[ ص: 399 ]  705 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسارى ، هل جائز أن يقتلوا أم لا ؟ 
قال  أبو جعفر   : قد كان  عطاء بن أبي رباح  يكره قتل الأسير صبرا 
كما قد حدثنا  إبراهيم بن مرزوق  قال : حدثنا  أبو عاصم  ، عن  ابن جريج  ، عن  عطاء  أنه كان يكره قتل الأسير صبرا ، ويتلو هذه الآية : فإما منا بعد وإما فداء    . 
 [ ص: 400 ] وكما حدثنا محمد بن خزيمة  ، حدثنا  يوسف بن عدي الكوفي  ، حدثنا  عبد الله بن المبارك  ، عن  ابن جريج  ، عن  عطاء  أنه كان يكره قتل المشرك صبرا ، ويتلو علينا : فشدوا الوثاق  إلى آخر الآية ، قال  ابن جريج   : فنسخها قوله : فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم   . 
 [ ص: 401 ] قال  أبو جعفر   : فتأملنا ما قال عطاء  مما ذكرناه عنه ، فوجدنا الله قد ذكر هذا المعنى في موضعين من كتابه ، أحدهما : الموضع المذكور في حديثه ، والآخر : المذكور في سورة الأنفال [ 67 ] ، وهو قوله عز وجل : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم  إلى قوله : عذاب عظيم  ، فكان في هذه الآية إعلام الله رسوله والمؤمنين أنه لا ينبغي لنبي أن تكون له أسرى من المشركين حتى يثخن القتل فيهم ، ومعقول أن القتل فيهم بما في هذه الآية أولى من الأسر لهم ، وفي ذلك ما قد دل على إطلاقه لهم قتلهم ، واستعمال الذي هو أولى بهم من الأسر الذي هم فيه ، وهذا فقد دل على إباحة قتل الأسرى لا على المنع من قتلهم ، وكانت الآية التي تلاها عطاء  في حديثه كان نزولها بعد  [ ص: 402 ] إحلال الله لهم الغنائم التي قد كانت قبل ذلك حراما عليهم ، ألا تراه عز وجل يقول : تريدون عرض الدنيا  أي : منافعها بالأسر الذي فعلتموه حتى تأخذوا الفداء ممن أسرتموه والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم  ، ثم أتبع ذلك بالوعيد الذي أتبعه به من قوله : لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم  ، وقد ذكرنا ذلك وما قد روي فيه وما قد تأول عليه فيما تقدم منا في كتابنا هذا ، وكان الأخذ المراد في ذلك - والله أعلم - هو الأسر الذي يكون سببا لذلك ، ولم نكن بينا ذلك هذا البيان في ذلك الموضع من كتابنا هذا في كتابنا هذا ، فذكرناه هاهنا لنقف عليه . 
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل الأسرى . 
 4514  - ما قد حدثنا  أبو أمية  قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي  ، حدثنا  عبيد الله بن عمرو  عن  زيد بن أبي أنيسة  ، عن  عمرو بن مرة  ، عن  إبراهيم  قال : أراد الضحاك بن قيس  أن يستعمل مسروقا  ، فقال له عمارة بن عقبة بن أبي معيط   : أتستعمل رجلا من بقايا قتلة عثمان  ؟ ! فقال له  مسروق   : حدثنا  عبد الله بن مسعود   - وكان في أنفسنا غير كذوب - أن أباك لما أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله ، فقال : من للصبية يا محمد  ؟ قال : " النار ، فقد رضيت لك بما رضي لك رسول الله صلى الله عليه وسلم   . 
