخمسة عشر يوما ، ويدخل في ضمان مشتريه بالعقد ويضمنه بائعه ضمان الصناع ، وقد عبر عنه في الرواية بالشراء ، فالمناسب أن يقال وجاز شراء تور ليكمل .

البناني جعله الشراح تبعا لابن الحاجب وضيح من اجتماع البيع والإجارة وهو مغاير لأسلوب المصنف ، فيصح كونه من السلم ، لكن على مذهب أشهب المجوز تعيين المصنوع [ ص: 384 ] منه والصانع في السلم ، وعين هنا المصنوع منه لتعين الجزء المصنوع ، وهذه منعها ابن القاسم على أنهم اختلفوا هل ما بين ابن القاسم وأشهب خلاف أو وفاق ، وإذا أمعنت النظر وجدتها لم تتمحض لسلم ولا لبيع وإجارة ، ولكن أقرب ما يتمشى عليه قول أشهب والله أعلم قاله بعض شيوخنا ، والذي في أبي الحسن أن التور هو المسمى بالقمقم ، وقال عياض هو البرقال قال أي الإبريق .

( و ) يجوز ( الشراء ) لجملة مضبوطة كقنطار تؤخذ في أيام كل يوم قدرا معلوما حتى تنتهي ( من ) عامل ( دائم العمل ) حقيقة بأن لا يفتر عنه غالبا أو حكما بأن كان من أهل حرفة الشيء المشترى لتيسره عنده فيشبه المعقود عليه المعين ، والعقد في هذه لازم لهما فليس لأحدهما فسخه ، وجوز العقد معه على أن يأخذ منه كل يوم قدرا معينا بثمن معين من غير بيان مقدار الجملة وعقد هذه الصورة لا يلزمها ، فلكل منهما فسخه .

ومثل لدائم العمل فقال ( كالخباز ) والجزار والطباخ ( وهو ) أي الشراء من دائم العمل ( بيع ) فلا يشترط فيه تعجيل الثمن ولا تأجيل المثمن لقول سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم كنا نبتاع اللحم من الجزارين بالمدينة المنورة بأنوار النبي صلى الله عليه وسلم بسعر معلوم كل يوم رطلين أو ثلاثة بشرط دفع الثمن من العطاء مالك " رضي الله عنه " لا أرى به بأسا إذا كان وقت العطاء معروفا ، أي ومأمونا . الحط هذه المسألة تسمى بيعة أهلالمدينة لاشتهارها بينهم وهي في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدينة في أوائل السلم . قال في كتاب التجارة وقد كان الناس يتبايعون اللحم بسعر معلوم يؤخذ كل يوم شيء معلوم ويشرع في الأخذ ويتأخر الثمن إلى العطاء ، وكذلك كل ما يباع في الأسواق ويكون لأيام معلومة يسمى ما يأخذ كل يوم وكان العطاء يومئذ مأمونا ولم يروه دينا بدين واستخفوه وذكروا أنه يجوز تأخير الشروع في الأخذ عشرة أيام ونحوها .

ابن القاسم حدثنا مالك " رضي الله عنه " عن عبد الرحمن المجمر عن سالم بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما كنا نبتاع اللحم من الجزارين بسعر معلوم نأخذ كل يوم رطلا أو رطلين أو [ ص: 385 ] ثلاثة ، ونشترط عليهم أن ندفع من العطاء وأنا أرى ذلك حسنا . مالك " رضي الله عنه " لا أرى به بأسا إذا كان العطاء مأمونا وأجل الثمن إلى أجل معلوم . ابن رشد قوله كنا إلخ يدل على أنه معلوم عندهم مشهور ، ولاشتهار ذلك من فعلهم سميت بيعة أهل المدينة ، وأجازها مالك وأصحابه رضي الله تعالى عنهم اتباعا لما جرى به العمل بها بشرطين الشروع في أخذ المسلم فيه ، وكون أصله عند المسلم إليه ، فليس سلما محضا ، ولذا جاز تأخير رأس المال إليه ولا شراء شيء بعينه حقيقة ، ولذا جاز أن يتأخر قبض جميعه إذا أشرع في قبض أوله .

وقد روي عن مالك " رضي الله عنه " أنه منعه ورآه دينا بدين ، وقال تأويل حديث المجمر أن يجب عليه ثمن ما يأخذ كل يوم إلى العطاء وهو تأويل سائغ فيه ، لأنه إنما سمى فيه السوم وما يأخذ كل يوم ولم يذكر عدد الأرطال التي اشترى منه ، فلم ينعقد بينهما بيع على عدد مسمى من الأرطال ، فكلما أخذ شيئا وجب عليه ثمنه إلى العطاء ولا يلزم واحدا منهما التمادي على ذلك إذا لم يعقدا بيعهما على عدد معلوم مسمى من الأرطال ، فكلما أخذ شيئا وجب عليه ثمنه إلى العطاء وإجازة ذلك مع تسمية الأرطال التي يأخذها في كل يوم رطلين أو ثلاثة بالشرطين المذكورين هو المشهور في المذهب ، وهو قوله في هذه الرواية وأنا أراه حسنا معناه وأنا أجيز ذلك استحسانا اتباعا لعمل أهل المدينة وإن خالفه القياس ا هـ .

( وإن لم يدم ) عمله حقيقة ولا حكما بأن كان يعمل مرة ويترك أخرى وليس حرفته واشترى منه بهذه الحالة ( فهو ) أي العقد ( سلم ) حقيقي لا بيع فيشترط فيه شروط السلم التي منها بقاء المسلم فيه إلى خمسة عشر يوما أو أكثر ، وتعجيل رأس المال ، فإن تعذر شيء من المسلم فيه تعلق بذمة المسلم إليه .




الخدمات العلمية