الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 390 ] ومصنوع قدم لا يعود هين الصنعة : كالغزل ، بخلاف النسج إلا ثياب الخز . وإن قدم أصله : اعتبر الأجل ، [ ص: 391 ] وإن عاد ، اعتبر فيهما والمصنوعان يعودان ينظر للمنفعة .

التالي السابق


( و ) لا يجوز سلم شيء ( مصنوع قدم ) بضم القاف وكسر الدال مشددة ، أي جعل رأس مال سلم لأصله المصنوع هو منه حال كونه ( لا يعود ) وأولى إن كان يعود المصنوع غير مصنوع حال كونه ( هين ) بفتح الهاء وكسر الياء مشددة ، أي سهل ( الصنعة ) ومثل له بقوله ( كالغزل ) من كتان يسلم في كتان لأن صنعته لم تخرجه عن أصله على المشهور عند المازري وابن الحاجب ، وبين مفهوم هين الصنعة بقوله ( بخلاف النسج ) أي المنسوج فيجوز سلمه في أصله لإخراجه صنعته عن أصله لصعوبتها ، فيجوز سلم ثوب من كتان في غزل كتان أو شعره أو من صوف في غزل صوف أو شعره أو من قطن في غزل قطن أو شعره لبعده من أصله بصنعته ( إلا ثياب الخز ) أي الحرير فلا يجوز سلمها فيه . أبو محمد لأنها تنفش وتصير خزا . سند هذا بعيد إذ يبعد في المنسوج أن يقصد التعامل على نقض نسجه .

( وإن قدم ) بضم القاف وكسر الدال مثقلا أي جعل ( أصله ) أي الممنوع غير هين الصنعة كالمنسوج والمصوغ رأس مال للمصنوع كسلم كتان في ثوب أو نحاس في تور ( اعتبر ) بضم الفوقية وكسر الموحدة أي لوحظ ( الأجل ) المضروب بينهما للمسلم فيه ، فإن كان يسع صنعة الأصل المقدم منع للمزابنة لأنه إجارة بما يفضل من الأصل إن فضل منه شيء ، وإلا ذهب عمله باطلا ، وإن كان لا يسع ذلك جاز لانتفاء المانع . وأما أصل هين الصنعة فيمنع سلمه في مصنوعه مطلقا بالأولى من منع سلم مصنوعه في أصله المتقدم لأنه يبعد قصد نقض المصنوع في سلمها الثالث لا خير في شعير نقد في قصيل لأجل إلا لأجل لا يصير الشعير فيه قصيلا . [ ص: 391 ] وذكر مفهوم لا يعود فقال ( وإن عاد ) المصنوع غير هين الصنعة أي أمكن عوده لأصله ( اعتبر ) بضم الفوقية وكسر الموحدة أي لوحظ الأجل ( فيهما ) أي سلم المصنوع في أصله وسلم أصله فيه ، فإن وسع الأجل جعل المصنوع من أصله أو جعل أصله منه امتنع السلم وإلا جاز كسلم آلة من نحاس أو رصاص في نحاس أو رصاص أو عكسه .

( تنبيهات ) : الأول : ابن هارون اعتبار الأجل حسن إذا قدم الأصل ، وأما عكسه فمذهب المدونة المنع ، وأجازه يحيى بن عمر والبرقي واستظهره ابن عبد السلام والمصنف قائلا وأما إذا قدم المصنوع في غيره فلا معنى لاشتراط الأجل فيه إذ يبعد أن يفسد المصنوع ويزيد من عنده ثم يدفعه للمسلم إلا أن يحمل على صورة نادرة بأن يكون المصنوع قليل الثمن لقدمه أو لغيره ، فإذا زالت صنعته ظهرت له صورة وفيه بعد ا هـ .

الثاني : المعتمد أن هين الصنعة سواء كان يعود لأصله أم لا لا يسلم في أصله ولا يسلم أصله فيه ، فهذه أربعة ، وأن غير هين الصنعة إن لم يعد أسلم في أصله وأسلم أصله فيه إن ضاق الأجل عن صنعته ، وإن عاد اعتبر الأجل في سلم أصله فيه : وعكسه فهذه أربعة أيضا .

الثالث : طفي قوله وإن عاد ليس مفهوم ولا يعود لأنه في غير هين الصنعة ، وأما هو فالمنع فيه إن عاد أولى ولا ينظر إلى الأجل فيه لأن هينها مع أصله شيء واحد . ابن بشير فإن هانت الصنعة كغزل الكتان فقد جعلوه كغير المصنوع ، وجعلوا الصنعة لهوانها كالعدم . ابن أبي زمنين المغزول وغير المغزول عند أصحاب مالك رضي الله تعالى عنه وعنهم صنف واحد إلا أن يقال مفهوم لا يعود ولا بقيد هين الصنعة .

( و ) الشيئان ( المصنوعان ) من جنس واحد كنحاس أو كتان يسلم أحدهما في الآخر حال كونهما ( يعودان ) أي يمكن عودهما لأصلهما ( ينظر ) بضم التحتية وسكون [ ص: 392 ] النون وفتح الظاء المعجمة ( للمنفعة ) المقصودة منهما ، فإن اتحدت أو تقاربت كإبريق من نحاس في مثله أو صحن ، في طاسة منه منع ، وإن تباعدت كإبريق في طست كلاهما من نحاس جاز وفيها لا خير في سيف في سيفين دونه لتقارب منفعتهما إلا أن يبعد ما بينهما في الجودة والقطع .

تنكيت تبع ابن الحاجب في قوله يعودان مع تعقبه بأنه يوهم أنهما لو كانا لا يعودان لرقيق ثياب كتان في مثله لا ينظر ، لمنفعتهما ، وليس كذلك ، إذ لا فرق بينهما قاله تت . وأشار الخرشي لجوابه بقوله وأحرى إن لم يعودا وسواء كانت صنعتهما هينة أم لا .




الخدمات العلمية