 [ ص: 403 ] 
 4515  - وما قد حدثنا  الربيع بن سليمان المرادي   ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم  جميعا ، قال الربيع   : حدثنا شعيب بن الليث بن سعد ،  وقال محمد   : أخبرنا شعيب بن الليث  قالا : حدثنا  الليث بن سعد  ، عن  سعيد بن أبي سعيد  أنه سمع  أبا هريرة  يقول : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد  ، فجاءت برجل من بني حنيفة  يقال له : ثمامة بن أثال  ، سيد أهل  [ ص: 404 ] اليمامة  ، فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما عندك يا ثمامة  ؟ " قال : عندي يا رسول الله خير ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن ترد المال ، فسل تعط منه ما شئت ، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد ، فقال : " ما عندك يا ثمامة  ؟ " قال : عندي ما قلت لك ، ثم أعاد مثل كلامه الأول ، فتركه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان بعد الغد ، قال : " ما عندك يا ثمامة  ؟ " قال : عندي ما قلت لك ، ثم أعاد مثل كلامه الأول ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أطلقوا ثمامة   " ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد ، فاغتسل ، ثم دخل المسجد ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا  رسول الله ، يا محمد  ، ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي ، والله ما كان دين أبغض إلي من دينك ، فأصبح دينك أحب الدين إلي ، والله ما كان بلد أبغض إلي من بلدك ، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فماذا ترى ؟ فبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يعتمر ، فلما قدم مكة  ، قال له قائل : أصبوت يا ثمامة  ؟ قال : لا ، ولكن أسلمت مع محمد  رسول الله ، ووالله لا يأتيكم من اليمامة  حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم   . 
 [ ص: 405 ] 
 4516  - وما قد حدثنا  يزيد بن سنان  ، حدثنا  أبو بكر الحنفي  ، حدثنا  عبد الحميد بن جعفر  ، حدثنا  سعيد المقبري  أنه سمع  أبا هريرة  يقول : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا له   ... ثم ذكر مثله . 
 [ ص: 406 ] 
 4517  - وما قد حدثنا  إسحاق بن إبراهيم بن يونس  ، حدثنا  أبو بكر بن زنجويه وهو محمد بن عبد الملك  ، حدثنا  عبد الرزاق  ، أخبرنا  عبد الله   وعبيد الله ابنا عمر  ، عن  سعيد يعني المقبري  ، عن  أبي هريرة  أن ثمامة الحنفي  أسر ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إليه فيقول : ما عندك يا ثمامة  ؟ " فيقول : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تمن تمن على شاكر ، وإن ترد المال تعط منه ما شئت . فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء ، ويقولون : ما نصنع بقتل هذا ؟ فمن عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوما فأسلم يوما ، فحله وبعث معه النبي صلى الله عليه وسلم إلى حائط أبي طلحة  ، وأمره أن يغتسل ، فاغتسل وصلى ركعتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " حسن إسلام أخيكم   . 
أولا ترى إلى وقوف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول ثمامة  له وهو أسير : إن تقتل تقتل ذا دم ؟ ولم يدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، ويقول له  [ ص: 407 ] إن من أسر أمن ، يعني : أن لا أقتل الأسير ، وأنت أسير . 
 4518  - وما قد حدثنا  إسحاق  أيضا قال : حدثنا  محمد بن أبي عمر  ، حدثنا  سفيان  ، عن  ابن عجلان  ، عن  زيد بن أسلم  ، عن  المقبري  ، عن  أبي هريرة  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر ثمامة بن أثال  ، فكان يمر به ، فيقول : يا ثمامة  ، ما عندك ؟ " فيقول : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تمن تمن على شاكر  ، ثم ذكر الحديث . 
ففي ذلك ما قد دل أنه كان جائزا له قتله . 
 4519  - وما قد حدثنا  يونس  ، أخبرنا  ابن وهب  أن  مالكا  أخبره ، عن  ابن شهاب  ، عن  أنس بن مالك  
 4520  - وما قد حدثنا  إبراهيم بن مرزوق  ، حدثنا  أبو الوليد  ، حدثنا  مالك  في حديثيهما جميعا ، عن  ابن شهاب  ، عن  أنس بن مالك  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة  عام الفتح وعلى رأسه المغفر ، فلما نزعه ، جاءه رجل ، فقال : يا رسول  [ ص: 408 ] الله ، هذا ابن خطل  متعلق بأستار الكعبة  ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقتلوه   . 
 [ ص: 409 ] قال  أبو جعفر   : وابن خطل  يومئذ في حكم الأسير . 
 4521  - وما قد حدثنا  أبو أمية ،  حدثنا أحمد بن المفضل الحفري  ، حدثنا أسباط بن نصر  قال : زعم  السدي  عن  مصعب بن سعد  ، عن  أبيه  قال : لما كان يوم فتح مكة ، أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين ، وقال : اقتلوهم ، وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ; عكرمة بن أبي جهل  ، وعبد الله بن خطل  ، ومقيس بن صبابة  ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح  ، فأما عبد الله بن خطل  ، فأتي وهو متعلق بأستار الكعبة  ، فاستبق إليه سعيد بن حريث  وعمار بن ياسر  ، فسبق سعيد  عمارا  ، وكان أشد الرجلين فقتله ، وأما مقيس بن صبابة  ، فأدركه الناس بالسوق فقتلوه ، وأما عكرمة بن أبي جهل  ، فركب البحر ، فأصابهم ريح عاصف ، فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة : أخلصوا ، فإن آلهتكم لا تغني عنكم هاهنا شيئا ، فقال عكرمة   : والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره ، اللهم إن لك علي عهدا إن أنت أنجيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا  صلى الله عليه وسلم ، ثم أضع يدي في يده ، فلأجدنه عفوا كريما ، فنجا فأسلم ، وأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح  ، فإنه اختبأ عند عثمان  ، فلما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس للبيعة ، جاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، بايع عبد الله  ، فرفع رأسه ، فنظر إليه ثلاثا ، كل ذلك يأبى ، فبايعه بعد ثلاث ، ثم أقبل على أصحابه ، فقال : " أما كان فيكم رجل يقوم إلى هذا حين رآني كففت عن بيعته فيقتله ؟ " قالوا : ما درينا يا رسول الله ما في نفسك ، فهلا أومأت إلينا بعينك ! فقال : إنه لا ينبغي للنبي  [ ص: 410 ] أن يكون له خائنة عين   . 
 4522  - وما قد حدثنا فهد  ، حدثنا  أبو بكر بن أبي شيبة  ، حدثنا أحمد بن المفضل  ، ثم ذكر بإسناده مثله . 
أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في هذا الحديث لأصحابه ما 
 [ ص: 411 ] 
 4523  - وما قد حدثنا  يزيد بن سنان  ، حدثنا أحمد بن أيوب الشعيري   وشيبان بن فروخ   . وما قد حدثنا  محمد بن علي بن زيد المكي  ، حدثنا حفص بن عمر الجدي ،  قالوا : حدثنا  عبد الوارث بن سعيد  ، حدثنا نافع أبو غالب  قال : رأيت جنازة كثيرة الأهل ، فيها  أنس بن مالك  ، فقال  أنس   : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان رجل من الكفار أشد الناس على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن أمكنه الله منه ليضربن عنقه ، فأظفر الله تعالى المسلمين بهم ، وكانوا يجيئون بهم أسارى ، فيبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى جيء بذلك الرجل ، فكف النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعته ليفي الرجل بنذره ، وكره الرجل أن يقوم فيضرب عنقه قدام النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم لا يصنع شيئا بايعه النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : كيف أصنع يا رسول الله بنذري ؟ فقال : " قد كففت عنه لتفي بنذرك ، فلم تصنع شيئا " ، فقال : يا رسول الله ، لولا أومضت إلي ، فقال : ما كان لنبي أن يومض . وفي حديث يزيد  خاصة ، وكان ذلك في غزوة حنين   . 
 [ ص: 412 ] ففي هذا الحديث أيضا مثل ما في الحديث الذي قبله . 
 4524  - وما قد حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ،  حدثنا  علي بن معبد   4525  - وما قد حدثنا فهد بن سليمان  ، حدثنا  أبو غسان ،  قالا : حدثنا  أبو بكر بن عياش  ، حدثني  عاصم بن بهدلة  ، حدثني  أبو وائل  ، حدثني ابن معيز السعدي  ، عن  عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ، فجاءه ابن النواحة  ورجل معه يقال له : ابن وثال  ، قدم معه وافدين من عند مسيلمة  ، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتشهدان أني رسول الله ؟ " فقالا : أتشهد أنت أن مسيلمة  رسول الله ؟ قال : آمنت بالله وبرسله ، لو كنت قاتلا وافدا لقتلتكما   . 
قال  أبو جعفر   : وهما حينئذ كالأسيرين ، وفيما ذكرنا من هذه الآثار ما قد دل على إباحة قتل الأسرى ، والله نسأله التوفيق . 
				
						
						
