الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 186 ] 311 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأيمان الموصول بعضها ببعض بختم إن شاء الله ، هل يكون ذلك استثناء في جميعها أو استثناء في اليمين الآخرة منها

1928 - حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي ، قال : حدثنا إبراهيم بن مكتوم ، قال : حدثنا عبد الله بن داود ، عن مسعر ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لأغزون قريشا ، ثم قال أشياء ثم قال : والله لأغزون قريشا ، ثم قال : إن شاء الله ، ثم قال : والله لأغزون قريشا ، ثم قال : إن شاء الله .

قال أبو جعفر : وإبراهيم بن مكتوم الذي روى هذا الحديث بصري صار إلى بغداد ، فحدث هناك ، وهو عند أهل الحديث ثقة معروف .

1929 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مسعر ، [ ص: 187 ] عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، ولم يذكر ابن عباس .

فهكذا روى مسعر هذا الحديث بالاستثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل يمين من الأيمان المذكورة فيه . وقد رواه شريك بن عبد الله النخعي بخلاف ذلك .

1930 - كما حدثنا محمد بن إبراهيم بن يحيى بن جناد البغدادي ، قال : حدثنا عمرو بن عون الواسطي ، قال : حدثنا شريك بن عبد الله ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، ثم قال في الثالثة : إن شاء الله .

[ ص: 188 ]

1931 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، قال : أخبرنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه : ضع لي غسلا ، فوضعه ثم قال : ولني ظهرك ، فولاه ظهره ، فاغتسل ، ثم قال : والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا ، والله لأغزون قريشا إن شاء الله .

فإن كان هذا الحديث في الحقيقة كما حدث به مسعر فإنه مفتوح المعنى لا يحتاج إلى كشفه ، وإن كان مما حدث به شريك فإنه مما يحتاج إلى كشفه ، فنظرنا إلى ذلك فوجدنا الله عز وجل قد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ، وكان عد مما قد يجوز أن يبلغه قائل هذا القول ، وقد يجوز أن يخترم دونه ، فأمر أن يقول مع هذا إن شاء الله ، على الإخلاص منه لله عز وجل ، وترك الدخول منه عليه في غيبه ، وإن كان ذلك القول مما أجراه الله عز وجل على لسانه ، وما كان كذلك فإن استعمال الإخلاص لله عز وجل في ذلك أولى ، كما قال عز وجل : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين .

فكان ذلك مما لا بد من كونه ، إذ كان الله عز وجل قد وعدهم به ، وقد قال عز وجل في ذلك إن شاء الله ، وفي ذلك ما قد دل على أن الناس فيما يقولون في الأشياء المستأنفات مما يعلمون أنه لا بد من كونها ، ومما قد يكون وقد لا يكون ، مأمورون بأن يصلوها بمشيئة الله عز وجل [ ص: 189 ] إياها إخلاصا له عز وجل وتسليما للأمور إليه وكذلك الأمور كلها ، فينبغي للحالفين بها إذا كانت على الأشياء المستأنفات أن يصلوها بإن شاء الله .

فإن قال قائل : فقد كان من النبي صلى الله عليه وسلم الإيلاء من نسائه بغير قول منه فيه : إن شاء الله ، حتى كان بذلك مؤليا منهم .

قيل له : قد يحتمل أن ذلك منه صلى الله عليه وسلم قبل إنزال الله عز وجل عليه ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله والله تعالى نسأله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية